تصريحات أدلى بها رأس النظام السوري في الفترة الأخيرة تشير إلى أنَّ قوات سورية الديمقراطية هي قوات وطنية يمكن التفاوض معها إن كانوا مستعدين لذلك، وأتى الرد على هذه التصريحات من مجلس سورية الديمقراطية بالإيجاب، وذاعت شائعات كثيرة حول هذا الموضوع، فبدا وكأنه بين ليلة وضحاها تم الاتفاق على تسليم مناطق شمال شرقي سورية للنظام، على إثرها قامت الإدارة الذاتية بإزالة الرموز والصور التي كانت معلقة في واجهات الشوارع. فبدأت أصوات مؤيدة للنظام ترتفع وكأنَّها منتصرة وتُهدِّد الجميع مستقوية بالنظام لدى رجوعه، وبالمقابل هناك الكثيرون ممن اختلطت الحسابات لديهم، فهم لا يعلمون ما الذي حدث ويحدث، فيتجهزون لتسوية أمورهم مع النظام. وهناك من يصطاد في الماء العكر، ليبدأ برسم السيناريوهات التي تضع بنود اتفاقات وهمية نتيجة لقاءات وهمية حدثت بين وفود من الإدارة الذاتية والنظام. فإذا كان كلُّ ما يُنشر عبر صفحات الكترونية وجرائد بعيداً عن الواقع؛ فما هي الحقيقة إذاً؟
أولاً: وعلى حد علمي إنَّ فكرة إعادة تنظيم شكليات المدن، لم تكن وليدة فترة قصيرة، إنَّما كان موضوعَ نِقاش ما يقارب أكثر من عام، وذلك لحساسية الوضع ومن قناعة بأنَّ العمل بوعيٍ ومسؤولية تجاه من ضحى في سبيل أنْ نعيش بكرامة، ومراعاة لمشاعر فئة واسعة من جماهيرنا الشعبية التي ترى في ذلك جانباً معنوياً لا بدَّ من وجوده، تأخَّر التنفيذُ. والحقيقة هي أنَّ الشهداء هم ملك للشعب وهم قيمة لا يعلو عليها قيمة، لكن تعليق الصور في الشوارع لفترة طويلة وتعرضها لأشعة الشمس والأمطار والضرر الذي تتعرض لها، والإهمال الذي هو محل انتقاد؛ يعطي صورة غير حضارية ويُؤثِّرُ سلباً على القيمة المعنوية لصاحب الصورة. والمعنى الذي يجب أن نستخرجه من موضوع كهذا هو التزامنا بواجباتنا تجاه قيمنا المعنوية بالعمل والإصرار على تحقيق الهدف الذي كانوا يصبون إليه. والحفاظ على المكتسبات التي خلقها الشهداء بدمائهم بوعي وحسٍّ وطني وبروح المسؤولية الذي يفوق كل أنواع الشكليات، إعادة تنظيم وترتيب شوارع مدننا يعطي وجهاً حضارياً وبالتالي فالخطوة لم تكن نتيجة خوف أو بضغطٍ خارجي أو باتفاقٍ مع النظام، وإن تطلَّب ذلك الاعتذار من كل عوائل الشهداء والوطنيين الشرفاء الذين ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل إعلاء راية الحرية.
ثانيا: حتى الآن لم يحدث أيُّ لقاءٍ رسميٍّ بيننا وبين النظام، ما يجري حتى الآن لم يتجاوز مستوى البيانات، والكرة لا تزال في ملعب النظام، وعليه أن يعطيَ الجواب بجدية فيما يخص عملية الحوار والتفاوض. ونحن أبدينا استعدادنا للتفاوض قناعةً منا أنها الطريقة الوحيدة التي ستؤدي إلى حلٍّ شامل وجذري للأزمة السورية. ومن يصطاد في الماء العكر ويريد أن يظهر موقفنا هذا على أنه عملية استسلام، يسعى لخلق البلبلة بين الناس ليلتجِئ الجميع إلى النظام والاحتماء به، علماً أنَّ ما نقوم به هو عين الصواب، لأنَّنا مع وحدة الأراضي السورية، ونحن مع الدولة اللامركزية التعددية الديمقراطية.
