مشكلة الانتقال إلى الديمقراطية

دجوار أحمد آغا (كاتب) –

بداية نتساءل: هل نستحق الديمقراطية؟ وهل هناك إمكانية لضغط شعبي كاسح على الحاكم للتنازل عن السلطة والانتقال إلى الديمقراطية؟ وهل يوجد مثل هذا الضغط الشعبي في بلدان الشرق الأوسط؟ في حقيقة الأمر هناك غليان شعبي وسخط كبيرين في نفوس معظم شعوب بلدان الشرق الأوسط تجاه حكامها المستبدين, لكن هذا السخط لم يتبلور بعد, ولم يتحول إلى عمل سياسي جماعي حقيقي تنتزع به هذه الشعوب حقوقها المهدورة. أنظمة الحكم الشرق أوسطية لم يعد لديها ما تقدمه لشعوبها سوى القتل والتدمير والتهجير في سبيل أجل الاحتفاظ بالسلطة والحكم. عشرات الملايين يعيشون في الحضيض في ظروف لا تليق بالإنسانية. أنظمة الحكم في الشرق الأوسط اعتمدت في بقائها بالسلطة على قمع الشعوب وإرهابهم، وستبقى قدرتها على ممارسة هذا الإرهاب والقمع فعالة ومستمرة في ظل غياب معارضة حقيقية وفعالة, وإن وجدت فهي متشرذمة ومتفرقة, لا تعمل من أجل تنظيم الشعب للوصول إلى الديمقراطية الحقيقية, بل تسعى للوصول إلى السلطة والحكم فقط وهي في حقيقة الأمر بمعظمها جزء من النظام انفصل عنه في مرحلة ما.

الديمقراطية لا تُستجدى ولا تُمنح, بل تُنتزع بالقوة الشعبية المنظمة. إن لم نكن مستعدين للنضال والتضحية من أجل الوصول إلى الديمقراطية, فإننا لا نستحقها ولن نحققها أبداً. إن الشعوب الأوروبية التي تنعم الآن بنوع من الديمقراطية قدمت تضحيات جسام في سبيل الوصول إلى ما وصلت إليه, ناضلت وكافحت وقدمت القرابين تلو القرابين على مذابح الحرية والديمقراطية حتى وصلت إلى مبتغاها. إن عملية التحول الديمقراطي عبارة عن عملية تدريجية تتحول من خلالها المجتمعات عن طريق تعديل مؤسساتها السياسية واتجاهاتها الفكرية من خلال إجراءات ترتبط بمفهوم ومبادئ القوى والأحزاب السياسية وبينية السلطة التشريعية ونمط الثقافة السياسية السائد والمرتبط بشرعية السلطة السياسة الموجودة من خلال انتخابات حرة نزيهة. يُعد مفهوم التحول الديمقراطي هو السائد في الأدب السياسي في الشرق الأوسط بشكل خاص منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهذا التحول يختلف من دولة إلى أخرى وبدرجات متفاوتة. إن عملية التحول الديمقراطي تحتاج إلى عناصر أساسية تتمثل في:

ـ الاستعداد والتأهب, حيث تزداد خلاله حدة الصراع السياسي والاجتماعي بين القوى المجتمعية ومؤسسات السلطة الحاكمة لدرجة تصل إلى تهديد سيطرة وبقاء نظام الحكم غير الديمقراطي.

ـ ظهور إجماع شعبي حول ضرورة التغيير وتحديد مطالب ومجالات أساسية ومؤسساتية وفي مقدمتها إنشاء وتفعيل دور مجالس الشعب.

ـ تأمين التحول الديمقراطي من خلال إرساء مجموعة من القواعد والممارسات التي تدعم التماسك المجتمعي ومن خلال المؤسسات التمثيلية وتنمي الثقافة السياسية والديمقراطية.

إن عملية التحول الديمقراطي تحدث عادة نتيجة تداخل شديد بين عوامل داخلية وخارجية, نذكر أهم العوامل الداخلية التي تؤثر في عملية التحول الديمقراطي ما يلي:

ـ فقدان النظام السياسي السلطوي الحاكم لشرعيته وذلك من خلال فشله بحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلى جانب تغيير منظومة القيم في المجتمع واتجاها إلى رفض نظام السلطة وعدم تقبلها له, وفي الكثير من الأحيان يستمر النظام بالتمسك بالسلطة رغم فقدانه لشرعيته الداخلية.

