سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

مقاومة 14 تموز.. عبق من البسالة والنضال

روناهي/  قامشلو ـ

شهدت سجون الفاشية التركية عام 1982، مقاومة تاريخية قادها رواد حزب العمال الكردستاني ضد سياسات الاحتلال التركي القمعية والهجمات الرامية للإبادة.
ففي 12 أيلول عام 1980، ولسد الطريق أمام التطور الثوري الديمقراطي، الذي تحقق في كردستان وتركيا وإعادة تأسيس نظام الاحتلال مرةً أخرى، قام المحتل التركي بانقلاب عسكري، لاستعباد المجتمع وقمعه، فحولوا السجون إلى مراكز خاصة بالتعذيب، ومنها سجن آمد العسكري، والذي ضم رواد حزب العمال الكردستاني الذين أبدوا بسالة في تلك الزنزانة وكان شعارهم “المقاومة حياة”.
من هو الشهيد كمال بير..؟
ولد الشهيد كمال بير عام 1952 في قرية “كوزلولوك” التابعة لناحية تورول في كوموشهان، بكنف عائلة فقيرة، تعمل في الزراعة وتربية الحيوانات، وكان كمال الطفل الرابع في العائلة، وقد أنهى دراسته الابتدائية في القرية، ودرس الإعدادية والثانوية في أوردوي.
ولفت بير بموقفه ضد الظلم وحبه للدراسة والتعليم انتباه الجميع، وقد التقى بحقي قرار، الذي كان يسبقه بعام في الدراسة الجامعية، ولشدة حبهما لتغير وإنهاء مشاكل المجتمع ورغبتهما في تغييره، أصبحا صديقين مقربين، حيث استقرا في منزل خاص بهما، ودخل كمال بير كلية اللغة والتاريخ والجغرافية في جامعة أنقرة عام 1970، وخلال تلك السنوات، حظيت الأفكار الماركسية واللينينية باهتمامه، وبالتزامن مع ذلك كانت مجموعة ثائري كردستان تُنظّم بقيادة القائد “عبد الله أوجلان”، وتعرف “كمال بير وحقي قرار”، بالقائد “عبد الله أوجلان”، في منزلهما، الذي كانا يسكنانه، ليقرّر كمال بير الانضمام إلى المجموعة بعد حديث استمرّ بينه، وبين القائد “عبد الله أوجلان” مدة نصف ساعة.
واعتُقل كمال بير لأوّل مرّة في عام 1976، أثناء ذهابه للانضمام إلى اجتماع “توزلو جاير” في أنقرة، حيث نُقل إلى سجن كزلجهمام في البداية، ومن ثمّ إلى سجن أولو باي في أنقرة، وهناك أثّر كمال بير على الحراس خلال أسبوع، وهرب من السجن، ليُعتقل مجدداً في رها عام 1978، ويعيد الهروب من السجن عام 1979 من خلال وضع خطّة مع السجناء القضائيين.
وبعد توجّه القائد “عبد الله أوجلان”، إلى سوريا عام 1979، لتدريب كوادر حزب العمال الكردستاني، توجّه كمال بير إلى مخيمات فلسطين ولبنان، وانضمّ إلى التدريبات السياسية، والعسكرية للمقاتلين، ثمّ عاد إلى كردستان مجدّداً للتحضير للكفاح المسلّح، إلّا أنه اعتُقل على الطريق الواصل بين إيله وساسون عام 1980 إثر كمينٍ نصبه له الجيش التركي ونُقل إلى سجن آمد.
المدين لشعبه.. الشهيد محمد خيري دورموش
ولد “محمد خيري دورموش” عام 1955 في قرية قُمكي، التابعة لناحية كَخي بجوليك، وأكمل دراسته الابتدائية والاعدادية بتفوق، في حين كانت عائلته تأمل أن يدرس ويصبح طبيباً، فسجل في كلية الطب بأنقرة.
وخلال دراسته الجامعية قرأ عن الماركسية واللينينية وتابع البحث في المشاكل القومية للشعب الكردي، وفي نهاية عام 1975، تعرّف على الحركة التي أصبح فيما بعد حزب العمال الكردستاني (PKK)، محمد خيري دورموش ترك الجامعة في السنة الثالثة، واختار الثورة المهنية، بولائه للقائد “عبد الله أوجلان”، وعُرِفَ بتواضعه وقوته الأيديولوجية.
وقد مارس العمل التنظيمي في جوليك، وآمد، ورها وماردين، في 27 تشرين الثاني 1978 وخلال الاجتماع التأسيسي لحزب العمال الكردستاني (PKK) الذي انعقد في قرية فيس، لعب محمد خيري دورموش دوراً رئيسياً في وضع النظام الداخلي للحزب.
