نجم الدين ملا عمر: “قسد تَحوّلتْ إلى أيقونة النصر ضدّ الإرهاب”

حاوره/ غاندي إسكندر –

تبقى الأزمة السورية من أكثر الأزمات المعقدة التي يشهدها العالم؛ وذلك نتيجة لتداخل مصالح المتصارعين فيها، فباتت سورية ساحة هامة لتصفية حسابات الدول العظمى والإقليمية معاً، هذه الحسابات التي جعلت من الشعب السوري كبشاً للفداء، ذاق من خلالها الأمرّين منذ ما يقارب الثماني سنوات. حول آخر المستجدات على الساحة السورية الملتهبة وبخاصة في شمال وشرق سوريا؛ كان لصحيفتنا حواراً مع الأمين العام للحزب الشيوعي السوري نجم الدين ملا عمر الذي بيّن أن القضية السورية ليست قضية إرهاب يجب محاربته، بل هي قضية حقوق يجب أن تصان، وأن اجتماعات سوتشي؛ ما هي إلا إعادة رسم لأدوار الدول في سورية، وأوضح إن أراد التحالف الدولي إقامة منطقة آمنة في شمال سورية، فيجب أن يكون ذلك بقرار من هيئة الأمم المتحدة. وكان الحوار التالي:

ـ ما تشهده الجغرافية السورية اليوم يختلف كليّاً عما كانت عليه في سنوات الأزمة المنصرمة؛ كيف تقرؤون الوضع السياسي في سوريا اليوم؟

ما تمر به سوريا من أحداث، وأوضاع بتصوري هو مرحلة حساسة أكثر مما مضى من أحداث، ففي سوريا ليست قضية محاربة الإرهاب هي الحدث الرئيس؛ لأن هناك مسألة سياسية أكثر عمقاً، مسألة حقوق قوميات ومكونات، ومن جهة أخرى هناك أطراف عديدة تعمل في سبيل استعلاء وتفرد حزب واحد على الحكم في سوريا. وهذا التصرف يؤزم الوضع أكثر، بل، ويتجاوز مسألة الأزمة، ففي البداية كان من المفروض محاربة الفساد الإداري والمالي المستشري في سوريا. لكن؛ للأسف تعنت المسؤولين المتمسكين بالسلطة أدى إلى ما وصلنا إليه الآن من خراب ودمار في كامل الجغرافية السورية. وهناك نقطة هامة متمثلة في قضية الشعب الكردي وبقية المكونات الأخرى في سوريا، وإن لم تُعالج القضية الكردية في سوريا معالجة حقيقية موضوعية ويُعترف بالحقوق الدستورية لثاني مكون في سوريا، لن يكون هناك على الإطلاق أي انفراج للأزمة التي باتت على أعتاب عقد من الزمن، فعلى الجميع في سوريا، أن ينفتحوا على بعضهم البعض والخوض في حوار صريح وجاد لإيجاد الحلول لجميع المشاكل العالقة، حتى يحافظوا على ما تبقى من هذا الوطن الجريح ويكفي السوريين ما عانوه خلال سنوات الأزمة.

ـ عُقدت في مدينة سوتشي الروسية قمة ثلاثية بين رؤساء كل من روسيا، وإيران، وتركيا؛ برأيكم ما هي الأجندة التي يريد فرضها كل من هؤلاء في الملف السوري؟

إن هذه الاجتماعات هي مجرد اجتماعات فقط وهدفها تحقيق مصالح تلك الدول التي تجتمع معاً، فهذه الدول لا تقدم أي حلول جذرية للأزمة الخانقة التي تمر بها سوريا، فروسيا تميل وتساند النظام السوري ومع ذلك هي مهتمة بمصالحها كدولة عظمى بالمنطقة. وكما قلت لغة المصالح هي التي تدفعها لتتخذ من سوريا ذريعة للضغط على الولايات المتحد الأمريكية وأوروبا؛ كي تحقق مكاسب لنفسها في أماكن نفوذها، أما إيران فهي دولة دينية متخمة بالمشاكل الداخلية، وسوريا بالنسبة لها مكان لتصدير أزماتها الداخلية، تحت ستار دعم محور المقاومة التي تدّعيها، والنظام التركي معروف بعدائه لشعوب المنطقة.                    وأردوغان خليفة العثمانيين يسعى إلى التوسع في سورية على حساب شعوبها، وتركيا تسعى من خلال احتلال الأراضي السورية لإعادة أمجاد الخلافة العثمانية من خلال دعمها للمرتزقة السلفيين من شتى أنحاء العالم، فكل من الدول الثلاث اجتمعت في سوتشي لإعادة رسم أطماعها في سوريا.

