سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

من غزة إلى جنوبِ لبنان… احتمالُ توسّعِ الحربِ

بدرخان نوري_

على مشارف نهاية الشهر التاسع للحرب في غزة لا تبدو تباشير واضحة لنهايةٍ وشيكةٍ، رغم الخسائر الكبيرة والدمار الذي لحِق بالمنازل والمرافق العامة والبنى التحتيّة ونزوح أكثر من 1.7 مليون فلسطينيّ، بل تُشير المعطيات السياسيّة والميدانيّة إلى أنّ الجبهة الشماليّة على مشارف التصعيد والانتقال من المناوشات المتبادلة شبه اليوميّة إلى حربٍ مفتوحةٍ، ويؤكّد ذلك التهديدات المتبادلة بين تل أبيب و”حزب الله”.
انتهاء المرحلة العنيفة من الحرب
أكد رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، الأحد 23/6/2024، أنّ المعارك “العنيفة” التي يخوضها الجيش الإسرائيليّ ضد حماس في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة “على وشك الانتهاء”.
وأوضح نتنياهو في مقابلة مع القناة 14 الإسرائيليّة أنّ “هذا لا يعني أنّ الحرب على وشك الانتهاء، لكن الحرب في مرحلتها العنيفة على وشك الانتهاء في رفح”. وأضاف في أول مقابلة معه تجريها قناة تلفزيونية إسرائيليّة منذ بدء الحرب ضد حماس في 7/10/2023، “بعد انتهاء المرحلة العنيفة، سنُعيد نشر بعض قواتنا نحو الشمال، وسنفعل ذلك لأغراض دفاعيّة في شكل رئيسيّ، لكن أيضاً لإعادة السكان إلى ديارهم”. وشدد على أنه لن يقبل أيَّ اتفاقٍ “جزئيّ”، قائلاً “الهدف هو استعادة الرهائن واجتثاث نظام حماس في غزة”.
ورداً على سؤال حول مرحلة ما بعد الحرب في غزة، أوضح نتنياهو أنّ إسرائيل سيكون لها دور تؤديه على المدى القصير من خلال “سيطرة عسكريّة”. وقال “نريد أيضاً إنشاء إدارة مدنيّة، بالتعاون مع فلسطينيين محليين إن أمكن، وربما بدعم خارجيّ من دول المنطقة، بغية إدارة الإمدادات الإنسانيّة، وفي وقت لاحق، الشؤون المدنيّة في قطاع غزة”.
والواقع أنّ الصراع في غزة تحوّل إلى حربِ “استنزاف”؛ لم يقتصر على خسائر الفلسطينيين الضخمة، فقد تكبد الجيش الإسرائيليّ خسائر بشريّة ودُمّرت دبابات ميركافا وعربات وجرافات وحاملات الجنود في مناطق ومخيمات سيطر عليها الجيش منذ أشهر في شمال ووسط القطاع وفي رفح.
وعمد نتنياهو، إلى فتح “جبهة مواجهة” استفزازيّة مع الرئيس الأمريكيّ بايدن وإدارته، حمّل مسؤولية الفشل بالحرب، وقال الثلاثاء 18/6/2024: إنّه رغم تقديره للدعم الأمريكيّ خلال حرب غزة، “إلا أنّه من غير المعقول أنّ الإدارة الأمريكيّة حجبت في الأشهر القليلة الماضية أسلحة وذخائر عن إسرائيل”. والجمعة 21/6/2024 علّق المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي على تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيليّة حول التأخير بتسليم شحنات الأسلحة الأمريكيّة وقال: إنّ “تلك التصريحات كانت مخيبة للآمال بشدة ومهينة لنا بالتأكيد، نظراً لحجم الدعم الذي نقدمه وسنواصل تقديمه”.
وتفيد آخر الإحصائيات في الشهر التاسع من الحرب في غزة، بمقتل 37626 شخصاً وإصابة 86098 شخصاً، منذ 7/10/2023.
ما جاء به الهدهد
تحت عنوان “هذا ما جاء به الهدهد”. نشر إعلام “حزب الله” الثلاثاء 18/6/2024، مقاطع مصورة تم تصويرها بطائرة تجسس مسيّرة. ورصد المقطع المصور خط سير طائرة “هدد” المسيّرة التي نفذت إلى قلب إسرائيل ورصدت مواقع حيويّة في حيفا على مسافة 17 ميلاً (27.4 كيلومترا) من الحدود اللبنانيّة.
