سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

وداعا فؤاد حميرة…أمير الغزلان

عبد الرحمن ربوع_

رحل فؤاد حميرة مودعاً بأسى ملايين السوريين، الذين أحبوا إنسانيته النقية، وموهبته الفذة، ووطنيته وعنفوانه، وإباءه. مثل فارس نبيل كبا عن جواده الأصيل، عاش فؤاد حميرة ممتطيًا صهوة أوراقه وأقلامه، يحارب ذئاب الغابة، وسباع الفلاة، مدافعًا عن الغزلان والحملان، ومطالبًا بحقوقهم المسلوبة من عتبات الاستبداد، وفي عتمات الفساد.
رحل أمير الغزلان، الذي تجرّع العلقم والحصرم لأجل ما آمن به، مضحيًا بأغلى ما يحب، ويتمنى كل إنسان. وكان قد حقق بموهبته وعبقريته ودأبه ما يطمح إليه كل مبدع من مكانة أدبية، واستقرار اجتماعي.
 وعند قيام بداية التغيير في سوريا عام 2011، تحتّم عليه أن ينحاز إلى أولئك، الذين رآهم أشخاصًا على أرض الواقع، يتنفسون ويهتفون ويقاتلون، بعد أن كانوا أشخاصًا من حبر وورق في مسرحياته، ومسلسلاته، وأفلامه، ورواياته.
انحاز إلى من صدّقوه، وآمنوا به حين كان يصارع وحيداً رجالًا “تحت الطربوش” في “شتاء ساخن” و”ممرات ضيقة”، وليس في جعبته إلا “رصاصة”. فانضم إليهم بعد أن التحقوا به، فكان أباً وابناً وأخاً للثورة في آن.
حميرة الذي آمن بإرادة حرة، وإدارة ذاتية لكل حاضرة سوريا. كل حاضرة سواء كانت قرية أو مدينة أو محافظة، يحكمها ويديرها أبناؤها. أبناؤها الأدرى بشؤونها، والأحرص على مقدراتها، والأكثر خوفاً على أمنها. وفق منهج ديمقراطي انتخابي مباشر، صادر من قاعدة شعبية، وليس مفروضًا من “فوق”، أو هبة من “الدكتاتور”.
عادته حكومة دمشق، وحاربته المعارضة، ولم ينصفه إلا إبداعه وموهبته، ولم يؤمن به إلا ملايين السوريين، الذين حكى لهم، وعبّر عنهم في سردياته الدرامية والروائية. كما أحبه وارتاح له كل أولئك، الذين كان يلتقيهم في مقاهي المنافي، وحواريات مواقع التواصل الافتراضي، أو زارهم في الحسكة والرقة. وكانت غاية سعادته، أن يراهم يحققون حلمه، في امتلاكهم القدرة على حماية وتنمية وتطوير أنفسهم وبيئتهم، ومجتمعهم مثلما حلم لأبطاله “الغزلان” ذات “شتاء ساخن” في “ممرات ضيقة.
وها قد ترجّل الفارس، بعد أن نالت منه “رصاصة”. ليرتاح في مثوى عِشْقِه الأثير “الإسكندرية”. الإسكندرية، التي رأى في مائها انعكاس روحه، وفي هوائها حاملًا موثوقًا به لأجنحته. وقد حوّله أبناؤها “الجدعان” لواحد منهم بعد أن ضاقت به أرض وسماء معشوقته دمشق.
لقد عاش فؤاد حميرة ومات وفيًا لغزلان الغابة، ولم يقبل أبدًا (مهما كلفه الأمر) أن يجعل ذئبًا بطلًا. بل عاش ومات يحلم بجيش عرمرم موحّد من الغزلان يُنهي تسلّط الذئاب للأبد، ويحوّل الغابة إلى دوحة هانئة، وواحة سامرة. وعزاؤنا برحيله، أنه ربما “غارق في الحلا” كما تمنى وتنبأ. وأنه فعلًا كما قال قُبيل وفاته: “أيوووه.. ده الموت حلو يا ولاد”. ويقيننا أن الموت راحة، وسعادة للجميلين، أمثال فؤاد حميرة.