سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

ناشط حقوقي: للتخلص من خطر داعش جذرياً محاكمته ضرورة ملحة

حمزة حرب_

العلاقة وطيدة بين الأمن والإرهاب، وفي أغلب الأحيان يذكي غياب الأمن جَذوة التطرف، فمناطق الصراع بأفريقيا لا تزال مبعث قلق لدول العالم، خصوصاً تلك التي عانت من إرهاب مرتزقة داعش في السابق، وفي الآونة الأخيرة، تصاعدت التحذيرات من محاولات داعش لملمة صفوفه، والبحث عن بدائل لدولة خلافته المزعومة في سوريا والعراق، ليجد في أفريقيا ومنطقة الساحل الأفريقي بيئة مناسبة لتنظيم صفوف مرتزقته.
دول وحكومات ضعيفة موطن داعش للإرهاب 
بعد أن استغل داعش ضعف قدرات مكافحة الإرهاب والاضطرابات الداخلية، التي تعاني منها بعض الدول، إلى جانب بقاع أخرى، لا زالت تعاني من ترسبات إرهاب مرتزقة داعش والقاعدة، كالعراق وسوريا، فاحتمال وقوع المزيد من الهجمات الإرهابية من أفغانستان الى أوروبا، وتجنيد المرتزقة الأجانب في أفريقيا، والتأثيرات الخطيرة الناجمة عن التعديلات العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا، هي من بين العديد من المسببات في تزايد خطر الإرهاب على العالم.
حالة الصراع في المناطق الكبرى، خصوصاً الانقلابات العسكرية، التي شهدتها بعض الدول الأفريقية، دفعت داعش الى التغلغل في المناطق الريفية المهملة والمهمشة، والتي لا تحظى بضبط الأمن على أكمل وجه، مصادر مطلعة كشفت عن أن داعش الإرهابي يتمدد في المجتمعات الريفية، فالأهالي يجدون أنفسهم مجبَرين على الانصياع لأوامر داعش الإرهابي؛ لحماية أنفسهم من انتقاماته العدائية، التي قد ينفذها ضدهم، فيستغل هذا الجانب لفتح مراكز تدريب، وتهيئة مزيد من الإرهابيين لغرس فكره المتطرف في أوساط السكان.
وفي ذلك يستغل داعش تراجع النفوذ الغربي في القارة الأفريقية، فتغلغل في دول عدة، وعلى رأسها جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تعيش واحدة من أبشع الحروب في أفريقيا منذ سنوات، وموزمبيق، هي الأخرى تخوض حربها الخاصة ضد الإرهاب، وبفضل قوة عسكرية إقليمية استطاعت أن تحقق انتصارات مهمة ضد مرتزقة داعش، التي حاولت السيطرة على إقليم كابو ديلغادو، فقُتل أميرهم هناك، ويقدر عدد مرتزقة داعش هناك بنحو مائتي مرتزق يختبئون في الغابات القريبة.
في شمال نيجيريا يحاول داعش خلق قاعدة موالية له وإيجاد مرتكز لشن هجماته على مناطق أخرى؛ لأن داعش لا يزال قادراً على شن هجمات بمنطقة حوض بحيرة تشاد.
فالنيجر هي من الدول، التي تشهد نشاطاً متزايداً للجماعات المرتزقة، لا سيما في المناطق القريبة من الحدود مع مالي، وبوركينا فاسو، أو ما يُسمي بمنطقة المثلث الحدودي، والذي تحدثت النسخة العاشرة من مؤشر الإرهاب العالمي للعام 2023، عن النيجر باعتبارها الأكثر تضرراً من الإرهاب على مستوى العالم، فحدودها الشمالية تواجه مخاطر تمدد العناصر المرتبطة بالقاعدة، وخطر مرتزقة داعش، التي تنشط على حدودها الشمالية الشرقية، كما تواجه تهديد مرتزقة بوكو حرام، الممتدة على طول حدودها الجنوبية الشرقية مع تشاد ونيجيريا، فالفوضى في النيجر تشكل بيئة خصبة للمجموعات الإرهابية.
تحذيرات أممية للخطر القادم
بعد تصاعد الهجمات الإرهابية، التي يشنّها داعش في مناطقَ متفرقة من العالم، ووسط تحذيراتٍ أمميّة من تزايد نشاطه في الشرق الأوسط وأفريقيا، كشف التقرير السنوي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام الخاص بمؤشّر الإرهاب العالمي لعام ألفين وأربعة وعشرين، أن داعش يخطط لاتخاذ دولٍ أفريقية نقطة انطلاقٍ جديدةً لعملياته الإرهابية.
