وكانت لحظة عابرة

حسين عمر_

وصلت المجموعة الجديدة من المقاتلين والمقاتلات لتقوية الخطوط الأمامية من الجبهة، بدأ القائد عكيد يتحدث لهم عن أهمية ومدى خطورة المهمة، التي قدموا لأجلها، شرح لهم الوضع العسكري في المنطقة واتجاهات تمركز قوات العدو ونقاط القوة النارية، التي يستخدمها ضدهم.

في هذه الأثناء لاحظت المقاتلة روكن صديقتها وجارتها شيلان بين المجموعة، شُرِحت أسارير وجهها، ودت لو تركض إليها وتحتضها، ولكنها أدركت أن هذا غير ممكن إلا بعد انتهاء الاجتماع. أنهى عكيد حديثه وطلب من المجموعة أخذ استراحة قبل التحاقهم بنقاط تموضعهم.

كانت روكن على أحر من الجمر لملاقاة شيلان، فهي الصديقة المقربة، بينهما سنوات من اللعب والدراسة والعمل النضالي، وعندما قررتا الانضمام إلى صفوف الحركة الشبابية بعد التطورات الدراماتيكية التي غيرت من توجهات الشباب، من الاهتمام بالحياة الخاصة إلى الحياة العامة، والعمل من أجل تعزيز دور الشباب في عملية التغيرات الجارية -استغربت عائلة الشابتين- فهما كانتا تقضيان كل وقتهما إما في الدراسة أو متابعة الأفلام والمسلسلات التلفازية، لم تكونا تهتمان بالسياسة أو الأحاديث السياسية، كانت لهما تكرار للجمل، تستمعان الى تلك الأحاديث منذ نعومة أظفارهما دون أن تلاحظا فيها أي تغير يذكر، وما هي إلا تكرار لأسماء الأحزاب، وزعمائها، والحقوق السياسية والثقافية.. الخ، ولهذا لم يعد يستهويهن السماع بقدر محبتهم لسماع أغنية مكررة مئات المرات.

تضحك روكن وتقول: الأغنية، والموسيقا غذاء الروح، ولكن أحاديث أبي السياسية تسد النفس، وتقاطعها شيلان: وأبي نفس الشيء، تصوري وأنا مندمجة مع المسلسل، يدخل فجأة ويتجه نحو التلفاز ليحول القناة إلى الأخبار، دون أن يكترث لأحد، وليت الأخبار أفادته شيئاً، يستمع إلى الأخبار ويردد أسطوانته القديمة من كلمات حفظها، ومعلومات جمعها.

في الاجتماع الأول لهم بدأ الرفيق المكلف يتحدث عن أساليب النضال والمهمات الملقاة على كاهل الشباب.

همست روكن في أذن شيلان قائلة: إي ما خلصنا من أسطوانة أبي.

ابتسمت شيلان دون أن ترد.

ولكنهما لاحظتا وجود كلمات، وأقوال جديدة تسمعانها لأول مرة. كانت هذه البداية.

وبعد مدة من التدريب قررتا الانضمام الى القوة المقاتلة، لتحقيق أمنيتهما في أن يكون لهما دور بارز عملي في النضال الوطني، الذي قررتا الانخراط فيها، بعد انتهاء الدورة التدريبة العسكرية، تم توزيع العناصر على النقاط والمواقع العسكرية المختلفة، أحستا بغصة ولكنهما ودعتا بعضهما، وتمنت كل واحدة للأخرى الصمود والمقاومة والحياة المديدة.

عندما توجهت المجموعة للاستراحة. لم تنتظر روكن ونادت: شيلان وركضت نحوها، استدارت شيلان لم يسعفها هول المفاجئة للتوجه هي الأخرى نحو روكن، بل تسمرت في مكانها تنظر إلى صديقتها التي تعلو الضحكة محياها.

وصلت روكن وقبل عدة أمتار فتحت ذراعيها متوجهة نحو شيلان التي سبقتها دموع الفرح المنهمر من عينيها. تعانقت الصديقتان، توجهتا نحو مكان الاستراحة، أخذتا أطراف الحديث عن الأمور العسكرية وتقييم مسائل متعلقة بها.

ضحكت روكن وقالت لشيلان: كنا قديما “نتحدث عن الأغاني والمسلسلات، تعالي نتحدث عنها مرة ثانية”.

ضحكت شيلان: حياتنا هي الفيلم الذي لا يمكن لأي مخرج صنعه.

انتهى وقت الاستراحة قبل الوقت المقرر لأن العدو بدأ بقصف بعض نقاط تواجد رفاقهم، التحقت كل منهن بمكان تمركزها وتواعدتا على اللقاء.