ـ التغير في إدراك نخب القيادة والقيادة السياسية، حيث تُعتبر القيادة السياسية من أهم العوامل الداخلية التي قد تدفع باتجاه التحول الديمقراطي أو ترفض ذلك.

ـ الثقافة السياسية، وهي تلعب دوراً حاسماً في تحديد اتجاه وسرعة التحول الديمقراطي.

ـ النمو الاقتصادي وله الأهمية الكبرى في التحول الديمقراطي حيث تبين من خلال الدراسات الاستراتيجية أن العلاقة الجدلية فيما بين النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية يمكن أن يؤدي إلى تعبئة جماهيرية تؤدي بدورها إلى تعبئة سياسية تقود عملية التحول الديمقراطي.

ـ تطور المجتمع المدني وهو الذي يلعب دوراً مهماً في دفع النظام السياسي الحاكم إلى تبني عملية التحول الديمقراطي من خلال توسيع المساحة المخصصة للحقوق والحريات السياسية والمدنية.

أما العوامل الخارجية فيمكننا أن نذكر منها:

ـ التغيير الذي جرى في النظام الدولي, فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانفراد الولايات المتحدة الأميركية بقيادة العالم وبروز سياسيات الدفاع عن حقوق الإنسان وتبني الديمقراطية وذلك بدعوى حماية القيم الثقافية الديمقراطية الغربية من الإرهاب والإرهابيين.

ـ دور المنظمات الدولية حيث تمارس هذه المنظمات ضغوطات كبيرة لتحويل النظم السلطوية وتوجهها إلى نظم ديمقراطية، خاصة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتمويل والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان والتي تربط تقديم المساعدات والقروض بالقيام بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ـ مواقع التواصل الاجتماعي لما لها من تأثير كبير ومباشر على مختلف شرائح المجتمع وخاصة فئة الشباب والتي تنتقل عدوى التحول نحو الديمقراطية إليها من الدول التي سارت بالفعل على هذا الطريق وحققت نجاحات متميزة في هذا المجال، ماليزيا نموذجاً.

 بطبيعة الحال هناك مؤشرات واضحة تدل على عملية التحول الديمقراطي، ومن أهم هذه المؤشرات:

ـ إجراء انتخابات حرة ونزيهة وبوجود مراقبين دوليين وعدم إقصاء أو تهميش أو منع أحد من القوى السياسية والمجتمعية بالمشاركة فيها والاعتراف بشرعية نتائجها وفق مفوضية مستقلة للانتخابات غير حزبية وتكون قراراتها مستقلة.

ـ بناء مؤسسات ديمقراطية والتي تُعتبر جوهر أساس البناء الديمقراطي، أي مشاركة الشعب في الحكم وإدارة نفسه بنفسه من خلال وجوده القوي والفعال والمؤثر في المؤسسات ويكون القرار فيها جماعياً وليس فردياً وهو ما بدأنا به في شمال وشرق سوريا من خلال بناء الكومينات المجتمعية، نموذجاً.

ـ حرية الرأي والإعلام، ونعني بذلك قدرة الفرد والمؤسسات على طرح الأفكار والرؤى لعملية التحول الديمقراطي دونما خوف, وأن لا يكون هناك رقابة لصيقة على المؤسسات الإعلامية من جانب السلطات السياسية بحيث يستطيع الإعلام أن ينقل وجهة نظر المجتمع بشكل مباشر من خلال وسائله المرئية والمقروءة والمسموعة وتساهم بالتالي في توعية الجماهير على محاربة الفساد وممارسة الديمقراطية والمشاركة في رسم السياسات العامة.

ـ سيادة القانون على الرغم من أن الديمقراطية تعتمد على أخلاق المجتمع بالدرجة الأولى، أي أن لها منظومة قيم ومبادئ أخلاقية مجتمعية تسير وفقها، ولكن في مرحلة التحول الديمقراطي لا بد من وجود قوانين تنظم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويلتزم بها الجميع، وتضمن هذه القوانين حقوق وواجبات الأفراد بحيث تحمي حقوقهم ومكتسباتهم، وكذلك تبين لهم واجباتهم تجاه مجتمعهم.

نستطيع القول بأن عملية التحول الديمقراطية عملية معقدة تحتاج إلى عوامل داخلية وخارجية وإلى شعور الشعب بضرورة التحول إلى الديمقراطية وإلى قيادة سياسية حكيمة تستطيع أن تنظم القوى المجتمعية وتوظفها بالشكل الصحيح للوصول إلى الديمقراطية التي نحن بأمس الحاجة اليها.