سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

من مخيمات الشمال السوري إلى أدغال إفريقيا… رحلة المرتزقة السوريين الموالين لتركيا

 حسام الدخيل_

من أذربيجان إلى ليبيا، لتحط بهم الرحلة أخيراً في إفريقيا، وبالتحديد في النيجر، هذه رحلة المرتزقة السوريين مع متزعمهم أردوغان، الذي جعل منهم حجر شطرنج ينقلهم حيث شاء، مستغلاً بذلك ظروفهم المعيشية الصعبة وحاجتهم للمال، كما ذكر تحقيق صحفي نشرته وكالة الأنباء الفرنسية.
رحلة المرتزقة السوريين 
منذ الأشهر الأولى للثورة السورية، التي انطلقت في الخامس من آذار من العام 2011، سعت أنقرة لدعم المتظاهرين الذين ثاروا في وجه نظام الأسد، ومن ثم قامت بدعم الثوّار بالمال والأسلحة، لتحول ثورة الشعب السوري السلمية، إلى حرب أهليه مدمّرة لا تبقي ولا تذر.
وفي العام 2015، كشرت دولة الاحتلال التركي عن أنيابها، لتظهر بوجهها الحقيقي بعد إزالتها قناع محامي الدفاع الأول عن السوريين وثورتهم، بعد أن اقتحمت مدينتي الباب وإعزاز في ريف حلب بحجة مهاجمة حليفها الأول “مرتزقة داعش”، وكانت هذه أولى خطواتها الاحتلالية في سوريا، وبعدها توالت أطماع دولة الاحتلال التركي في سوريا بعد احتلالها كل من “عفرين، وسري كانيه، وكري سبي/ تل أبيض”، في شمال وشرق سوريا، بعد تأسيسها لما يسمى “الجيش الوطني السوري”، ليكون يدها التي تحارب بها السوريين.
وكانت المرة الأولى التي أرسلت فيه تركيا مرتزقة سوريين يقاتلون بالوكالة عنها، خلال الحرب الأهلية الليبية في عام 2019، حيث واجه مرتزقة تركيا السوريين في بعض الأحيان مرتزقة سوريين متعاقدين مع روسيا. ثم أرسلت تركيا مجموعة الأفراد ذاتهم لحرب أذربيجان في أواخر عام 2020، ضد أرمن ناغورنو كراباخ.
وذكرت تقارير صحفية إن هذه التعبئة تتم من خلال شركة سادات لاستشارات الدفاع الدولية SADAT International Defense Consultancy، وهي شركة عسكرية خاصة يشار إلى إن لها علاقات وثيقة مع حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن تركيا تنوي إرسال ما يزيد عن 3500 مرتزقاً سوري إلى النيجر، بهدف حماية المصالح التركية في إفريقيا، وعلى رأسها حماية مناجم تشرف عليها تركيا.
وقالت وكالة الأنباء الفرنسية على لسان أحد المرتزقة الذين تم تجنيدهم هناك، إنه سافر لتحسين معيشته هناك على غرار مئات المرتزقة الآخرين.
كيف يتم تجنيد المرتزقة؟ 
تقوم تركيا بتجنيد المرتزقة، عن طريق مرتزقتها في سوريا المعروفين باسم “الجيش الوطني السوري”، وعلى رأسهم ما تسمى “فرقة السلطان مراد”، وفرقة “سليمان شاه”، حيث يحصل كل فصيل يدفع بمرتزقة منه على مبلغ 350 دولاراً أمريكياً يقتطع من مرتب المرتزق الذي يتم إرساله للقتال خارج الأراضي السورية.
كما تستغل دولة الاحتلال التركي حالة الفقر المدقع وسوء الأوضاع المعيشية التي يعاني منها السوريون في مخيمات شمال غربي سوريا التي تديرها تركيا ومرتزقتها، لتقوم بتجنيد هؤلاء بغية تحسين أوضاعهم المعيشية.
ما المميزات التي تقدمها تركيا للمرتزقة؟
