هكذا تتكلم المدافن الأثرية في منبج عن نفسها!

إعداد/ آزاد الكردي –

روناهي/ منبج: يقال في العرف المحلي لسكان مدينة منبج أن تحت كل حجر أثر، وعلى الرغم من هذا الأمر، فإن منبج لم تأخذ نصيباً كافياً من أعمال التنقيب والدراسات الأثرية، لا سيما وأنها كانت تتمتع بأهمية دينية واقتصادية وعسكرية كبيرة خلال العصر الهلنستي، ومن ذلك؛ المدافن الأثرية البيزنطية.

ويعود تاريخ هذه المدافن إلى الفترة البيزنطية، وتعتبر الأولى من نوعها في سوريا. وحتى تاريخ التنقيب لم يتيسر اكتشاف مدافن من هذا النوع، وهذا يعني أن هناك أهمية خاصة ومعلومات أثرية وتاريخية كبيرة لهذه المدافن، مما سيؤدي حتماً إلى زيادة معرفتنا أيضاً بطقوس الدفن وعادته وتأثيرات الحضارات السابقة في الحضارة البيزنطية.

ثلاثة نماذج من المدافن

اكتشفت المدافن البيزنطية مؤخراً من قبل دائرة الآثار بعدما أفصحت عنها أثناء تنفيذ بلدية الشعب؛ البنية الأساسية لمشروع شق طريق بعرض 30م في الحي الشرقي لمدينة منبج، وقد أوقف المشروع؛ بناء على هذه المعطيات المستجدة، وأثناء الكشف على الموقع، عثر على المدافن البيزنطية وأماكن مشاهدة رسوم جدارية في البعض منها، وبعد عمليات التوثيق والدراسة، أمكن تمييز ثلاثة نماذج من المدافن؛ بالاعتماد على الشكل والفريسك فيها كما يلي:

النموذج الأول

مدافن النموذج الأول، وعددها خمسة مدافن أثرية تعود إلى الفترة البيزنطية، لها نفس أسلوب البناء والشكل العام، إذ أنها تتألف من:

ـ مدخل: ويشتمل بدوره على الباب الأول أو العلوي ويكون في بداية المدافن وعلى السطح الخارجي، وعادة ما تكون مغطاة بقطعة حجرية، مستطيلة الشكل، ثقيلة جداً لا يمكن لعدة أشخاص تحريكها من مكانها، ويؤدي الباب العلوي إلى درج، مؤلف من حوالي إحدى عشرة درجة، في نهايته، يوجد باب مفتوح، مقنطر الشكل، ويتخلله ساكف إلى بهو المدفن.

ـ بهو المدفن: يكون مستطيل الشكل في الأرضية، ومن الأعلى قوسي الشكل، مرسوم عليه الفريسك بشكل كامل.

ـ حجرات الدفن: في كل مدفن، ثلاث حجرات، كل حجرة فيها ثلاثة قبور” أيمن، أيسر، أمامي”، وتكون حجرات الدفن على اليمين واليسار، أما بالنسبة إلى الأمام، فهو مخصص لبهو المدفن.

ـ يوجد على جانبي الباب، ومن داخله كوة قوسية الشكل من أجل وضع الأسرجة أو الزينة، وربما أحياناً يتحول ذلك إلى كرسي خاص بالجلوس.

ـ يمكن ملاحظة أن المدفن من الداخل، محفور بالطبقة الصخرية، وبعد ذلك، أعيد بناؤه من الداخل ليأخذ شكلاً هندسياً رائعاً، ومن ثم طلي بمادة جصية، تمهيداً لرسم أشكال هندسية قد يكون استخدم فيها الفرجار لرسم هذه الدوائر، وهذه الدوائر تتقاطع مع بعضها البعض، لتعطي أشكالاً هندسية وبنائية جميلة. والدوائر على نوعين كبيرة وغير ملونة، وما يميزها أن نقاط التقاطع فيما بينها ضمن دوائر أصغر، بحيث تكون أماكن التقاطع ملونة من أجل إعطاء الشكل المطلوب.

النموذج الثاني

تحتوي على مدفنين اثنين، وهما مربعا الشكل تقريباً، وتتألف من المدخل والبهو، وعدة غرف للدفن، مستطيلة الشكل على اليمين والأمام واليسار، وتضم كل غرفة باباً صغيراً مربع الشكل أيضاً. وهذه المدافن محفورة في الطبقة الصخرية، ولكن هذا النوع من المدافن لا يحتوي على درج على الرغم من ارتفاعه لأكثر من مترين.

النموذج الثالث

 فهي تحتوي على ثلاثة مدافن تأخذ شكل الصليب في ثلاث حجرات، في كل حجرة ثلاثة قبور” أيمن، أيسر، أمامي”، لكن من دون أية زخارف أخرى، ومدخل كل حجرة قوسي الشكل. كما يمكن الإشارة إلى أنه عثر على شكل صليب على باب المدفن رقم اثنين، ترافقه كتابة لاتينية قد تكون لاسم الشخص أو العائلة المدفونة.

الجدير ذكره، أن اكتشاف المدافن البيزنطية يأتي استكمالاً لما تم اكتشافه في السنوات الماضية، إذ تم اكتشاف 15 مدفناً في المنطقة نفسها ما يدل على أن هذا المكان، هو مقبرة مدينة منبج في الفترة البيزنطية، كما أن المدافن تقع تحت شوارع المدينة الحديثة في الحارة الشرقية لمدينة منبج، واتخذت دائرة الآثار مجموعة من الإجراءات اللازمة للمحافظة عليها وإعدادها سياحياً من خلال أرشفتها وتصوير آثارها وحماية معالمها، لتجنب تعرضها للسرقة.