سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

مهلاً غوتيرس… هل اللجنةُ متوازنة؟

تقرير/ رامان آزاد –

أعلن أنطونيو غوتيرس الأمين العام للأمم المتحدة الإثنين عن تشكيلِ اللجنةِ الدستوريّة لسوريا وقال: “أعتقد بشدّةٍ أنّ تشكيلِ لجنةٍ دستوريّةٍ يتولى السوريون أنفسهم تنظيمها وقيادتها يمكن أن يشكّل بدايةَ طريقٍ سياسيّ نحو حلٍّ، وفق ما نقلته وكالة فرانس برس.
وبحسب خطة المنظمة الدوليّة يجب أن تصمَّ اللجنة الدستوريّة 150 عضواً 50 منهم يختارهم النظام و50 تختارهم المعارضة، و50 يختارهم المبعوثُ الأمميّ الخاصُ للأممِ المتحدة بهدفِ الأخذ بعينِ الاعتبارِ آراء خبراء وممثلين المجتمع المدنيّ. ومن المفترض أن تكون رئاسة اللجنة الدستوريّة مشتركة ومكونة من شخصين، ممثل عن الحكومة السوريّة والآخر عن المعارضة
دستورٌ لتأطيرِ المحاصصة قانونياً!
من نافلةِ القول أنّ الدستورَ في أيّ بلدٍ، يتجاوز أن يكون نصاً أدبيّاً منمقاً، ولا تمكن صياغته بعقليّة المحاصصة، وفي بلدٍ شهد حرباً أهليّة لسنوات لا يجوز أن يكون الدستور ترجمةً لواقع القوة ومعطيات الميدان، ذلك لأنّ المؤشرات الميدانيّة ليست دليلاً يعتدُّ به، فهو قائمٌ على منطقِ الغلبةِ، والنتيجة ستكون دستور الغلبة، وعندئذٍ لا حاجةَ لتجشمِ العناءِ وكلّ هذه الجلبة، فالدستورُ بكلّ سلسلةِ التعديلاتِ التي طرأت عليه لم يتجاوز منطقَ الغلبةِ.
كما أنّ معطيات الميدان ليست مؤشراً حقيقيّاً لواقع سوريا، نظراً لأنّ التدخل الخارجيّ من عدد من الدول قلب الموازين أكثر من مرة. وبهذا فالدستور بهذه الحالة سيمثل إرادة المتدخلين والقوى الخارجيّة، وسيكون أقربَ للنص المستورد، ولا يتجاوز كونه مجرد ترجمة.
الدستورُ في أيّ بلدٍ هو هويته الوطنيّة الكليّة والمرجعيّةُ القانونيّةُ الأساسيّة فيه، وهو فعلٌ وطنيّ جامعٌ، وحجّةٌ على كلِّ أبنائه، ولا يجوز أخلاقيّاً الاحتجاجُ على مكوّنٍ وطنيّ بدستورٍ تمّ تغييبه فيه، ولذلك من المهمِ أن يطابقُ واقعَه من غير اجتزاءٍ، وهذا الواقع يمثلُ تعددَ القوميات والتوجهات الفكريّة والدينيّة والتاريخيّة، وكم هو غريبٌ قول البعض إنّ الأزمة السوريّة لا جذورَ قانونيّة لها، ويبررُ أسبابَ الأزمةِ بالفساد الإداريّ أي مجرّدَ سوءِ التطبيقِ للنصِّ القانونيّ، ولكن الحقيقةَ غير ذلك تماماً، فالمشكلةُ بنيويّةٌ تأصيليّةٌ تتعلق بنصِّ الدستورِ نفسه، بمعنى أنّ الدستور نفسه مفرزٌ للأزمةِ، حتى لو تمّ الالتزام الدقيق بتطبيقه. وكان السوريون بحاجةٍ لصيغةٍ دستوريّةٍ تستوعبُ واقعهم وطموحاتِهم، ويساعد على تموضع البلدِ السياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ على سكةِ التطورِ واستشرافِ آفاق المستقبلِ من غير الدوران في حلقةٍ من القوالبِ والدوغمائيات القوميّة، صيغةٍ دستوريّةٍ تمجّدُ سوريا الوطن وتعزّزُ وحدته الوطنيّة وتقرُّ بطبيعته التعدديّة، ولا تحشرُ الوطنَ كله في بوتقةِ الكتلةِ الغالبة عدديّاً وتذوّبُ ما عداها. ولا تكتفي بالإشارةِ إلى حقوق المكونات القوميّة والإثنيّة بعباراتٍ فضفاضةٍ من قبيل التعميم قابلةٍ للاجتهادِ لدرجةِ الإلغاءِ، وبعبارةٍ أخرى كان دستور سوريا أقربَ لنظامٍ داخليّ لحزبٍ سياسيّ ذي منطلقاتٍ قوميّةٍ.