وفي المقاطع المصورة ومدتها تسع دقائق، ظهرت لقطات جويّة لمدينة حيفا حيث مجمع الصناعات العسكرية – شركة “رافائيل”، ومنطقة ميناء حيفا التي تضم قاعدة حيفا العسكرية، وهي القاعدة البحرية الأساسية في الجيش الإسرائيليّ، وميناء حيفا المدني، ومحطة كهرباء حيفا، ومطار حيفا، وخزانات النفط، والمنشآت البتروكيميائية، بالإضافة إلى مبنى قيادة وحدة الغواصات، وسفينة ساعر 4.5 وهي مخصصة للدعم اللوجستي، وسفينة ساعر 5. وخُتم الفيديو بصوت نصر الله وهو يقول: “من يفكر في الحرب معنا سيندم إن شاء الله”.
وفيما عدا الأهداف الاستطلاعيّة ـ فقد أراد “حزب الله” بنشر المقاطع استعراضَ قدرته التقنية وإمكانيته على اختراق الدفاعات الجويّة الإسرائيليّة والوصول إلى العمق الإسرائيليّ. والمسيرة “هدهد” صناعة إيرانيّة، وهي طائرة كهربائيّة صغيرة جداً، بلا بصمة حراريّة أو صوتية وتبلغ سرعها القصوى 70 كم/ سا، ولديها القدرة على حمل مجموعة متنوعة من الكاميرات وأكد الجيش الإسرائيليّ أن الطائرة التي حلقت فوق حيفا وقامت بنقل الصور إلى “حزب الله” انطلقت فعلاً من لبنان.
منذ بداية الحرب في غزة شهدت الحدود بين إسرائيل ولبنان توتراً، وأطلق “حزب الله” آلاف الصواريخ والقذائف المضادة للدبابات والطائرات المسيرة باتجاه إسرائيل، فيما ردّت الأخيرة بآلاف الهجمات الجوية. ويأخذ الوضع منحنى خطيراً، فلدى إسرائيل القدرة على الحرب على أكثر من جبهة والتفوق العدديّ والنوعيّ، لا سيما فيما يتعلق بالدفاع الجويّ في حال التصدي للنيران من الجانبين.
وفيما تعتقد أوساط إسرائيليّة أنّ التوترات على الحدود الشمالية لا تزال في طور التصعيد وتحت السيطرة، يصرّ جنرالات إسرائيليّون على قدرة الجيش على الحرب على جبهتين، لكنهم إذ ذاك يعترفون أن هذا من شأنه إجهاد الجيش بشكل ملموس. وثمة إجماع داخل الدوائر الأمنية الإسرائيليّة على حتمية الحرب مع “حزب الله”، لكن وجهة النظر التي تلقى رواجاً بين الجنرالات هي أنّ هذه الحرب لا ينبغي أن تندلع سريعاً، حسبما نقلت مجلة الإيكونوميست البريطانيّة.
ويأتي ذلك في وقت أعلن فيه “حزب الله” مقتل أربعة من عناصره في مواجهات مع الجيشِ الإسرائيليّ، لترتفع بذلك حصيلة قتلاه منذ 8/10/2023، إلى 346 عنصر. وأعلن الجانب الإسرائيليّ من جهته مقتل 15 عسكرياً و11 مدنياً.
تهديدات إسرائيليّة
سلوك “حزب الله” منذ بداية الحرب في غزة وحتى يوم نشر ما صوّرته طائرة الاستطلاع أثار غضب إسرائيل، وليعلن الجيش الإسرائيليّ “اعتماد خطط عملياتيّة” للهجوم في لبنان. وقال وزير الخارجية الإسرائيليّ يسرائيل كاتس إنّ بلاده كانت قريبة من التوصل إلى قرارٍ بشأن الذهاب إلى الحرب، محذّراً من أنّه “حال نشوب حرب شاملة، سيتعرض “حزب الله” للتدمير، وسيتلقى لبنان ضربة موجعة”. وقال كاتس، بحسب بيان صادر عن مكتبه الثلاثاء “نحن قريبون جداً من اللحظة التي سنقرر فيها تغيير قواعد اللعبة ضد “حزب الله” ولبنان. في حرب شاملة، سيتم القضاء على “حزب الله” وسيُضرب لبنان بشدة”.
