رامان آزاد_
تفاعل قضية مرتزقة “سليمان شاه” التي يتزعمها المدعو “محمد جاسم أبو عمشة”، ليست إجراءً إداريّاً لآليّة المحاسبة، كما يتمّ الترويج له، بل تعكس حقيقة ما تمّ الترويج له زوراً باسم “الجيش الوطنيّ”، وأنّه لا يعدو في حقيقته تجميعاً للمرتزقة تأتمر بتعليماتِ الاستخباراتِ التركيّة وتنفّذ أجندتها، وهي التي تقرر مصيرها.
التحقيق في التجاوزات
تأزمت العلاقة بين غرفة القيادة الموحدة “عزم”، ومرتزقة “العمشات/ سليمان شاه”، في 10/12/2021، بعدما فتحت “عزم” ملف انتهاكات الفصيل وتجاوزاته بحق الأهالي في ناحية شيه/ الشيخ حديد، التي أضحت إمارة مستقلة.
وفي 11/11/2021، أعلنت “عزم” قبول عودة “العمشات” إلى صفوفها، وعملها ضمن حركة “ثائرون” التي يقودها المدعو “فهيم عيسى”، مقابل عدة شروط، منها تعاونها مع القضاء، وتسليم من تثبت عليه تجاوزات وانتهاكات لتسويتها.
والقضية في عهدةِ ما يسمّى “المكتب الأمنيّ في عزم” الذي يتابعها، فيما تمَّ تداول الكثير من الأقاويل، ووصلت إلى درجةِ كبيرة من التهويل بالحديثِ عن إمكانيّةِ القيامِ بعملٍ عسكريّ.
قامت “اللجنة المشتركة لرد الحقوق في عفرين وريفها” في شهر تشرين الثاني الماضي، عدة جولات في ناحية شيه/ الشيخ حديد، وأعلنت اللجنة في 6/12/2021، انتهاء الجولة في شيه وشملت بعض معاصر الزيتون والأهالي والمجلس المحليّ، وأكّدت اللجنة حلّ كل القضايا المقدمة، بالتعاون مع مرتزقة “العمشات” وتتعلق القضايا بالإتاواتِ المفروضة على الأشجار (8 دولارات على كلِّ شجرة مثمرة و4 دولارات عن باقي الأشجار)، والموسم (25% من صافي إنتاج الزيت تؤخذ من المعصرة مباشرة) وتمَّ استرداد كميات الزيت مجدداً من الأهالي بعد خروج اللجنة.
ترى غرفة “عزم” أنّها مخوّلة بمحاسبةِ المدعو “أبو عمشة” على انتهاكاته، بعدما قبل بشروط الانضمام، وتسليم جميع المطلوبين للقضاء ومحاسبتهم. والقضية لا تخرج عن إطار التنافس الفصائلي، ومحاولة تقديمه “كبشاً” لضمان بقائهم على حسابه.
في إطار قضية المدعو “أبو عمشة”، طلبت ما تسمّى “لجنة رد المظالم” تسليمَ شقيقٍ ثالث له هو “باسل الجاسم” الملقب “علمدار”، وكذلك الإعلاميين “رائد جنيد” و”أحمد خوجة”.
وعقد المفتي الشيخ “أسامة الرفاعي” اجتماعاً مع غرفة القيادة الموحّدة-عزم ولجنة رد المظالم في مدينة إعزاز لمناقشة ملف مرتزقة “العمشات”. وأصدرت غرفة عزم تعميماً تضمن منعاً باتاً لشراء السلاح والآليات العسكريّة وكل ما يخص العتاد (قبضات ومعدات عسكريّة) من عناصر وقيادات “العمشات”.
كما أطلق ناشطون هاشتاغ #حاسبوا_أبوعمشة، للمطالبة بالتحقيق في قضايا الابتزاز والاغتصاب والاتجار بالمخدرات. ووصفوا ناحية شبه بالمعتقل الكبير.
وقال عضو في لجنة التحقيق: “أبو عمشة بفساده المتكاثر كالسرطان وصل لمرحلة لا يصلح معه فيها إلا الاجتثاث من الجذور، جزاءً وفاقاً لما جنت يداه”. ووصف منطقة عفرين بالغابة، وناحية بأنّها “غوانتامو”.