وهنا لا يسعنا إلا القول “مهلاً غوتيرس هل اللجنة متوازنة؟”، ونسأل: هل تعني فعلاً ما تقول؟! تتحدث عن اللجنة الدستوريّة وتقول “يتولى السوريون أنفسهم تنظيمها وقيادتها”، ولكن هل تعلم من هم السوريون؟ وهل التشكيلات التي تمّ تداولها والتي تمّ تفويضك شخصياً بتسمية ثلثها، تمثل كلَّ السوريين؟ هل تعلم ماذا يعني صياغة دستورٍ لبلدٍ تعدديّ خاض الحرب على الهوية؟ ما سرُّ الخضوع لإملاءاتِ تركيا الدولة التي تحتل مناطق سوريّة وتناصب العداء لقسم كبيرٍ من السوريين؟ هل أنقرة في موقفٍ يؤهّلها التدخلَ في دستورِ سوريا وهي سببُ أزمتها؟ هل سمعتَ أنّ سوريين قدّموا مشروعَ حلٍّ سياسيّ بأنفسهم وهو جديرٌ بالمناقشةِ وقوامه النظامُ الديمقراطيّ التعدديّ، أليس من المفترضِ مناقشةُ هذا المشروع، ما دمتَ تتحدثُ عن سوريين، فلِمَ يتمُّ تجاهلهم مع كاملِ مفرداتِ مشروعهم؟ والجوابُ ببساطة هو حالة الاجتزاء التي يفرضُها صانعو القرار، فالمطلوبُ تفصيلُ سوريا بشعبها ودستورها وفق مقتضياتِ المصالحِ، ودورُ المنظومة الدوليّة هو إعطاءُ الشرعيّةِ لهذا الاجتزاء، وهذا تماماً دورُكَ، تلك المنظومةُ التي لا زالت صامتةُ إزاء ما يرتكبه الاحتلالُ التركيّ من جرائمَ في عفرين وغيرها، ويهدد بمزيدٍ من العدوانِ، وبذلك كان استبعادُ ممثلي الإدارةِ الذاتيّةِ ينطوي على مجاملةٍ لموسكو وأنقرة. والنتيجة ستحضر المصالحُ وستغيبُ الديمقراطيّة!
مؤكّد أنَّ طبيعةَ تشكيلِ اللجنةِ متوافقٌ للمحاصصة، أي محاولة تأطير قانونيّ لتسوية سياسيّة للمصالحِ الخارجيّة في سوريا، ويتوافق مع مخرجات أستانه ومؤتمر سوتشي المنعقد في 29/1/2018 الذي أرادت عبره موسكو فرضَ مواصفاتِها القياسيّة على المعارضةِ أيضاً، وتمّ الحديث عن اللجنة الدستوريّة.
الإدارة الذاتيّة… موقفٌ منسجم مع الواقع
لعله من الطبيعيّ أنّ يكونَ المرءُ في حِلٍّ عن الالتزامِ عما يُّتخذ بحقه من التزامات في حالِ غيابه ناهيك عن تغييبه. وتغييبُ الإدارة الذاتيّة لشمال وشرق سوريا كان استجابةً لإصرار أنقرة، والإدارة كانت واضحةً في موقفها الذي جاء عبر بيانٍ رسميّ أصدرته دائرة العلاقات الخارجيّة في الإدارةِ الذاتيّةِ لشمال وشرق سوريا في 23/9/2019 حيث جدّدت موقفَها من الحوار وشدّدت على ضرورته في الوصولِ إلى اتفاق وطنيّ سوريّ، مؤكّدة في الوقت ذاته بأنَّ أيّة جهودٍ نحو الحلِّ والحوارِ والدفعِ بالعمليةِ السياسيّةِ يجبُ أن يكونَ بمشاركةِ كافةِ السوريين، وانتقدت إقصاء مكوّناتِ شمال وشرق سوريا من محاولات الحلّ السياسيّ ولجنة صياغة الدستور، وأكّدت بأنّهم لن يكونوا معنيين بأيّة مخرجاتٍ بدونهم. وقال البيان: إنّ الإدارة الذاتيّة لشمال وشرق سوريا تنظر “بأهميّة إلى موضوع صياغة دستورٍ ديمقراطيّ سوريّ بمشاركة كافة السوريين وكلّ المكوّناتِ والمناطق حيث غياب أيّ طرفٍ يعني غياب الديمقراطيّة في الدستور. نحن في الإدارة الذاتيّة نرى في أنّ إقصاء إرادة شعبنا عن محاولات الحلّ السياسيّ أو أيّة جهود أخرى وعلى وجه الخصوص إعادة صياغة الدستور إجراءً غير عادل في ظل ما تمّ تقديمه من تضحيات من أجل وحدة سوريا وشعبها وخدمة للاستقرار والديمقراطيّة ما سيجعلنا أمام موقف وهو بأننا لن نكون معنيين بأيّة مخرجاتٍ بدوننا، نرى في إن رؤية المشهد السوريّ بشكلٍ عمليّ وواقعيّ يخدم الاستقرارَ والحلّ ووجود غياب لأيّ جزء مهم سوريّ يعني تعميق أكثر للأزمة وهذا ما يتعارض مع سعينا وجهودنا لخدمة سوريا وشعبها”.
