سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

نساء حلب أنجزنَ الكثير بعد نضالٍ مرير

تقرير/ شرفين مصطفى –


للحديث عن الثورة لا بد من ذكر ثورة المرأة، وخاصةً في أحياء حلب التي تضم مزيج من الشعوب السورية، فقد نقشت المرأة في حي الشيخ مقصود بمقاومتها ونضالها طيلة عقود ميراثاً عظيماً خلال الثورة السورية، وبذلت تضحيات جِسام من جميع نواحي الحياة العسكرية، السياسية والاجتماعية والتي وحدت من خلالها مختلف نساء الشعوب تحت ظلال الحرية.
شكّل عاما 2011م، و2012م، مرحلة تحول هامة فيما يخص الشعب السوري بشكل عام، والمرأة بشكل خاص، فقد سُميت الثورة بـ “ثورة المرأة” فخلال هاذين العامين انتفضت الشعوب وأشعلوا نيران الثورة، وكان لكل من حييّ الأشرفية والشيخ مقصود بمدينة حلب نصيباً كبيراً من الانتفاضة وخاصةً بانتفاضة نسائها.
حي الشيخ مقصود كان يقطن فيه حوالي 200 ألف نسمة من أبناء الشعوب “الكردية، العربية، المسيحية والتركمانية”، إلا أن هذه الشعوب دفعت خلال سنوات الأزمة فاتورة باهظة جرّاء انتفاضتها ضد النظام في أعوام ما قبل وبعد اندلاع الثورة السورية، حتى أصبحت نموذجاً فعلياً لأخوّة الشعوب والأمة الديمقراطية.
انتفاضة نساء حي الشيخ مقصود قبل ثورة 19 تموز
لم يأخذ الحي الطابع الذي سلكته باقي المدن السورية، لعل ثورة 19 تموز 2012م، التي تُعرف لدى أبناء الشمال السوري بثورة روج آفا، لينطلق الحي بتحرير نفسه من النظام باستمداد قوته من تحرير بعض الدوائر الأمنية من النظام في مقاطعتي كوباني وعفرين.
ومع بداية الحِراك الثوري في سوريا، كان أهالي حي الشيخ مقصود جاهزين للحِراك ويخرجون في تظاهرات عارمة في كل يوم جمعة من الأسبوع، حتى افتتحوا أول مؤسسة بحي الشيخ مقصود شرقي خلال أيلول 2011م، وهي؛ “مركز الثقافة والفن الديمقراطي”، والذي يعد أول مركز يفتتحه الكرد في سوريا بشكل علني، و”لجنة تعليم المجتمع الديمقراطي وبعدها دار المرأة”، فقد كان لنساء الحي دور بارز في مشاركتهن في افتتاح تلك المؤسسات.
وخلال تشرين الأول سنة 2011م، أقيمت انتخابات المجالس الشعبية، التي شارك فيها الآلاف من أبناء حييّ الشيخ مقصود والأشرفية، واتسمت حينها بأجواء كبيرة من الديمقراطية، فكان لمشاركة المرأة فيها بنسبة 60 بالمئة، ولعل للمشاركة الملفتة والعملية للمرأة حينها اتسمت بالديمقراطية، للعب نساء الحي دوراً فعليّاً في مشاركتهن في المجالس.
وبعد إخراج النظام من الحي، لم تتوقف محاولات النظام البعثي، فهو كان يحاول دائماً خلق الفتن وإحداث اقتتال بين شعوب الحي حتى لا تنتقل تجربتهم التنظيمية إلى باقي أحياء حلب، حيث أرسل النظام أسلحة عبر عدة عوائل عربية تابعة له من منطقة إدلب إلى الحي، حيث هاجم الشبيحة الأهالي، وحاولوا فرض أتاوات عليهم وإجبارهم على الرضوخ لهم، لكن أهالي الحي انتفضوا مجدداً، وطردوا تلك العوائل.
فهنا النساء نظمن أنفسهن بشكل علني وفعلي أٌكثر، ففي 23 حزيران من عام 2012م، شكلت نساء الحي أول مجلس لهن، فقد انضممن المئات من النساء تحت راية المجلس، وخلال تلك المجالس استطعنَ النساء بالوصول إلى بعضهن، وتوسيع عمل تنظيمهن النسائي.
وفي يوم الـ 29 من آذار عام 2013م، تعرض حي الشيخ مقصود لقصف النظام البعثي وبشدة، وتزامن القصف مع محاولات المجموعات المرتزقة دخول الحي وقصفه، وبات الحي معرضاً للقصف من طرفي الصراع المتصارعين على السلطة، ما أجبر سكان الحي على النزوح وسط القذائف التي كانت تسقط على الحي كالمطر، متوجهين بعشرات الآلاف إلى مقاطعة عفرين، ولم يبقَ في الحي سوى بضعة آلاف فضلوا البقاء على أرضهم، فهنا نساء الحي لم يدعن بأن يتأثر تكاتفهن وتنظيمهن نتيجة القصف، فوضعن بصمتهن في تلك المقاومة، ووقفن على الحواجز الأمنية وساهمنَ في حماية حيهن، وكان لا بد من تقوية أبنائهن المقاتلين في الجبهات وسارعوا لتحديد مكان ليكون كمطبخ يُصنع فيه الطعام للمقاتلين بشكلٍ دائم، وذلك كان عبارة عن مساندة بسيطة من نساء الحي بحسب ما أشرنَ إليه النساء المشاركات في إعداد الطعام حينها.