تصاعدت نبرة المسؤولين الإسرائيليّين بشأن التصعيد بجبهة الشمال، ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيليّة عن مسؤول كبير قوله “إنّه إذا واصل “حزب الله” مهاجمتنا فإنّ جنوب لبنان سيبدو مثل غزة ولا حصانة لبيروت”. ونقلت القناة الـ12 الإسرائيليّة عن وزير الدفاع يوآف غالانت قوله إنّ “”حزب الله” بدأ الحرب وواجبنا تغيير الوضع”.
أعلن الجيش الإسرائيليّ الثلاثاء 18/6/2024، موافقته على خطط عملياتية لهجوم في لبنان، وقال الجيش في بيان إن كبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليّين “أجروا تقييماً مشتركاً للوضع في القيادة الشماليّة. وفي إطار تقييم الوضع تمت المصادقة وإقرار خطط عملياتيّة لهجوم في لبنان”. مضيفاً “تم اتّخاذ قرارات بخصوص مواصلة تسريع استعدادات القوات في الميدان”.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتانياهو في وقتٍ سابق هذا الشهر إن الجيش جاهز لعملية مكثفة في لبنان إذا لزم الأمر، متعهداً إعادة الأمن للحدود الشمالية لإسرائيل.
وتتزامن هذه التطورات مع إعلان المبعوث الأميركي إلى لبنان آموس هوكشتاين فشل محاولات التسوية بين “حزب الله” وإسرائيل، وفق ما ذكرت القناة الـ13 الإسرائيليّة. ونقل موقع أكسيوس الإخباري – عن مصادر مُطلعة- قولها إن “اجتماع هوكستين برئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو أمس الثلاثاء كان سيئاً”.
الأحد 23/6/2024، حذّر رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية تشارلز براون، من أن أي هجوم عسكري إسرائيليّ على «”حزب الله”» في لبنان يهدد بتدخل إيران للرد دفاعاً عن جماعة «”حزب الله”» المسلحة الموالية لطهران، ما قد يؤدي إلى حرب أوسع نطاقاً قد تعرّض القوات الأميركية في المنطقة للخطر، حسبما أفادت وكالة «أسوشييتد برس». وقال براون إن إيران “ستكون أكثر ميلاً لدعم “حزب الله”. وأضاف أن طهران تدعم مسلحي “حماس” في غزة، لكنها ستقدم دعماً أكبر لـ”حزب الله” خاصةً إذا شعرت أن “حزب الله” يتعرض لتهديد كبير”. وتحدث براون إلى الصحافيين أثناء سفره إلى بوتسوانا لحضور اجتماع لوزراء الدفاع الأفارقة.
وقال براون أيضاً إنَّ الولايات المتحدة لن تكون قادرة على مساعدة إسرائيل على الدفاع عن نفسها ضد حرب “حزب الله” الأوسع نطاقاً كما ساعدت إسرائيل في صد وابل من الصواريخ والطائرات من دون طيار الإيرانيّة في نيسان. وقال إنَّ صدَّ الصواريخ قصيرة المدى التي يطلقها “حزب الله” بشكل روتينيّ عبر الحدود إلى إسرائيل أصبح أكثر صعوبة.
“حزب الله” يُهدِّد
توعّد الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصر الله بقتال “لا قواعد له ولا أسقف” ضد إسرائيل حال اندلاع حرب شاملة، مهدداً باجتياح منطقة الجليل، مشيراً لامتلاك الجماعة اللبنانية “أسلحة جديدة ستُرى في الميدان”. واستدرك نصر الله قائلاً إنّهم لا يريدون حرباً شاملة مع إسرائيل، وإنما مساندة حركة حماس في غزة.
وحذّر نصر الله الأربعاء، من أنَّ أيّ مكان في إسرائيل “لن يكون بمنأى” عن صواريخ مقاتليه في حال اندلاع حرب، منبهاً في الوقت نفسه قبرص من مغبّة فتح مطاراتها وقواعدها أمام اسرائيل لاستهداف لبنان.
وأوضح نصر الله في كلمة ألقاها خلال تأبين طالب سامي عبد الله، القياديّ البارز في صفوف حزبه، الذي قضى بنيران إسرائيليّة في 11/6/2024، أنّ العدو يعرف جيداً أنّ “حزب الله” حضّر نفسه “لأسوأ الأيام”… وهو يعرف أنه لن يكون هناك مكان في إسرائيل بمنأى عن صواريخهم، مضيفاً “عليه أن ينتظرنا براً وجواً وبحراً”.
