لم يذكر المبعوثُ الأمريكيّ السابق للتحالف الدولي ضد مرتزقة “داعش” بريت ماكغورك شيئاً جديداً عندما تحدث عن العلاقة بين حكومة أنقرة ومرتزقة داعش، بل إنّه أضاف دليلاً جديداً إلى كمٍ كبيرٍ من الدلائل التي تؤكد هذه الحقيقة المثبتة، والمفارقة أنّ الاتفاق الأمريكيّ-التركيّ يفوّض أنقرة بمهمة حراسة معتقلي داعش.
ماكغورك والشهادةُ المتأخرةُ
لعلّ المبعوث الأمريكيّ ماكغورك أدلى بشهادته متأخراً حول علاقة أنقرة بداعش، وراحت مواقع إخباريّة تصفه بمعلومات صادمة، إذ قال في ندوة حواريّة: “أدرتُ حملة التحالف الدوليّ ضد “داعش”، لقد سمحت تركيا بمرور 40 ألف داعشيّ قدموا من 110 دول إلى مطاراتها ثم اتجهوا إلى الحدود السوريّة”. وأضاف: “الخلافة الداعشيّة كانت على الحدود التركيّة، لقد عملنا مع تركيا وزرتها أكثر من أيّ دولةٍ أخرى لحثّهم على إغلاق الحدود، ولكنهم لم يفعلوا، وقال المسؤولون الأتراك إنّهم لا يستطيعون إغلاق الحدود رغم طلبات التحالف المتكررة”. وكشف ماكغورك عن زيف الادعاء التركيّ مشيراً إلى أنه عند تحير قوات سوريا الديمقراطية أجزاء من الحدود أغلقت تركيا الحدود فوراً وبنت جداراً عازلاً في المناطق الحدودية.
بالمجملِ لا جديدَ في حديث ماكغورك فالأدلة كثيرة جديدة، ونسأل هل من فرقٍ بين أنقرة وداعش؟ فقد حوّلت أنقرة داعش إلى أداةٍ تنفذ بها أهدافها حتى ضمن تركيا كما في تفجيرات أنقرة في 10/10/2015 وتفجير سروتش الانتحاريّ في 20/7/2015 وحوادث أمنيّة أخرى تمهيداً لإعادة الانتخابات البرلمانيّة. ووفقاً لمورنينج ستار، اتهم تقريرٌ صادر عن مركز الاستخبارات التابع للاتحاد الأوروبيّ الرئيس أردوغان بتكليفِ عناصر داعش بتنفيذِ العملياتِ التي استهدفت تجمعات بالعاصمة أنقرة. وفي 25/8/2019 هدد أحمد داوود أوغلو بفتح الصندوق الأسود للرئيس التركيّ وقال: “إذا فتحت دفاتر مكافحة الإرهاب، ستسوّدُ وجوهٌ كثيرةٌ”.
ومن الأدلة الواضحة أنّه وُجدت في حوزةِ كثيرٍ من معتقلي داعش جوازاتُ سفرٍ ممهورةٌ بأختامٍ تركيّة، أي أنّهم قدِموا علناً وعبر المطاراتِ النظاميّةِ وبخاصّةٍ إسطنبول. وأكّدت تقاريرٌ العلاقاتِ المشبوهة باحتفاظِ “داعش” بتمثيلٍ داخل تركيا، مهمته استقبال المسلحين الأجانب، وتسهيلِ مرورهم إلى المناطقِ الحدوديّة مع سوريا.
علاقاتُ دعم أنقرة لإرهابيي داعش تضمنت تسهيلاتِ عبورٍ كبيرةً، ويقول المرتزق نواف العتيبيّ الذي كان يعمل في ورشات التصنيع لدى داعش: “لم يكن هناك شيءٌ اسمه الحدودُ بيننا وبين تركيا آنذاك، بل كانت أرضاً مفتوحة، جميع مستلزماتنا الحياتيّة واللوجستيّة وما نرغب به في الأسواق كان بضاعة تركيّة، ما نطلبه يأتي لنا من تركيا، جميع جرحانا كانوا يتلقون العلاج والعمليات الجراحيّة وغيرها في المشافي التركيّة، كنا نقوم بنقلهم إلى تلك المشافي ويتم الاعتناء بهم وبعدها يعودون إلى ساحات القتال”.
دعمٌ لوجيستيّ وعلاقاتُ تواصلٍ
سلطت صحيفة (نيويورك بوست) الأمريكيّة، في عددها الصادر في 29/9/2019الضوء على دعم حزب العدالة والتنمية الحاكم، لمرتزقة داعش الإرهابيّ والجماعات الجهاديّة الأخرى، واستعرضت أدلة تثبت ذلك، كما انتقدت الموقف الصامت للصحافة الأمريكيّة ضد هذه العلاقة. وأفادت الصحيفة في تقريرٍ بعنوان «لماذا تصمت الصحافة الأمريكيّة أمام علاقة أردوغان بداعش» بأنّ المخابرات التركيّة تقدم، بأوامر من أردوغان، مساعدات الماليّة وموارد لمرتزقة داعش، ونقلت عن مسؤولين في الجمارك التركيّة، أن تركيا تتجاهل تدفق مرتزقة داعش إلى سوريا والعراق عبر أراضيها. وفقاً لما نقل موقع (تركيا الآن).