تقرير المعهد أشار إلى أنّ داعش، بفروعه المتعددة يحتلّ قائمة الإرهاب الأكثر نشاطاً خلال عام ألفين وثلاثة وعشرين، والأكثر تهديداً للأمن القومي للدول سواء تلك، التي ينتشر بها، أو الواقعة بالقرب من مناطق انتشاره مثل فرع داعش في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، الذي يمثّل تهديداً مباشراً للدول المغربية، وشمال إفريقيا.
التقرير أوضح، أن هناك الكثير من العوامل والمتغيّرات السياسية والأمنية المهمّة، التي تدفع داعش الإرهابي إلى الاهتمام بالتوجّه نحو منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا، سواء من خلال التسلل إلى داخلها وتشكيل خلايا نائمة تابعة له داخل تلك الدول، أو من خلال التخطيط لتنفيذ عدد من العمليات الإرهابية هناك.
معهد الاقتصاد والسلام الخاص بمؤشر الإرهاب العالمي، أشار في تقريره أيضاً إلى أن من بين دوافع انتشار مرتزقة داعش في منطقة المغرب العربي، حالة التنافس المحتدم بينه وبين القاعدة المصنفة على قوائم الإرهاب، الأمر الذي يؤدي لمزيد من الفوضى الأمنية والسياسية في تلك المنطقة.
ويرى مراقبون، أن ما تعلنه السلطات الأمنية في دول المغرب العربي، من إلقاء القبض على مرتزقة متسللين، أو الكشف عن خلايا إرهابية نائمة بالداخل، وقد كان آخرها إعلان السلطات الأمنية في تونس خلال الفترة الأخيرة توقيف بعض المرتزقة التابعة لداعش الإرهابي في البلاد، وهو ما يدل على الخطر، الذي يمثله الإرهاب على العالم أجمع.
فالمؤشر الآخر، الذي يعدُّ مبعث قلق هو أن القاعدة وداعش الإرهابيين، أوقفا الحرب الطاحنة، التي دارت بينهما، طيلة السنوات الماضية، في وسط مالي وفي بوركينا فاسو وعلى حدود النيجر، وهو الصراع الذي أودى بحياة كثير من المرتزقة، ولكن تغير الوضع الآن، وهو ما يشكل بواعث القلق بشأن احتمالية إنشاء ملاذ للمرتزقة.
القاعدة وداعش، بعد سنوات من الاقتتال توصّلا إلى صيغة للتعايش يحترم بموجبها كل منهما مناطق نفوذ الآخر، وتنص هذه الصيغة على تقاسم الأراضي في بوركينا فاسو ومالي، وهو ما أتاح لهما التركيز على قتال قوات الأمن، وتوسيع رقعة السيطرة على الأرض، وإنشاء معسكرات تدريب وتأهيل للمرتزقة.
الجدية في إدارة الملف
نجحت قوات سوريا الديمقراطية بالتعاون مع التحالف الدولي ضد داعش منذ عام 2014 في انتزاع الأراضي، التي كانت مرتزقة داعش تسيطر عليها في العراق وسوريا، وبفضل هذه الجهود، شهدت قدرة المرتزقة على التخطيط وجلب موالين جدد لها، والحصول على التمويل تراجعًا ملحوظًا.
وعلى الرغم من أن الجهود المشتركة، التي بذلتها الدول الأعضاء في التحالف الدولي ضد داعش، والقوات الشريكة على الأرض؛ أتاحت تحرير 7،7 مليون عراقي وسوري منهم، لكن ما زال داعش يمثّل تهديدًا خطيرًا للأمن الدولي، نظرًا إلى استمرار وجود خلايا ناشطة على الساحة العراقية والسورية، واستمرار وجود مجموعات مرتزقة تابعة له في أفريقيا، وشبه الجزيرة العربية، وجنوب آسيا، وجنوب شرق آسيا.
فالمجتمع الدولي، الذي نجح في إنهاء داعش عسكرياً في سوريا والعراق، فشل فشلاً ذريعاً في إنهاء هذا الملف، مع بقاء مخيم الهول القنبلة الموقوتة، والتي يعول عليها داعش لخلق أجيال جديدة، ربما تكون أكثر ضراوة وأكثر فتكاً، بالإضافة الى وجود الآلاف من مرتزقته في مراكز الاحتجاز في العراق وسوريا، ورفض المجتمع الدولي استعادتهم، أو حتى محاكمتهم على الأرض من خلال إنشاء محكمة دولية لهؤلاء المرتزقة.