قضية الشكاوى ضد المدعو “أبو عمشة” ليست جديدة، بل متواصلة منذ احتلال عفرين، ولم يتم إثبات أي منها، فالمدعون ضده والمشتكون سرعان ما يتراجعون، أياً كانت القضية (اغتصاب، سرقة رواتب، انتهاكات، استيلاء على البيوت،…).
حملة مفبركة للردِّ
مؤكد أنّ المدعو “أبو عمشة” لم يسلم بالأمرِ بسهولةٍ، وأما تسليم شقيقيه فيندرجُ في إطار احتواءِ كلّ الاتهاماتِ دفعةً، بالتوازي مع تدبرِ أمرِ الشهود لصالحه، لتخرجَ بعد الحملةُ المكثفة ضده، حملةٌ مكثّفةٌ تؤيده بالمطلقِ وتنفي عنه كلّ الاتهامات، فدعا الشيخ عبد الناصر علوان المعروف باسم “أبو إسلام الحمويّ”، ويتم تداول خطبةً له في معسكرِ مرتزقة العمشات، وخرج شيوخ قبيلة “أبو الحيات” ببيانِ دعم لصالحه، وحتى النساء خرجن ببيانٍ، استنكرن فيه التعرّض للأعراضِ، لأنّ من الاتهامات الموجهة للمدعو أبو عمشة وأشقائه جرائم اغتصاب… وبالمقابل كانت مناورة المدعو “أبو عمشة” بإقالة شقيقين له!! وأظهر درجة عالية من الثقة بالتدابير التي اتخذتها اللجنةِ والتسليم لها، ليفوّض أحد أعضائها باتخاذ أيّ إجراء يراه مناسباً فيما لو ثبت عليه أو على أحد عناصره أيّ انتهاكٍ!!!
ومن جملة الشخصيات العشائريّة المدافعة عن أبو عمشة وتعمل على تحسين صورته: أبو علاء الشاعر النعيميّ، إبراهيم محمد صمادي، فيصل الصفوك، أبو علي الجربا.
وقد افتتح إبراهيم صمادي الملقب “أبو إسلام” وينحدر من بلدة جاسم بمحافظة درعا، بدعمِ المدعو “أبو عمشة” متحفاً في شارع الفيلات في مدينة عفرين بكلفةِ 300 ألف دولار، فيما يستولي المدعو “فيصل الصفوك” على حديقة في مدينة عفرين اتخذ منها مقرا له ولإبراهيم صمادي، وهم مفصولون من مجالس العشائر الكبرى، ولكنهم شكّلوا مجلساً عشائريّاً مستقلاً بدعم من المدعو “أبو عمشة”.
مواقف مختلفة مقابل دعم تركيّ
فصائل المرتزقة انقسمت في مواقفها إزاء قضية “العمشات” فوقف إلى جانبه مرتزقة (الزنكي والفرقة التاسعة ولواء الشمال) وهي تنضوي في حركة “ثائرون”.
واتخذ مرتزقة فصائل (المعتصم من “جسل” وفصائل الفيلق الاول ومنها فصيل محمد الفاتح) موقفاً حياديّاً. فيما يتبلور تحالفٌ جديدٌ في الساحة باسم غرفة “عزم” يناهض الفيلق الثالث وأحرار وجيش الشرقية يقوده المدعو فهيم عيسى متزعم مرتزقة “السلطان مراد وحركة “ثائرون”، ويسعى إلى تمييع القضية وإنهاء التحقيقات.
المدعو الشيخ أحمد أبو علي الحلوي تحدث في مقاطعَ صوتيّة عن المدعو “أبو عمشة” وأشقائه، وأشار “الحلوي” إلى أنّ أبو عمشة مستعدٌ للتخلّي عن إخوته في سبيل البقاء، وعمل على الطعن فيمن سماهم المشايخ وهدد المدعين ضده، ولديه تفاصيل ضده، والاستخبارات التركيّة تدافع عنه وتحذّر الفصائل من ضربه، وأكّد على الاستمرار في قضية “أبو عمشة”.