ـ يدور الحديث بين الفينة والأخرى لإنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري بعمق 20 ميلاً، ما هي نظرتكم حول المنطقة الآمنة التي تتداولها معظم وسائل الإعلام؟

إذا أردنا أن يسود السلام والاستقرار والتآخي في المنطقة، وأن يتم حفظ حقوق الشعوب السورية، وألا يكون هناك اعتداءات، وتغيير ديمغرافي للجغرافية السورية، ووضع حد للأطماع التوسعية من قبل بعض الدول المتنفذة في الملف السوري، والتي تسعى بعضها إلى تقسيمها، فلا بد أن تكون هناك منطقة آمنة، ونحن من جهتنا كحزب شيوعي كردستاني طالبنا بالمنطقة الآمنة منذ أكثر من سنتين لحماية الشعوب في الشمال السوري.  فإن كان لا بد من إنشاء منطقة آمنة نتمنى أن تكون آمنة بكل معنى الكلمة فيجب فرض حظر جوي، وبري، وبقرار من هيئة الأمم المتحدة بخلاف المنطقة الأمنية التي يروّج لها أردوغان ويريد احتلال المنطقة من خلالها، ويريدها منطقة عسكرية تحت سلطته، وسلطة مرتزقته الذين يعيثون فساداً في كل منطقة يدخلوها، ونحن بدورنا كشعوب في سوريا عامة وفي شمالها خاصة، نرفض منطقة أمنية أردوغانية، وسنقاومها بشتى الوسائل الممكنة فموقف شعوبنا واضح في ذلك. والسؤال الذي يطرح نفسه؛ لماذا يسعون إلى إقامة منطقة آمنة في مناطقنا؟ وأثبتت الوقائع على الأرض أن أأمن منطقة في الجغرافيا السورية هي الشمال السوري، باستثناء المناطق المحتلة من قبل تركيا، فكل الشعوب تعيش مع بعضها في وئام وسلام تام، والكل مشارك في بناء الوطن في جو من الألفة والمحبة واحترام خصوصيات الآخرين، وعلى أسس التعايش المشترك بين الجميع.

 ـ أحرزت قوات سوريا الديمقراطية المكونة من أبناء المنطقة النصر على مرتزقة داعش وحررت جميع المساحات التي كانت تحتلها، كيف تُقيّمون أداء قوات سوريا الديمقراطية في حربها ضد المرتزقة؟.

قوات سورية الديمقراطية وفي طليعتها وحدات حماية الشعب والمرأة، قوى جديرة بالاحترام من قبل المجتمع الدولي ومقاومتها يجب أن تدرس في الأكاديميات العالمية، وأن يُحفظ نضالها في كتب التاريخ، والأدب  فهذه القوات تمثل الوجه الحقيقي للشعوب المتآخية، وعموماً هذه القوات هي قوى تحررية قدمت أكثر من عشرة آلاف شهيد لحماية العالم من الهجمات الإرهابية. لذلك؛ احتراماً لهذه التضحيات الجمة على المجتمع الدولي أن يبادر إلى تقديم الدعم والمساندة لهم ويحافظوا على هذا النموذج النادر من الصلابة، والمقاومة، وقسد تحولت إلى أيقونة ورمز للقوى التحررية في جميع أنحاء العالم.

