نفحات عن القائد عبد الله أوجلان وفراستهِ في كشف المخطط الرأسمالي

 آلان محمد-

 قصة الاعتقال التي جرت بحق القائد عبد الله أوجلان والخفايا المظلمة في حجم المؤامرة، تذكرنا بالعصور الوسطى عندما كانت الكنيسةُ آنذاك تعتبُر كلَّ العلماء والفلاسفة مشعوذين وسحرة ويتعاملون مع الشيطان مباشرةً، لذلك كانت تسمي كل الأطروحات العلمية والفكرية والفلسفية بالهرطقة. وهذا يعني مخالفة الكنيسة، وبالتالي مخالفة الرب ومعاداته، فكانت تحكم عليهم الكنيسة بدون أي وجه حق، إما بالموت شنقاً أو بالحرق، وهذا بالضبط ما تمارسه دولة الاحتلال التركي بحق القائد الأممي عبد الله أوجلان، بشكلٍ مختلف من حيث التنفيذ ولكنهُ مشابه له تماماً بالمضمون.

لقد استوقفني التعريف المختصر والشامل للعصبة التركية ومشابهتها بفرسان الهيكل الذين حَملوا على عاتقهم محاربة العلماء وأصحاب الفكِر الحر والفلاسفة، كما عرّفها القائد عبد الله أوجلان بإيجاز حيث قال: “لقد تم تكوين النخبة التركية البيضاء الفاشية من مجموعِ العناصر غير القومية والمصابة بمرض السُّلطَةِ أكثر من العنصر التركي نفسهُ، بحيث لا يمكن عقد علاقةٍ بينها وبين الواقع التركي البارز على أنقاضِ تقاليدِ الإمبراطوريّة العثمانية، إلا من خلال النزعة السلطوية الضيقة، ومسؤولية إنكلترا وألمانيا وفرنسا وغيرها من قوى الهيمنة الأوروبية المشهورة، بتوظيف تلك النخبة كآلةِ إبادةٍ مسلطةٍ على كافة ثقافات شعوب الشرق الأوسط، بما فيها الشعب التركي نفسهُ”، في إشارةٍ واضحة وجليّة من القائد عبد الله أوجلان بأنّ الدولة التركية هي عبارة عن أداةٍ لتنفيذ مشاريع دولِ الهيمنة الرأسمالية، وتنفيذ الأهم في أجندات الدول الراعية لتلك النخبة الفاشية التركية، المتمثلة بإبادة الثقافات والحضارات وتفتيت الشرق الأوسط.

ربما تكون الديمقراطية هي الحلقة الأضعف في الشرق الأوسط وأنظمتهِ الحاكمة، وهي مسألةٌ بعيدة المنال عن الشعوب الشرق أوسطية، فالديمقراطية الميتة سريرياً هي حيةٌ في المصطلحات فقط, وهذهِ هي نقطة الضعف الكبيرة التي ارتكزت عليها الرأسمالية العالمية، ومن مصلحة الدول المهيمنة على الشرق الأوسط أن تبقى الحالة الديمقراطية في سباتٍ عميق وطويل تتمدد على حسابهِ الأذرع الأخطبوطية للرأسمالية العالمية في تدجين المجتمعات الشرق أوسطية؛ كإلهاء الفئة الشّابة فيها، وتهميش المرأة وجعلها دويلات تبعية بالكامل. ولكن في الحالة النادرة للفكر الديمقراطي الحر وبناء الحضارة الديمقراطية الذي كان عرابهُ القائد عبد الله أوجلان، كانت الحالة مشابهة لنقطة الماء التي أيقظت النائم، ومع إدراك الرأسمالية العالمية للخطر المحدق بأجنداتها قامت بتوجيه أدواتها من النخبة الفاشية التركية، لمحاربة النموذج الديمقراطي الحر الصحيح كنموذج الإدارة الذاتية الديمقراطية، والذي وصفه بعض الساسة البارزين عالمياً (بالمعجزة)، فكان لا بدّ من محاولة تخريب المشروع الديمقراطي والوقوف في وجهه عن طريق النيل من مهندس الديمقراطية القائد عبد الله أوجلان حتى وهو معزول خلف قضبان إمرالي.

وكأنما يتحدث عن اليوم الذي نحن فيه حالياً عندما قال القائد عبد الله أوجلان: “لقد وَلّدَ كوارثاً مفجعة قيام قوى الهيمنة الرأسمالية المتصاعدة في أوروبا الغربية، بانتزاع زمام قيادة نظام المدنية المركزية ذات الأصول الشرق أوسطية، وسعيها إلى إعادة بناء هيمنتها تأسيساً على ثقافة الشرق الأوسط، حيث أوصلت الثقافات الاجتماعية المُعَمّرة آلاف السنين إلى مشارف التصفية، بتعريضها للمجازر والاستعمار وعمليات الصهر والإبادة والدمج القسري الذي مارسته مراراً وتكراراً”.
وهذا الكلام يعتبر دلالةً واضحةً على ما يجري الآن في المناطق التي احتلتها الدولة الفاشية التركية ومرتزقتها المجرمين، والدليل القطعي على ذلك هو استقطاب الكثير من الناس وإعطاؤهم منازل ووهبهم أراضي زراعية هي ليست لهم بالأصل، كما حصل في عفرين المحتلة، واستقطاب بعض العراقيين من عوائل الإرهابيين وإسكانهم في منازل المهجرين من أهالي سري كانيه، في تغيير واضح لديمغرافية المنطقة وممارسة عمليات الصهر والإبادة والدمج والتغيير، وهذه الممارسات تندرج في لوائح الفطرة الإجرامية والعبثية للنخبة الفاشية البيضاء، التي تنفذ متطلبات دول الهيمنة الرأسمالية في هدم الأمم الديمقراطية وتقطيع أوصالها.