وفي 26 نيسان 2013م، تعرض الحي لهجوم المجموعات المرتزقة التابعة للمدعو خالد حياني، وتصدت وحدات حماية الشعب للهجمات وأفشلتها بعد يومين من الاشتباكات المتواصلة، وعند عودة الأهالي إلى منازلهم في الحي سارعت نساء الحي إلى الوصول إلى كافة الأهالي وخاصة النساء في تقديم المساعدة لهم وتنظيمهم.
وعاودت المجموعات المسلحة المرتزقة التابعة للمعارضة استهداف حي الشيخ مقصود بعد تشكيل تحالفات عسكرية فيما بينها ففي 7 أيلول 2013م، أقدم المدعو خالد حياني، غرباء الشام ولواء التوحيد وللمرة الثالثة على قصف حي الشيخ مقصود بشكل كثيف وعشوائي، وفقد عشرات المدنيين لحياتهم في القصف الذي توقف بعد تنفيذ وحدات حماية الشعب والمرأة لعمليات نوعية قتل فيها أكثر من 60 مرتزقاً.
استشهاد المناضلة كوله سلمو كان له تأثير كبير على النساء
لم يتحمل النظام البعثي ما كان يجري في حييّ الأشرفية والشيخ مقصود من تشكيل مجالس وبناء مؤسسات مدنية، وعلى إثره أعطى الضوء الأخضر لشبيحته، بالتشبيح في تلك الأحياء وخلق الفتنة والعنصرية بين الشعبين الكردي والعربي.
فكانت المرأة الثورية والمناضلة “كوله سلمو”، ضحية تشبيح عملاء النظام البعثي في حي الشيخ مقصود، لم تتحمل الثورية كوله سلمو البلبلة التي اندلعت في الحي، حيث كانت في المقدمة لوقف الاقتتال الداخلي وإبعاد شبيحة النظام عن أبناء الحي، حتى أصيبت على إثرها بطلقة في رأسها. ونُقِلت إلى مشفى حنّان الجراحي بحي الأشرفية، ومن ثم استشهدت في 13 آذار 2012م، وشيّع جثمانها إلى قرية قطمة في ناحية شرا بمقاطعة عفرين.
أثارت هذه الواقعة حفيظة نساء حييّ الشيخ مقصود والأشرفية، وانضممن بشكل أكبر إلى المؤسسات المدنية والمجالس، حتى شكلن لجان للحماية وسميّن أول كتيبة لهن باسم كتيبة الشهيدة “كوله سلمو”.
كيف طورنَ نساء حلب ذاتهن، على لسان أوائل النساء الثائرات..
عند انطلاقة ثورة روج آفا والشمال السوري، انضممن نساء حي الشيخ مقصود بفعالية ورسخنَ صفوفهن من مختلف جوانب الحياة ضمن الثورة، والتي كان لها النصيب الأكبر من المقاومة، فمن المناضلة الشهيدة الأم كوله سلمو إلى مئات النساء المناضلات، المكافحات، الشجاعات والمقاومات جسدنَ حقيقة كل امرأة كردية، عربية، تركمانية ومسيحية، فمشاركة المرأة في الشيخ مقصود لم تقتصر على المشاركة في جبهات القتال وحمل السلاح، إنما شاركت في تنظيم النساء اجتماعياً، سياسياً وثقافياً.
الامرأتان “مولدة سليمان، وأمل هورو”، كن من أوائل النساء الثائرات واللواتي شاركن في انتفاضة النساء بوجه الظلم والدكتاتورية والمطالبات بحرية المرأة، حيث نظمتا أنفسهن الآن ضمن مؤتمر ستار، ويعملن على تنظيم كافة النساء وتوعيتهن، وسردنَ لنا ما أدته نساء حلب بعد ثورة روج آفا والشمال السوري.
حيث قالتا: “أن المرأة في الشيخ مقصود أدت دوراً كبيراً ضمن سلسلة المؤسسات المدنية المتشكلة، من خلال افتتاح روابط المرأة، وتشكيل 12 كوميناً خاصة بالمرأة، ولجنة العلاقات الدبلوماسية للمرأة، كما ونظمت نفسها ضمن الأعمال الخدمية والنشاطات السياسية، إضافةً إلى دورها في الحماية، حيث تلقت العديد من الدورات التدريبية العسكرية، وتعمل حالياً نسبة 80% من نساء الحي في مختلف المجالات والمؤسسات المدنية.