ورغم تشابه المدارس الفكرية والعقائدية المختلفة في نظرتها إلى مسألة الأخلاق الفردية في نقاط عديدة إلا أنها تختلف كثيراً في مساطر القياس وفي الأولويات التي يجب أن تدور حولها الأخلاق المجتمعية، فالأيديولوجيات الدينية عامة والتي ترمز بالمعنى التاريخي الاجتماعي إلى ثقافة وفكر المرحلة الإقطاعية، تقدم رزمة من الضوابط الأخلاقية الفردية العامة كـ ”الصدق، الأمانة، التسامح، حُسن التعامل ورفع الظلم وغيرها” لكنها في المقاربة العامة التي تتصل بمصير المجتمع فهي تُقِر بالهرمية الاجتماعية وبانقسام المجتمع إلى أغنياء وفقراء وإلى مالكين للثروة ومحتاجين، وأن هذا التمايز في الاصطفاف الطبقي هو شرعة إلهية “لقد خلقناكم فوق بعضكم درجات”، وطريق الخروج الأخلاقي من مأزقه يكون عبر فعل الإحسان “الزكاة”، حيث يتصدّق الأغنياء في المجتمع على الفقراء وأصحاب الحاجة كأحد أهم أشكال التدبير، وبالانتقال إلى مرحلة الحداثة الرأسمالية نجد في صُلب الثقافة الرأسمالية القائمة على تبرير الملكية الخاصة، والتي حجر الرحى فيها هو الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، أن الاستغلال الاجتماعي والفوارق الطبقية هي بديهيات موضوعية، وفوارق لها ما يُبررها، وهو نظام اقتصادي اجتماعي قاعدته الأساسية هي العمل تكوين “الربح” وحرية حركة السلع، وأن جوهر الأخلاق الاجتماعية في فلسفة هذا النظام تقوم على احترام هذه القاعدة والقبول بأن هذا النظام أخلاقي ويتمتع بمرونة كافية لحل المعضلات الاجتماعية التي تنتج عنه، وقد ابتكر النظام الضريبي على سبيل المثال كشكل للتعبير عن مفاهيمه أو عن رسائله الأخلاقية.
السابق بوست
القادم بوست