استبعادُ الكردِ حتى في المعارضة!
تناقلت مواقعُ إعلاميّةٌ خبرَ استبعادِ ممثل المجلس الوطنيّ الكرديّ في هيئة التفاوض السوريّة، حواس عكيد من قائمة المعارضة، كما تمَّ استبعادُ شخصياتٍ من قائمةِ المجتمع المدنيّ، للجنة الدستوريّة.
وكتب حواس عكيد على صفحته على موقع فيسبوك مساء الثلاثاء توضيحاً أكّد فيه استبعاده من اللجنة الدستوريّة يقول فيه “بسبب الضغوطات والمطالبات باستبدالي ببديل آخر في لجنة الدستوريّة، بالتالي، أنا الآن لست عضواً في اللجنة الدستوريّة”. وأضاف عكيد “تم الاتفاق على شخصٍ آخر مقبول من قبل الجهة الضاغطة وسيمثّل الائتلاف والمجلس في اللجنة الدستوريّة”.
ولم يُسمِ عكيد الجهة الضاغطة والبديل، فيما رجّح ناشطون أن تكون أنقرة قد ضغطت لاستبعاد عكيد لتستبدله بعضو المجلس الوطني الكرديّ عبد الحكيم بشار أو شخص آخر مقرّبٍ منها.
وبالنسبة لقائمة المجتمع المدني التي يُفترض أن تختار الامم المتحدة أعضاءها، فقد تمَّ تداول أنباء تفيدُ باستبعاد المحامية والناشطة الكرديّة دلشا أيو والكاتب والصحفيّ الكرديّ فاروق حجي مصطفى من القائمة، بعدما ورودِ أسمائهم في جميع القوائم المسرّبة.
وفي سياق متصل قال عضو مجلس الشعب السوريّ عمر أوسي أنّه تمَّ استبعاده من قائمة اللجنة الدستوريّة بـ”فيتو تركي”، وأوضح أوسي قبل إعلان اللجنة الدستوريّة أنّ تركيا لجأت إلى “استخدام الفيتو ضد مشاركة الإدارة الذاتيّة وحزب الاتحاد الديمقراطيّ وبعض الشخصياتِ الكرديّة السوريّة، وضدّي أنا شخصيّاً من المشاركة في أعمال اللجنة الدستوريّة”.
تشكيلة دمشق تنسيقٌ روسيّ -إيرانيّ
في دمشق علَّق الرئيس السوريّ بشار الأسد على إعلان الأمين العام للأمم المتحدة تشكيل اللجنة الدستورية السورية، وقال خلال استقباله مساعد وزير الخارجية الإيرانيّ علي أصغر خاجي، الثلاثاء، إن “التنسيق الروسيّ الإيرانيّ السوريّ أنجز اللجنةَ الدستوريّة وتوصل إلى الصيغة النهائيّة لعملها رغم العراقيل والعقبات التي حاولت وضعها الأطراف الداعمة للإرهاب”.
من جانبه قال وليد المعلم وزير الخارجية السوريّ في مقابلة مع التلفزيون السوريّ مساء الثلاثاء: “إنّ الموعدَ المبدئيّ لبدءِ عملِ اللجنة الدستوريّة هو 30 تشرين الأول المقبل، وأكّد أنّ اللجنة ستكونُ بقيادةٍ وملكيّةٍ سوريا، دون تدخل خارجيّ ودون تحديدٍ جدولٍ زمنيّ لعملها. وأنَّ “الأمم المتحدة لا تتدخل في جوهر النقاش”، كما أكّد أنّ “الحديثَ عن دساتير مسبقةٍ هو أمرٌ مرفوضٌ”، وقال: “الضامن الأساسيّ هو موقفنا، عندما نشعر بوجود أصابع خارجيّة في عملِ اللجنة الدستوريّة سنتوقفُ عن الحديث”.
بالمحصلةِ فإنَّ الحوارَ الوطنيّ وفقَ مبادئ العدالةِ والإقرارِ بالواقع التعدديّ والتاريخيّ وإرادةِ العيشِ المشتركِ والسيادةِ الوطنيّةِ وإنهاء الاحتلال والإرهاب هو السبيلُ الذي يعوّلُ عليه من أجلِ حلٍّ شامل للأزمةِ، ليتم تأطير ذلك قانونيّاً بدستورٍ وطنيّ يأخذ بالاعتبار أسباب الأزمة ويتوافق حوله السوريون وفق الأسس القانونيّة الدوليّة المتعارف وليس نتاج تسوية ومحاصصة لمصالح وإملاءات خارجيّة.