وكشف نصر الله عن معلومات تلقاها الحزب تفيد بأنَّ اسرائيل التي تجري سنويّاً مناورات في قبرص، قد تستخدم المطارات والقواعد القبرصيّة لمهاجمة لبنان، في حال استهداف “حزب الله” للمطارات الإسرائيليّة. وحذّر نصر الله الحكومة القبرصيّة من فتح المطارات والقواعد القبرصيّة لإسرائيل لاستهداف لبنان، وفي حال قامت قبرص بذلك فهذا يعني أنَّ الحكومة القبرصيّة أصبحت جزءاً من الحرب وستتعامل معها “حزب الله” على أنّها جزء من الحرب.
وأكّد نصر الله جهوزيّة حزبه، من ناحية العدة والعتاد. وقال “على مستوى القدرة البشريّة، لدى المقاومة ما يزيد عن حاجتها وتقتضيه الجبهة حتى في أسوأ ظروف المواجهة”. وشدد على أنّهم قاتلوا “بجزء” من سلاحهم حتى اللحظة، مؤكداً الحصول على أسلحة جديدة، دون كشف نوعها. وأوضح “قبل أعوام تحدثنا عن مئة ألف مقاتل… اليوم تجاوزنا (العدد) بكثير”، مضيفاً “هناك تحفيز كبير على مستوى لبنان وقوة بشريّة للمقاومة لم يسبق لها مثيل”.
وفنّد نصر الله تدرّج مقاتليه منذ بدء التصعيد عبر الحدود في استهداف المواقع العسكريّة الإسرائيليّة، القديمة والمستحدثة منها، وأجهزة التجسس، موضحاً أنّ “ما تمّ نشره الثلاثاء في المقطع المصور، والذي يظهر مسحاً شاملاً لمدينة حيفا ومحيطها، هو جزء “من ساعات طويلة فوق حيفا”.
وتشير التقديرات إلى امتلاك “حزب الله” نحو 130 ألف صاروخ، ويرى البعض أن هذه التقديرات قادرة على إغراق منظومات الدفاع الجوي الإسرائيليّ المتطورة وضرب المدن الإسرائيليّة الكبرى، فيما لو وجّه “حزب الله” رشقة صواريخ كبيرة في أولى ساعات الحرب، متجاوزاً عتبة ألفي صاروخ ولديه القدرة الفعليّة على ذلك، عندئذ لن تُجدي القبة الحديديّة وستكون الأضرار في إسرائيل كبيرة وبخاصةٍ المواقع الحيويّة الاستراتيجيّة مثل مصانع البتروكيماويات ومستودعات النفط ومحطات الطاقة، فضلاً عن الأهداف البشريّة في التجمعات السكانيّة والأهداف العسكريّة.
وردَّ الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس إنّ بلاده “ليست ضالعة بأيّ شكل” في أيّ عمليات عسكريّة في المنطقة. وأضاف أنّ بلاده “جزء من الحلّ لا جزء من المشكلة،” مشيراً إلى الممر الملاحيّ بين قبرص وغزة الذي يستخدم لتوصيل مساعدات للقطاع الفلسطينيّ.
ودعم بيتر ستانو المتحدث باسم المفوضية الأوروبيّة تصريح الرئيس القبرصيّ وقال من مقر المفوضية في قبرص للصحفيين إنّ “قبرص دولة عضو في الاتحاد الأوروبيّ. هذا يعني أنّ الاتحاد الأوروبيّ قبرص وقبرص الاتحاد الأوروبيّ. وهذا يعني أنّ أيّ تهديد ضد واحدة من دولنا الأعضاء تهديدٌ ضد الاتحاد الأوروبيّ”.
العلاقة بين طهران و”حزب الله” بدأت من التأسيس، ولا يخفي “حزب الله” أنّه يدين بالفضل بخروج الجيش الإسرائيليّ من جنوب لبنان في 25/5/200 لإيران، وبالمجمل؛ فإنّ أيّ حربٍ تشنها إسرائيل على “حزب الله” تستهدف بها أحد عوامل التمدد الإيرانيّ في المنطقة، وكانت آخر جولة للصراع المسلح قد اندلعت بين الجانبين في 12/7/2006، واستمرت 34 يوماً، وعُرفت باسم “حرب تموز 2006″، وانتهت إلى طريق مسدود. ومنذ ذلك الوقت، عزز “حزب الله” ترسانة أسلحته، فضلاً عن اكتسابه خبرة ميدانيّة كبيرة في سوريا بالقتال إلى جانب الحرس الثوريّ الإيرانيّ دعماً لحكومة دمشق.