ترتفع هامات سحب سوداء كثيفة مجهولة من بعيد، أهي جبالٌ في مدينة، أم أشباح مُخيّلة؟ ترتفع فوق سطح المدى سرابا مليئا بالمياه، يخدع الرائين والعُطاش، يقودهم أمل قطر الماء نحو الهلاك المميت، كمداعبة الجن للظمئين، فيخترق الصمت الكئيب صوت آذان من جهات الفجر المضيء، كلمات مؤذّن فتيٍّ نبيل، بدّد الوحشة الغريبة الملقاة في قارعة البيد والطرق، يترنّم مبدئا يوماً جديداً، ورحمة الربّ المرسلة مع شعاع الفجر المنير، سامحاً للقلب نبض الحياة على إثر عابد، قد آلمه انتظار نهاية المدى والطريق، متغلغلا ذهن مستمع، أضنته وحشة الوادي السحيق، ورماه السير إلى بلدة باركها الإله عبر السنين.
لكن مكة تموّج الصبح في مرابعها، وشعشع القمر في أنواره على جبالها وشعابها، وزهت الشمس فوق بطاحها، ونغّم الليل فيها أبهى الصور، فاتشحت جبالها بوشاح أوديتها، كما نثر الإيمان ميزانه في الأرض وفي الإنسان، وراح الملأ يقدمون الهدي وصنوف النسك؛ رغبة وأملا في قبول الخالق لأعمالهم، وقد طلبوا غفرانها في الحال.
السابق بوست
القادم بوست