ومعلوم أنّ العديد من المواقع الإعلاميّة سبق أن وصفت المدعو “محمد جاسم أبو عمشة” “الطفل المدلل” لدى تركيا. وتأكيداً لولائه لأنقرة تم في 7/7/2021، تخريج دورة عسكريّة باسم “ذئاب الشمال” تضم ألفي مرتزق من مرتزقة “العمشات”، وواضح من الاسم أنّه مشتق من اسم “الذئاب الرماديّة المنظمة التركيّة التابعة لحزب “الحركة القوميّة” التي تتبنّى توجهاتٍ عنصريّة والمتورطة بعمليات اغتيال لشخصيات كرديّة ويساريّة، ولم تقتصر مشاركة مرتزقة “العمشات” على ميادين القتالِ لصالح تركيا في سوريا، بل في ليبيا وأذربيجان أيضاً.
انتهاكات بلا نهاية
وقال المدعو “الحلوي” إنّهم يتابعون القضية منذ سنتين، وذكر موضوع استدراج النساءِ، وأنّه ما من امرأة تعجبهم إلا ويسافر زوجها إلى ليبيا أو أذربيجان أو ما يسمّى “منطقة نبع السلام”، ويتم ابتزاز النساء عبر صور خاصة لها لتأتي إليهم صاغرة وقال بالحرف: “أبو عمشة ولغ في الأعراض كما يلغ الكلب في الإناء”. ووصفه بأنّه ذراع هيئة تحرير الشام” في الشمال.
وتتنوع الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها المدعو محمد الجاسم، حيث وسبق للمدعو أبو عمشة، أن قتل نائب رئيس مجلس “شيه” المحلي، أحمد شيخو، في 12/6/2018 بعد تعذيبه بطريقة مروّعة نتيجة نزيفٍ داخليّ بسبب كسر في أضلاعه وانغرس ضلعٌ في الكبد.
وكشفت زوجة مرتزق تدعى إسراء خليل، في مقطع مصور انتشر على نطاق واسع، أن المدعو “أبو عمشة” اغتصبها مراراً وتكراراً، لتغلق القضية بعدها بأيام نظراَ للسطوة والنفوذ الذي يتمتع بها أبو عمشة لقربه من الاستخبارات التركية التي تحميه.
يُذكر أنّ قرارَ تبرئة “أبو عمشة” من جرمِ اغتصاب المدعوة “إسراء الخليل” أصدره “عمر حميدي”، قاضي التحقيق العسكريّ الثاني، وتم تسجيل أقوال “إسراء الخليل” وزوجها بما يتوافق مع قرار التبرئة دون استدعائهم، واستقال القاضي حميدي، بعدما قبض ثمن القرار منزلاً فاخراً في مدينة الريحانيّة التركيّة وسيارة حديثة ومبلغ 50 ألف دولار.
والمقطع الثاني للمدعو عمار محمد العمر (أبو رشا) هو شقيق المدعو عبد الغفور، الذي كان سابقاً قيادياً في مرتزقة “سليمان شاه، والمقاطع متداولة على أقنية التلغرام لفصائل “الجيش الوطنيّ”.
في مقطع مصوّر للمدعو “عبد الغفور محمد العمر” من قرية الزيارة بمحافظة حماه وهو صهر للمدعو “أبو عمشة”، ذكر أنّه كان محتجزاً في ليبيا لمدة أربعة أشهر مع التعذيب، وأُفرج عنه مؤخراً، وقال إنّ “أبو عمشة” متورطٌ بقتل ميدانيّ لأربعة مواطنين كرد لدى احتلال عفرين وتم دفنهم في مقبرة جماعيّة قرب مقر القيادة القديم في قرية قرمتلق، إلا أنّ المعلومات وصلت للاستخبارات التركيّة، وخشي كشف الجريمة، فقام شقيقه “باسل” الملقب “علمدار” بحفرِ المقبرة بجرافة” وأخرج جثامين الشهداء بالتعاون مع المدعو “ميسر الصطوف” وهو أحد القياديين، وتولى أمر نقلهم ودفنهم في مكان مجهولٍ، فيما لم يُكشف عن أسماء الشهداء.
وكشف المدعو “عبد الغفور” عن جريمة قتل قام بها شقيق ثانٍ هو المدعو “سيف الجاسم” للمدعو “زهير أمنيّة” في قرية “ميركان” بناحية موباتا، بتكليف مباشر من شقيقه “أبو عمشة” عبر تدبير مكيدة، وأطلق النار عليه بمجرد أن التقاه، وكانت الغاية منعه من الانشقاق فيما يحتفظ بمعلومات كثيرة عنه.