الدولة التركية ودعمها لداعش
وفي المجال نفسه صرح لصحيفتنا المحامي والناشط الحقوقي، جوان عيسو، وبين الدور التركي في دعم داعش الإرهابي: “في وجود دولة الاحتلال التركي في المنطقة، فسيبقى داعش والمجموعات الأخرى يشكلان خطرا دائما وحقيقيا للمنطقة، ويقويان نفسيهما، حتى بعد القضاء عليهما عسكريا ودحرهما على يد قوات سوريا الديمقراطية، فهناك عشرات الآلاف من عوائل داعش في مخيمات المنطقة، والآلاف من المرتزقة داخل مراكز الاحتجاز، يشكلون عبئاً حقيقياً على المنطقة”.
وأشار عيسو: إلى “أن المجموعات المرتزقة، تشكل خطراً كبيراً على المنطقة بالكامل، ولكن قبل البحث عن موضوع الإرهاب، علينا أن نعلم أن هناك جهات إقليمية دولية تدعمها، بالتمويل والتدريب والتسليح، ونحن من خلال تواجدنا في إقليم شمال وشرق سوريا، نؤكد أن هذه المجموعات تُستخدم لتقويض الاستقرار والأمان في المنطقة، بدعم وتمويل مباشر من دولة الاحتلال التركي، ولاحظنا من خلال مجريات الأزمة السورية أن دولة الاحتلال، فتحت حدودها لهذه المجاميع، من أجل احتلال أجزاء من سوريا، لذا يجب فضح دولة الاحتلال التركي على مساعيها الرامية لاستهداف المنطقة من خلال المجموعات المرتزقة”.
وأضاف: “على المجتمع الدولي أن يقف إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية، والإدارة الذاتية، في إقامة محكمة دولية في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، بإشراف ودعم المنظمات الدولية؛ لأن إنهاء هذا الملف ضرورة ملحة لإعادة الحقوق الى أصحابها، وإنصاف الضحايا، لكن المصالح الدولية، والمقايضات المشبوهة وعدم جدية المجتمع الدولي، هم السبب في تأخر إقامة مثل هذه المحاكم، ولا شك أن الاستقرار في الإقليم، متعلق بأمرين أساسيين، الأول إنهاء الاحتلال التركي للمناطق المحتلة، والثاني إنهاء ملف داعش بشكل جذري كي لا يعيد لملمة صفوفه وضرب استقرار المنطقة من جديد”.
نشاط داعش في أفريقيا 
وبناءً عليه، يمكننا القول: إن “مرتزقة داعش في نسختها الأفريقية تحاول كسب الوقت، لأن الإعلام مغيب عن نشاطها في أفريقيا؛ لذلك تنشط المرتزقة في بناء مجتمعات محلية وحواضن شعبية لدى طبقة الشباب واليافعين، واستغلالهم لضرب أوروبا والشرق الأوسط، وقد تتناغم هذه الاستراتيجية مع سياسة دولة الاحتلال التركي، حيث تدعمهم وتقدم لهم كل شيء، حتى في أفريقيا من خلال مرتزقتها مستغلةً هشاشة الوضع الأمني، وإلى ذلك يهدد “داعش خراسان” أوروبا من جهتها الشرقية، وهو ما أثار مخاوف دول أوروبية عدة على رأسها فرنسا، التي استهدفتها مرتزقة داعش أكثر من مرة، ولذلك لجأت إلى رفع مستوى التأهب الأمني لردع أي محاولات قد تزعزع الأمن والاستقرار لديها”.
فبينما تركز بعض القوى الكبرى على المنافسة المحتدمة بينها على النفوذ، أصبح الوضع الأمني العالمي في الوقت الحاضر مهددا في القارة الأفريقية، وبالتالي مكن ذلك مرتزقة داعش من التفكير خارج الصندوق عبر استغلال هذا الانشغال الدولي.
فمرتزقة داعش انتشرت في البقاع الشاسعة الصحراوية الأفريقية، والتي يمكن لها التكيف لإدارة هجماتها الإرهابية، وتهديد العالم برمته، وإن لم يكن هناك حل جذري يتمثل بمحاكمة مرتزقة داعش داخل سوريا، وخاصة في إقليم شمال وشرق سوريا، سيزداد خطرها في المستقبل على المنطقة والعالم برمته.