سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

 نزار قباني… شاعر الحب والوطن

إعداد/ عبد الرحمن محمد-

في عائلة دمشقية عريقة كان مولد شاعر الياسمين، عائلة رائد المسرح العربي أبو خليل القباني، وكان يوم 21 آذار من عام 1923 ولد نزار بن توفيق القباني، أحد رجال دمشق المعروفين ومن أعيانها البارزين.
نبغ نزار في الفن والموسيقى منذ طفولته. وكان حبه للشعر والكتابة الأدبية الرصينة إحدى علامات موهبته المبكرة إضافة للرسم الذي أحبه، وكانت بدايات كتابته مقرونة بحب والديه وخاصة أمه التي كتب في رثائها “فيا أمي، يا حبيبتي يا فائزة، قولي للملائكة الذين كلّفتهم بحراستي خمسين عاماً ألا يتركوني، لأنني أخاف أن أنام وحدي”. وترك انتحار أخته وصال الأثر الكبير في نفسه.
تخرج قباني عام 1945 من كلية الحقوق بدمشق، وكان حبه للشعر يدفعه للتقدم فيه والتعمق في قراءته، ما حدا به لينهل من علوم ومعارف الشاعر خليل مردم بِك الذي علّمه أصول النحو والصرف والبديع. ولتميزه وتفانيه عين ملحقاً دبلوماسياً للسفارة السورية منذ عام 1966 في دول عدة، عربية وعالمية.
“قالت لي السمراء” كان فاتحة ما نشره نزار قباني عام 1944، ولاقى الكثير من النقد لأنه كان بداية للقصيدة الجريئة الصارخة، ولكنه استمر في شعره الذي نشد خلاله الحب وتحرير القلب والجسد، وكانت محور دواوينه الأربعة الأولى، ثم كانت نكسة حزيران عام 1967 التي غيرت الكثير من توجهاته وآماله وباتت قصائده الناقدة بمثابة نقد وجلد شعري للأنظمة العربية كما في دواوينه “هوامش على دفاتر النكسة”، و”عنترة” و”يوميات سياف عربي”، ولم يتوقف عن الشعر العاطفي ونثر قصائد الحب والرومنسية قط.
 نزار قباني الذي أبدع وطال النجوم في كتاباته الطافحة بالحب سما بشعره في النقد واللوم ومحاربة الانقسام والرهانات العربية الفاشلة، وكانت بعض قصائده مفخرة للشعر العربي الناقد مثل “متى تعلنون وفاة العرب” و”المهرولون”، بينما غنى أشهر المطربين والمطربات العرب العديد من أشعاره التي أضحت أغنيات تردد على كل لسان.
مفردات كثيرة ومفاصل من الألم والوجع مر بها الشاعر نزار قباني تركت حسرات في قلبه مدى العمر، منها وفاة والدته وانتحار شقيقته ومقتل زوجته بلقيس في بيروت عام 1982 وموت ابنه توفيق وهو في السابعة عشرة، وفاجعته في نكسة حزيران.
من أروع ما قاله في رثاء زوجته بلقيس “سأقول في التحقيق.. أني قد عرفت القاتلين.. بلقيس.. يا فرسي الجميلة.. إنني من كل تاريخي خجول.. هذي بلاد يقتلون بها الخيول.. سأقول في التحقيق: كيف أميرتي اغتصبت.. وكيف تقاسموا الشعر الذي يجري كأنهار الذهب.. سأقول كيف استنزفوا دمها..”.
ترك نزار قباني إرثاً شعرياً لا يقدر بثمن، ومن أشهر دواوينه “قالت لي السمراء، سامبا، أنت لي، الرسم بالكلمات، قصائد متوحشة، أشعار خارجة عن القانون، قصائد مغضوب عليها، ثلاثية أطفال الحجارة، أبجدية الياسمين” وغيرها الكثير من درر الشعر العربي الحديث وعيونه.
في الثلاثين من نيسان عام 1998 ودع نزار قباني عالم الحب والوجع ورحل إلى دار الخلود، ودفن في دمشق الياسمين حسب وصيته، ليبقى ما تركه إرثاً إنسانياً يغرف من نهر عطائه المتعلمون جيلاً بعد جيل، ويبقى نزار بحق شاعر الحب والياسمين.