وذكر المدعو “عبد الغفور: عملية تصفية القياديّ “حازم زينو” عام 2018 خلال غزو عفرين، في قرية الغندورة بمنطقة الباب، داخل منزله وقاموا بتقطيع جثته ووضعوها في كيس وألقوها على الطريق، ثم تولى المدعو “أبو عمشة” بنفسه التحقيق في قضية قتله، لتضيع الجريمة بالكامل.
وذكر المدعو “عبد الغفور” أنّ كثيراً من أعمال التعذيب حصلت في أمنية “العمشات”، وهو يهدد عناصره بفصائل الشمال والأتراك، وأنهم فيما كانوا في ليبيا، كانت بيوتهم تقصف وتحاصر، وفيها نساء وأطفال.
الواقع أنّ الكلّ متورط في ممارسة الانتهاكات، وشهادتهم ضد بعضهم هي من قبيل النكاية والاختلاف، والمسألة تشهد اتفاق اللصوص بالسرقة واختلافهم على القسمة، ومعظم المعلومات مصدرها مواقع وصفحات معارضة. وشهادات المرتزقة ضد المدعو “أبو عمشة” لا تشكّلُ كلّ الحقيقة، فمثلهم مثل اللصوص، اتفقوا لدى السرقة واختلفوا لدى القسمة، ولكنهم لا يذكرون ما سببوهم لضحاياهم من مآسٍ، ليتجنبوا إدانة أنفسهم، فتحدثوا طويلاً عن حصول المدعو “أبو عمشة” على شهادة ثانوية عامة ــ الفرع العلميّ بدرجات مرتفعة، وتسجيله في كلية الحقوق فيما يسمّى “جامعة حلب الحرة”، وأشاروا إلى فساد المنظومة الحكوميّة والتعليميّة، وذلك لا يخرج عن إطار النكاية والتنافس، ولكن تجاهلوا حجماً كبيراً من الانتهاكات تتضمن جرائم القتل والاغتصاب وانتزاع الملكيات بالقوة وفرض الإتاوات الجائرة.
الحقيقة أنّ ناحية شيه/ شيخ الحديد باتت في ظلِّ الاحتلال ومرتزقة “العمشات” إمارةً خاصةً، معزولة عن العالم، تم فيها الاستيلاء على ممتلكات المواطنين الكرد من أراضٍ وبيوت، وتُقام فيها المشاريع الخاصة، وقام المدعو “نصر الحريريّ” بزيارة إلى ناحية شيه ليكون شاهد زور على مشاريع “أبو عمشة”، ويضع حجر الأساس لمشروعٍ مشفى سيُقام على أرضٍ مستولى عليها بالقوةِ، وأشاد به رغم كلّ المعلومات التي ملأت المواقع الإخبارية وصفحات التواصل عن الانتهاكات التي تُمارسُ بالجملةِ في الناحيةِ، حتى مئذنةُ مسجد شيه التاريخيّة لم تسلم من التعدّي، والتي انهارت في 8/3/2020 بفعل أعمال الحفر التي نفّذها مرتزقة “العمشات” تحتها، بحثاً عن الآثار. ويعود تاريخ بناء المسجد إلى عام 1912، وتمَّ ترميمها لاحقاً على الطراز العثمانيّ، والداخل إلى بلدة شيه يلحظ بوضوحٍ حجمَ التقليد للبلداتِ التركيّة، وكثافة انتشار العلم التركيّ في أرجاء البلدة، ورفع صور الرئيس التركيّ أردوغان.
لا تنفرد “العمشات” بممارسة الانتهاكات وارتكاب الجرائم في عفرين وقراها، وكلّ المرتزقة يمارسون السلوكيات نفسها، ولكنهم يحاولون استغلال الفرصة لإنهاء ما يعتبرونه “الفصيل القوي”، الذي حظي بدعمٍ تركيّ مباشر وله علاقات جيدة مع “هيئة تحرير الشام”، وكان أداة التغيير الديمغرافيّ ليس في عفرين وحدها، بل في قرى الباب الكرديّة قبلها.