وفي خريف 1979 اعتقلته القوات التركية في قوسر، وقد أبدى موقفاً ثورياً ضد أنواع التعذيب والقمع، وبعد الانقلاب الفاشي في الثاني عشر من أيلول، أصبح من أوائل كوادر حزب العمال الكردستاني، الذين هاجمتهم الطغمة الفاشية.
وفي 14 تموز 1982، حصل بإصراره على حق التحدث أمام المحكمة، وأعلن عن قراره ببدء صيام الموت، قال محمد خيري دورموش هذه الكلمات التاريخية في ذلك اليوم: “بلغت القسوة والتعذيب في السجن ذروتها، تعرضت حياتنا للموت والتعذيب القاسي، وتم قتل الإنسان فينا، تُرِكَ مئات الأشخاص معاقين، لم يتركوا مجالاً للأشخاص، الذين يريدون حماية قيمهم وأفكارهم والدفاع عنها، لا يسمح لهم بإعداد مرافعاتهم، المحاكم تتجاهل هذه الأحداث، لم يعد للحياة تحت التعذيب أي معنى، ومن أجل الاحتجاج على هذا القمع وهذا التعذيب، أبدأ بالصيام حتى الموت من هذه اللحظة، فإذا كنت سأصعّد المقاومة بموتي، فسأكون محظوظاً من شعبي وحزبي”. وقد قدم دورموش أنواع التضحية، والنضال الكبير من أجل حرية الشعب الكردي، قال محمد خيري دورموش: “سواءً قبل اعتقالي، أو بعد اعتقالي، لم أستطع أن أكمل مهمتي الحزبية بشكل كامل، لذا، اكتبوا على قبري “مدين لشعبه محمد خيري دورموش”، واستشهد في اليوم 61 من صيامه المؤدي للموت.
الشهيد عاكف يلماز رائد النشاطات
ولد عاكف يلماز عام 1956 في قرية بشكتاش في أردخان، اضطر عاكف يلماز، الذي ينحدر من عائلة فقيرة، إلى ترك تعليمه الثانوي في منتصفه والعمل، وأثناء عمله في المدن التركية تعرّف على النضال الطبقي والثوري، والتحق بصفوف الحركة عام 1976، عندما كان يقوم بأعمال الحركة في قارس، ولأنه كُشف من السلطات الفاشية، ذهب إلى آمد، وقام بتنظيم أنشطة هناك، كما قام بالعديد من الأنشطة الناجحة عندما كان في اللجنة المنطقية في آمد، وكان في الطليعة بتضحياته وموقفه النضالي، وخلال عمليات قوات الدولة التركية ضد الحركة، قبيل انقلاب 12 أيلول وبعد التحقيقات، التي دامت خمسة عشر يوماً، تم اعتقاله ووضعه في المهجع رقم 35 في سجن آمد، ولم يركع للعدو بالرغم من تعذيبه بأشد الوسائل مثل رفاقه السابقين.
وفي 14 تموز 1982، سمع عاكف يلماز من رفاقه الذين عادوا من المحكمة، أن المقاومة قد بدأت، ودون تردد نادى حراس السجن، وأخبرهم بأنه ينضم أيضاً إلى “صيام الموت”، وواصل عاكف يلماز صيام الموت بحزم ورفض العلاج في المشفى، الذي نُقل إليه، بعد عدة أيام، وفي اليوم الثالث والستين من الفعالية، استشهد في 15 أيلول 1982.
الشهيد علي جيجك: “سنقاوم”
ولد علي جيجك في منطقة حلوان بمدينة رها عام 1961 في أسرة فقيرة، في السبعينات، عندما بدأت حركة الحرية الكردستانية بتنظيم نفسها في حلوان، انضم إلى صفوف النضال دون تردد بالرغم من صغر سنه، لعب دوراً حاسماً في خطة هروب كمال بير من سجن الرها، وبعد هروب كمال بير من السجن، أرشده للخروج من مدينة الرها بأمان.
وفي عام 1980، عندما كانت الحركة تتعرض لهجمات عنيفة من الدولة التركية في الرها، تم اعتقاله أثناء قتله لجاسوس، حيث تعرض للتعذيب بكل الطرق، ونُقل إلى سجن آمد، أخذ علي جيجك مكانه في مقاومة السجن، وفي 14 تموز، بعد أن أعلن محمد خيري دورموش صيام الموت في المحكمة، أخذ حق الكلام، وكشف أنه يشارك أيضاً في هذه المقاومة.
وفي 14 تموز 1982 قال: “حزب العمال الكردستاني علّمنا المقاومة، وليس الخضوع والاستسلام، سنقاوم”، وبهذا القول، أظهر الموقف وفق روح حركة التحرر الكردستانية، واستشهد علي جيجك في اليوم الخامس والستين للمقاومة، تم وصفه بـ “النجم الأحمر” لحماسه وقوة إرادته، حيث سجل اسمه في تاريخ كردستان الحديث.