نظرية الشك عند طه حسين

إعداد/ غاندي اسكندر_

أثار كتاب طه حسين “في الشعر الجاهلي” معارضة شديدة حال صدوره في عام 1926، إذ طبق حسين فيه مذهب الشك الديكارتي حيث خلُص إلى أن الشعر الجاهلي منحول، وأنه كتب بعد الإسلام، ونُسب للشعراء الجاهليين ما أثار عاصفة من الاحتجاج قادها رجال الأزهر، وبعض الأدباء والمفكرين الذين اتهموا طه حسين في إيمانه، وكان جراء ذلك أن سحب الكتاب من الأسواق، لتعديل بعض أجزائه وتغيير اسمه إلى “في الأدب الجاهلي” وقامت وزارة التعليم بفصل طه حسين من الجامعة كرئيس لكلية الآداب، وذلك في عام 1932ولم يعد طه حسين إلى منصبه إلا بعد ما تقلّد حزب “الوفد” الحكومة عام 1936.

دوافع الشك في الشعر الجاهلي

ومن الأمور التي دعت طه حسين إلى التشكيك في الشعر الجاهلي بعد انتهائه من بحثه حسب قوله “إن الكثرة المطلقة مما نسميه أدباً جاهليا ليست من الجاهلية في شيء، وإنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم، وأهواءهم أكثر مما تمثل حياة الجاهليين” وأضاف “أن هذا الشعر الذي ينسب إلى امرئ القيس، أو إلى الأعشى، وغيرهما من الشعراء الجاهليين لا يمكن من الوجهة اللغوية والفنية أن يكون لهؤلاء الشعراء، ولا أن يكون قد قيل وأذيع قبل أن يظهر القرآن” والدوافع التي دفعت طه حسين إلى الشك في الشعر الجاهلي هي: “أولاً إن هذا الشعر لا يمثل الحياة الدينية، واللغوية للعرب في الجاهلية، فالحياة الدينية للعرب في العصر الجاهلي، لا يعبر عنها الشعر لأن هذا الشعر، الذي يضاف إلى الجاهليين يظهر لنا حياة جافة غامضة بريئة، أو كالبريئة من الشعور الديني القوي والعاطفة الدينية المتسلطة على النفس والمسيطرة على الحياة العملية؛ وإلا فأين تجد شيئا من هذا في شعر امرئ القيس أو طرفة أو عنترة؟ أو ليس عجيبا أن يعجز الشعر الجاهلي كله عن تصوير الحياة الدينية للجاهليين؟ ثانيا: الشعر الجاهلي لا يمثل الحياة العقلية لأنه وجد في العامل الديني وما صحبه من جدال دعامة على القول بأن العرب في الجاهلية كانوا على قدر وافر من السمو العقلي والحضاري، كما أن الشعر الجاهلي لا يمثل الحياة السياسية للعرب بالجاهلية في علاقاتهم مع جيرانهم من الأمم الأخرى، كالفرس والروم، بل صورت لنا الروايات والأخبار التاريخية أن هؤلاء العرب كانوا قبل الإسلام أمة منعزلة تعيش في صحرائها، لا تعرف العالم الخارجي ولا يعرفها، بينما القرآن الكريم يحدثنا بأن العرب كانوا على اتصال بمن حولهم من الأمم بل كانوا على اتصال قوي قسمهم أحزابا، وفرقهم شيعاً بعضم مال إلى الروم وبعضهم مال إلى الفرس”،  ويتابع طه حسين: “والشعر الجاهلي لا يتحدث عن الحياة الاقتصادية، واتصالهم بغيرهم عن الأمم بخلاف القرآن الذي تحدث عن تجارة العرب ورحلاتهم في الصيف والشتاء ولا يصور كذلك التمايز الطبقي الذي كان موجودا في المجتمع الجاهلي بين طبقة غنية مسرفة في ملذات الحياة وطبقة محرومة من أدنى شروط الحياة”.

 ومن الأمور التي استند إليها طه حسين في شكه حيث يرى في مسألة الشعر الجاهلي، واللغة مبرراً كبيراً للشك في هذا الشعر يقول: “هذا الشعر الذي يسمونه جاهليا لا يمثل اللغة الجاهلية، ولا يمكن أن يكون صحيحاً، ذلك لأننا نجد بين هؤلاء الشعراء الذين يضيفون إليهم كثيراً من الشعر قوماً ينتسبون إلى عرب اليمن، إلى القحطانية العاربة، التي كانت تتكلم لغة غير لغة العرب، والتي أثبت البحث الحديث أنها لغة أخرى غير اللغة العربية، ولكننا حين تقرأ الشعر الذي يضاف إلى شعراء هذه القحطانية في الجاهلية لا نجد فرقا قليلا ولا كثيراً بينه وبين شعر العدنانية، فبين اللغتين فروقا جوهرية تثبتها النقوش الحميرية التي اكتٌشفت”، ويقول بعض النقاد “على الرغم من العاصفة التي أثارها طه حسين في كتابه إلا أنه أنتج في نهاية المطاف حياة عقلية وأدبية عادة لا تنشط إلا في مثل هذا الجو من الشك الذي يتبعه النقد والتحليل، والتعليل والحقيقة إن ما أتى به طه حسين لم يأتِ به أي كاتب عربي كتب في تاريخ أدب العرب”.