بحسب التقارير الصحفية التي تم نشرها منذ الرحلة الأولى للمرتزقة إلى ليبيا، ومنها إلى أذربيجان، وأخيراً في نيجيريا، فإن المرتزق يحصل على مرتب شهري يتراوح بين الـ 1500 إلى الـ 2000 دولاراً أمريكياً شهرياً، ويحصل المرتزق على مبلغ قدره 35000 دولار أمريكي في حال حدوث إعاقة.
ويمتد عقد كل مرتزق لمدة ستة أشهر، بحيث يكون قد جمع مبلغ يتراوح بين الـ 10000 دولار والـ 12000 دولار أمريكي، خلال مدة العقد.
وهذه المبالغ يرى من خلالها المرتزقة إنها خيارهم الأول لتحسين أوضاعهم المعيشية، بعد أن أنهكهم الفقر في المخيمات أو من خلال عملهم كمرتزقة في الجيش الوطني بمرتب لا يصل إلى الـ 50 دولار أمريكي.
ووثّق “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إرسال ألف مرتزق سوري موالين لأنقرة على الأقل إلى النيجر، عبر تركيا، منذ العام الماضي، بهدف «حماية مشاريع ومصالح تركيّة فيها بينها مناجم”.
كما وثّق المرصد السوري سقوط 50 قتيلاً من المرتزقة السوريين في النيجر، استطاع تحديد هوية تسعة قتلى فقط، تم إيصال أربع جثث إلى داخل الأراضي السورية، بينما تتكدس الجثث الأخرى في برادات لحفظ الموتى هناك في النيجر.
هل تسعى تركيا لتكون منافسة فاغنر الروسيّة؟
يرى مراقبون، إن الدولة التركية تسعى لإنشاء فاغنر جديدة، عبر مرتزقة يقاتلون عنها بالوكالة، لتنفيذ أجنداتها ومصالحها، بعيداً عن أنظار المجتمع الدولي، في حال ارتكب هؤلاء المرتزقة فضائع في البلدان التي يقاتلون فيها، فهم ميليشيا يتبعون لشركة أمنية بعيدة عن سلطة الدولة، وبذلك تركيا تكون قد حمت نفسها من مسائلة المجتمع الدولي، وخصوصاً إن المرتزقة السوريين أولئك المنحدرين من مرتزقة ما يُسمى “الجيش الوطني السوري”، متورطين بجرائم تتعلق بحقوق الإنسان والكثير من قادتهم أُدرجت أسمائهم على لائحة العقوبات الأمريكية، وتعتبر جريمة قتل السياسية الكردية؛ الأمين العام لحزب سوريا المستقبل هفرين خلف مع اثنين من مرافقتها من أفظع الجرائم التي تم ارتكابها على مرأى العالم أجمع وقاموا بتوثيقها بهواتفهم وكاميراتهم، إبّان احتلالهم لمدينة سري كانيه في العام 2019. كما يرتبط بعضهم بتنظيمات راديكالية ذات فكر متطرف أمثال داعش وهيئة تحرير الشام.
عدد القتلى من المرتزقة السوريين
تجربة النيجر لم تكن هي التجربة الأولى لتركيا عبر إرسال مرتزقة سوريين يقاتلون عنها بالوكالة ويدافعون عن مصالحها، فقد سبق أن أرسلت تركيا مرتزقة إلى ليبيا، مؤلفة من أكثر من سبعة آلاف مرتزق، وإلى أذربيجان نحو 3500 مرتزق، ولا توجد تقارير رسمية تفيد بعدد القتلى السوريين ممن أرسلتهم تركيا للقتال، إلا أن هناك تقارير إعلامية تفيد بسقوط قرابة الـ 500 قتيل في أذربيجان وحدها، وضعف هذا العدد في ليبيا. وتتعمد تركيا إظهار إحصائيات دقيقة لعدد القتلى والمصابين من المرتزقة الذين قامت بزجهم في جبهات القتال، كما بادرت بالنفي إلى جانب أذربيجان في وقتٍ سابق عن وجود مرتزقة قاتلوا إلى جانبهم، ولكن الصور والفيديوهات الواردة من هناك تظهر عكس ذلك، وكذّبت الرواية التركيّة.