ثالثا: نحن مع وحدة صف المعارضة، علماً أنَّ من ظهر على الساحة حتى الآن ولعب دور المعارضة، كان تابعاً لأجندات خارجية، لم يخدم مصلحة الشعب السوري، بل بالعكس ساهم في تشتيت صفوفه، وبالمقابل كان هناك العشرات من الشخصيات الوطنية التي رجحت العمل بصمت بدل (الهوبرة)، ونثق أنَّه حان الوقت لتلعب تلك الأصوات دورها في قيادة دفة عملية التغيير الديمقراطي والنهضة الفكرية في سورية أثناء مرحلة الحل وما بعدها. لذلك نحن مهتمون بقضية توحيد تلك الأصوات إلى جانب من تفتَّحت عيناه على الحقيقة واقتنع بأنَّه كان سائراً على درب خاطئة. الدعوة لعقد مؤتمر وطني مسؤولية توضع على رأس عمل كل كتلة وطنية معارضة، لذلك نقول لقد حان الوقت للعمل معاً على مشروع سوري وطني ديمقراطي. والمساهمة في إيقاف نزيف الدم السوري.
رابعا: كي ننقذ سورية من هذا البلاء العظيم، يجب أن نكون كسوريين سائرين على الخط نفسه، ألا يُنظر للقضية الكردية من منظور الخطر، بل بالعكس إذ تُعتبر القضية الكردية وقضية الشعوب الأخرى نقطة قوة للقضية الأم وهي مفتاح الحل الجذري، إنْ تمَّ التوافق على كيفية حلها. والحرص على تثبيت الإنجازات في هذه المناطق بالدستور السوري، والعمل على تعميمها في المحافظات الأخرى، دمقرطة دمشق عملية مهمة جداً، لها دورٌ مصيري على المناطق السورية الأخرى، تم احتلال عفرين نتيجة تفاهمات دولية، لكن المساعي المحلية أيضا ستجبر تلك الدول لإعادة النظر في تفاهماتها، وليس من الصحيح تعريض أي حركة تحدث هناك للنقد؛ لأنه بالنتيجة لا بدَّ من أن نخلق جواً يحرم المحتل من التفكير بالاستقرار هناك إلى الأبد، وعليه فإنه يتوجب البحث عن طرق الانسحاب منها بأيِّ ثمنٍ كان.
نعم أتى التركي ليحتل ولم يأتِ للتنزه، وما الانتهاكات التي يرتكبها هناك إلا عبارة عن أساليب تسعى لترهيب الناس وإجبارهم على ترك منازلهم وممتلكاتهم للمحتل. البعض يقول: بما أنَّكم كنتم ستتركونها فلماذا ضحيتم بهذا العدد من الشهداء، حبذا لو تركتموها للنظام يدخلها كما يشاء. نعم جمل يلفظونها دون التعمق في معانيها، المقاومة بالنسبة لهم أصبحت مصيبة، ولا يدرون أنَّ التسليم هو أيضا من أكبر الفواجع التي كان سيتعرض لها شعبنا وأهلنا.
أساليب كهذه من الدعاية التحريضية تعتبر من أقوى السبل التي تخدم مصلحة المحتل، زرع الفتنة، وإضعاف الثقة بالمكتسبات وما تحقق بتضحيات جسام وإنكارها، التهجُّم على الإنجازات باسم النقد، إعطاء النظرة النهيلية الإنكارية لكل خطوة تتحقق على هذه الأرض. ونحن نعتقد أنَّ من يبث الإشاعات هي دائرة الحرب الخاصة للدول الإقليمية والنظام معاً، وهي أكبر المؤسسات التي تتفعَّل أثناء الحروب؛ كي تخلق الضبابية ثم تبدأ تصطاد في الماء العكر، وتضليل وتشويه صورة الحقائق الموجودة والتي تُرى بالعين. فنطلب من شعبنا أن يتيقَّظ لأساليب كهذه، وأن يرسم هو سياساته المستقلة ليؤثر على الطرف المقابل المعتدي.