ـ بعد مطالبة ترامب الدول لأخذ مقاتليها من الدواعش الأسرى في يد قوات سوريا الديمقراطية من أجل محاكمتهم في بلدانهم؛ انبرى أردوغان وطالب التحالف بتسليمه 800 داعشي، ما الذي يرمي إليه أردوغان من مطلبه هذا؟

أنا لا أرى أردوغان مُخطئاً عندما يقدم هذا الطلب، فهؤلاء هم أبناء أردوغان وأهله، وهو الذي فتح لهم الحدود على مصراعيها وأقام لهم أماكن تدريب خاصة في تركيا، وهناك آلاف الوثائق التي تُثبِت علاقة تركيا بداعش، فأردوغان من مطلبه هذا يريد أن يعوض شيئاً من خسارته في ملف داعش، فهو يطالب بهؤلاء المتشددين من أجل أن ينقذ أجنداته الدموية في أماكن أخرى من العالم. ولا يوجد أدنى شك أن أردوغان نفسه يتبع سياسة داعشية، فأبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة المصنف إرهابياً من قبل المجتمع الدولي يتعالج في المستشفيات التركية، ومئات الجرحى قد تعالجوا في المشافي التركية قبل ذلك. ولهذا؛ هو ليس مخطئا بهذه المطالبة فعندما تفاوض أردوغان مع الروس من أجل سحب الفصائل المسلحة من الغوطة، وحمص، وحلب، وريفها أظهر نفسه للعلن بأنه المشغل الحقيقي لهذه القوى الأصولية.

ـ أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً بأنها ستحافظ على مجموعة من مقاتليها في المناطق المحررة من داعش والتي يبلغ تعدداها 400 جندي، هل تعتقدون أن قرار ترامب جاء بعد الخطوات الدبلوماسية الهامة لمجلس سوريا الديمقراطية في كل من واشنطن وأوروبا؟

تخطو الإدارة الذاتية خطوات دبلوماسية ناجحة، وتتحرك يمنةً ويسرى. لكن؛ ليس هذا وحده السبب الذي أدى بترامب إلى اتخاذ خطوة كهذه في الإبقاء على مجموعة من المقاتلين في التنف، وشمال وشرق سورية، ورفض العديد من أعضاء الكونغرس الأمريكي له، وكذلك تأثير رؤساء وبرلمانات بعض الدول الأوروبية المشاركة في التحالف، وكذلك القوى السياسية والعسكرية الموجودة في شمال وشرق سوريا؛ كان لها دور فعال في هذا القرار، ولا ننسى الانتصارات الجبارة لقوات سوريا الديمقراطية، إضافة إلى رغبة أمريكا في الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، والوقوف في وجه المد الإيراني الذي يهدد حلفائها، فجملة المسائل تلك أدت بأمريكا إلى اتخاذ هذا القرار.

ـ اجتمعت مجموعة من الكرد السوريين المحسوبين على تركيا بتاريخ 23 شباط في مدينة مرسين التركية تحت يافطة “ملتقى كُرد سورية”، برأيكم ما هو هدف هؤلاء من هذا التجمع تحت راية العلم التركي؟

هناك قاعدة نضالية تقول إن أي تكتل أو خطوة تهدف إلى خدمة قضية عادلة، وإن كانت على أرض الفراعنة فهي مرحب بها، وعكس ذلك وإن كانت فوق قبة القدس فهي غير مرحب بها، فهؤلاء يريدون تنفيذ أجندات تركيا في المنطقة، وظهر هذا من خلال بيانهم الختامي السيء الصيت. وعلى هؤلاء أن يسألوا أنفسهم متى كان أردوغان يناصر الكرد في سوريا أوفي أي بقعة من العالم، فهو دائماً يجاهر بأنه سيقضي على آمال الكرد أينما كانوا، فما يجري في عفرين من مجازر، وتغيير ديمغرافي هو ما يريده أردوغان وهو واضح وضوح الشمس، أن أردوغان يسعى دوماً إلى وأد أي تحرك كردي، فهؤلاء الذين اجتمعوا في مرسين يمثلون الوجه القبيح للكرد وهم في نظر تركيا الكرد الجيدون الذين ينفذون أجنداتهم.

ـ هل من كلمة أخيرة تختمون بها هذا الحوار؟

أدعو القوى السياسية الكردية والديمقراطية في روج آفا وشمال سوريا، أن تترك خلافاتها جانباً، وتلتفت إلى وضع المصلحة العامة للشعب أمامهم لتكون ضمن الأولويات، كما أدعوهم إلى رصِّ الصفوف ضد أصحاب الأجندات في شمال وشرق سوريا، ليساهموا معاً في خلق أرضية ديمقراطية تتعايش عليها جميع الشعوب العاشقة للحرية، لتسود الحالة الحقيقة للديمقراطية المنشودة.