وعادت الصحيفة الأمريكيّة إلى وثائق كشفت عنها ويكيليكس عام 2016، واحتوت على أرشيف ضمّ 58 ألف رسالة إلكترونيّة، توثّق تورط صهر أردوغان، بيرات البيراق، في مساعدة مرتزقة “داعش” بسرقة النفط من سوريا والعراق.
وأقامت سمية أردوغان ابنة الرئيس التركيّ، فرقة طبيّة متكاملة ومستشفى لعلاج جرحى مرتزقة داعش في شانلي أورفة الحدوديّة، حيث كان يتم نقل المصابين بإصابة بالغة بسيارات إسعاف الجيش التركيّ عبر الحدود إلى أورفة تفتيش.
وتساءلت الصحيفة الأمريكيّة لماذا لا تنتقد الولايات المتحدة الأمريكية علاقة أردوغان بمرتزقة داعش والجماعات الجهاديّة، رغم جميع الأدلة، قائلة: «هذا هو السؤال: لماذا لا تهتم وسائل الإعلام الأمريكيّة، بفضح الدعم الشخصيّ والمؤسسي الذي يقدّمه الرئيس التركي لداعش والجماعات الجهادية الأخرى»؟
وكانت شبكة “أحوال تركيا” الإخباريّة، كشفت في آذار الماضي، نقلاً عن مهندسٍ مغربي، يُدعى أبو منصور المغربيّ، انضم إلى داعش في سوريا عام 2013، إنّه كان يعمل سفيراً “للمنظمة الإرهابيّة” في تركيا وأنّه التقى بمسؤولين رفيعي المستوى من الجيش والأفرع الأمنيّة للحكومة، وكاد يلتقي بأردوغان نفسه.
والمثير أنه لا مساءلة لحكومة أردوغان على فعلتها هذه إلا من قبل المعارضة التركيّة، وكشف الكاتب والباحث السياسيّ جواد غوك عن تقديم نوابٍ من حزب الشعب الجمهوريّ المعارض، مقترحاً يقضي بضرورة خضوع جميع المسؤولين المتورطين بعلاقات مع مرتزقة “داعش” للمساءلة أمام القضاء.
تراخٍ أمريكيّ مبكر
ويبرز السؤال: لماذا لم تلاحق الولايات المتحدة دولة الاحتلال التركي على خلفيّة تلك الاتهامات وتتدخل لإيقاف تلك العمليات وبخاصة أنّ واشنطن شكّلت تحالفاً دوليّاً هدفه الأساسيّ القضاء على “داعش”، وقطع مصادر تمويله؟
ويفسر مستشار مركز سياسات الخليج في واشنطن ثيودور كاراسيك، الأمر قائلاً: “في تركيا طرق عدة لتهريب النفط والكثير من البضائع، وكان من بين أهداف التحالف الدولي تعقب تلك الطرق”. لكن واشنطن، وفقاً لكاراسيك، كانت واشنطن مترددة في تعقب الحاويات.
بالمجمل كانت العلاقة المشبوهة بصيغة تخادمٍ بين مرتزقة داعش والمحتل التركي تضمنت “تجارة النفط” والقتال وفق أجندة أنقرة، فكسب مرتزثة داعش مصدراً للتمويل وامتلأت جيوب الفاسدين من المسؤولين الأتراك.
من الدلائل الأخيرة للعلاقةِ ما أثبتته معطيات الميدان خلال الحرب الحالية على شمال سوريا، إذ تعمدت قوات العدوان التركي قصف السجون لخلق تمكّن مرتزقة داعش من الفرار وهو ما حصل فعلاُ، حالة فوضى وقد ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكيّة في تقريرها أنّ قصف المحتل التركيّ على شمال سوريا يتركز على سجون “داعش”، وهو ما أدّى إلى فرارِ العشرات منهم حتى الآن.
اليوم يدخلُ التعاون مرحلة جديدة، إذ باتت تركيا بمباركة أمريكيّة مسؤولة عن أسرى داعش، بعد رفض فرنسا وألمانيا ودول أوروبيّة أخرى استلام مواطنيها الإرهابيين، ولذلك فإنّ الاتفاق الأمريكيّ-التركيّ جاء ضبابيّاً غير واضح المعالم وهو ما يمنح أنقرة فرص التلاعب بتفسيره، ويخوّلها صلاحياتٍ ليست جديرة بها. كما أنّه ينطوي على تجاهلٍ أمريكيّ على نيةِ أنقرة للثأرِ لهزيمةِ مرتزقة داعش، ومحاولةِ إعادة إحيائها.
تقرير/ رامان آزاد
