رامان آزاد_
كان خروجُ مظاهرةٍ في بلدةِ سرمين جنوبَ إدلب الخميس، حدثاً غير مسبوقٍ في الأزمةِ السوريّةِ، إذ ردّد المحتجون شعاراتٍ مغايرةً، ونادوا بإسقاطِ أردوغان، ورفضِ العمليةِ العسكريّةِ المزمعة ومشاريع التوطين وطالبوا بالعودةِ إلى بيوتهم في قراهم وبلداتهم الأصليّة، ووجه المفارقة، أنّ النازحين في إدلب واللاجئين السوريين في تركيا أحد أهم الملفات التي تلاعبت بها حكومة العدالة والتنمية لتبرير سياساتها في سوريا بوصفها ضامناً في إطار منصة أستانة، وبذلك فالمظاهرةُ مؤشرٌ وعي للخديعةِ التركيّةِ ورفضها.
سرمين تحتجُ
تجاهلتِ المواقعُ الإعلاميّة المحسوبة على من تسمّي نفسها “المعارضة السوريّة” ومعظم صفحات التواصلِ خروج مظاهرة في بلدة سرمين جنوب إدلب نددت بالسياسةِ التركيّةِ لجهة بدء شن هجمات احتلالية أو خطة التغيير الديمغرافيَ، والمفارقة أنّها نادت بإسقاط الرئيس التركي أردوغان.
حالة من الاحتقان والرفض في بلدات ريف إدلب والمخيمات دفعت النازحين فيها، للخروج يوم الجمعة 27/5/2022، في مظاهرة احتجاجيّة في بلدة سرمين جنوب مدينة إدلب على بعد 1 كم من موقع عسكريّ لجيش الاحتلال التركي وارتفعت الأصوات الرافضة لما تسمى بالعملية العسكرية المزمع أن يقومَ بها الجيش التركيّ والمرتزقة السوريين.
المتظاهرون في سرمين هم المهجرون من مناطق سوريّة أخرى بموجبِ اتفاقات التسوية التي عُقدت بين الثلاثيّ الضامن (منصة أستانه) وأنتجت مناطق خفض التصعيد وقذفت بهم إلى عراءِ النزوح، وطالب المتظاهرون بالعودة إلى بلداتهم وقراهم الأصليّة مطلباً أساسيّاً لإنهاءِ معاناتهم، وحمّلوا الضامن التركيّ المسؤولية المباشرة عن محنتهم، ورددوا شعار “الشعب يريد إسقاط أردوغان” في تحوّل لافت وغير مسبوقٍ في الشعارات التي طالما رددوها طيلة سنواتِ الأزمة السوريّة. باعتبار أنَّ المناطق يسكنون فيها تخضعُ مباشرةً للنفوذ التركيّ.
عبّر المتظاهرون عن رفضهم للهجمات الاحتلالية التركيّة في مناطق شمال سوريا واستهداف الكرد، خدمة للأجندةِ التركيّة، وطالبوا بفتحِ الجبهاتِ سبيلاً لعودتهم إلى مناطقهم الأصليّة، وكذلك رفضهم تهجيرَ سكانٍ أصليين من مناطقهم وتوطين النازحين والمهجّرين واللاجئين فيها وإقامة المشاريع السكنيّة التي تطيلُ أمدَ الأزمة.
في سياقٍ متصلٍ خرج قلة من الناشطين من دوائر الصمتِ وحذّروا من أيّ هجمات احتلالية تستهدف الكرد السوريين، وقالوا إن ذلك من شأنه أن يعمّقَ الخلافَ ويزيدَ الكراهية بين السوريين، وأنها معارك مشاغلة لا يستفيد منها إلا نظام أردوغان المأزوم بفعل الاستحقاق الانتخابي القادم، وأن أنقرة تسعى لتثبيت وجودها الدائم في الشمال السوريّ وأنه لا بد من الوقوف في وجه هذه الهجمات وإيقافها لتجنب كارثة حقيقة وضمان كف يد تركيا عن أطماعها المستقبليّة في سوريا.
بمجردِ إعلان أردوغان عن شن هجمات وشيكةٍ في شمال سوريا في 23/5/2022 تشملُ عدةَ مواقعَ أحدها بلدة تل رفعت، حتى ضجّت مواقع وصفحاتٌ محسوبةٌ على من تسمّي نفسها بـ”المعارضة”، فاستبشرت وهللت، وقالت إنّ موعدَ تحرير بلدة تل رفعت بات وشيكاً…
لو أخذنا الأمرَ على ظاهره، بمنطقِ مسايرةِ الآخر في حجّته، فهم يعتبرون أنّ تل رفعت وبلدات وقرى أخرى محتلةً، وهي للسنةِ الخامسةِ ملاذُ أهالي عفرين المهجّرين، وبالوقتِ نفسه يسكنُ في عفرين المحتلة المستقدمون من الغوطةِ وحمص وحماه وإدلب وريف حلب بمن فيهم أبناء تل رفعت نفسها، ويعتبرونها “محررةً”!
يقولون عفرين منطقةٌ سوريّةٌ، ويحقُّ لأيّ سوريّ السكنُ فيها، حتى لو جاء تحتَ العلمِ التركيّ وعلى متنِ الدباباتِ التركيّة وبعد هجمات احتلالية قتلتِ المئاتِ من أهلها، ولكن أليست تل رفعت بلدةٌ سوريّةٌ ويحقُّ لأهالي عفرين السوريين النزوحُ إليها حتى حين؟! ووفقاً لما يقولون؛ فإنّ أهالي عفرين يجب أن يغادروا بلدات وقرى الشهباء بالكامل، ولكن دون أن يعودوا إلى عفرين المحررة برأيهم… وبذلك فإنّ مصطلحا التحريرِ والاحتلالِ مطاطيّ يوافق رأيهم.
وفيما طرحت أنقرة مشروعَ إعادةَ مليون لاجئ سوريّ، تجاهلت أنّ أهلَ عفرين أنفسهم باتوا نازحين في غير مناطقهم ولا يُسمحُ لهم بالعودةِ إلى قراهم، والمعارضة السوريّة هي صدى مباشر لتصريحاتِ المسؤولين الأتراك، وبذلك فالخطة التركيّة تهدف لإنهاءِ الوجودِ الكرديّ بالكامل، ودفع المهجّرين إلى النزوح القسريّ مجدداً، فيما يتم تثبيت توطين أبناء الغوطة ودير الزور في عفرين.
المطلوبُ حلّ الأزمة من جذورها وليس مشاريع توطين
تواصلُ تركيا مشاريعها الاستيطانية في المناطقِ المحتلةِ ومنها عفرين، وتغييرِ هويتها للسنةِ الخامسة مستغلةً ملفَ اللاجئين السوريين، وبدا أنّ كلَّ الآذان قد أصابها الصمم، أمام احتجاجاتِ أهالي عفرين والمناطق المحتلة على المشاريعِ التي تسلبُ حقوقهم، والمستمرة دون موقف دوليّ وأمميّ حازم منها، بل على العكس، تتوسع مشاريعُ الاستيطانِ وتحظى بتمويلاتٍ مستمرةٍ، فقد حوّلت تركيا مأساة اللاجئين إلى ملفٍ للخداعِ، لاستدراجِ التمويلاتِ والتبرعاتِ، فرفعت الشعار الإنسانيّ علناً عبر ماكينات الدعاية، لشرعنةِ عملياتِ التوطينِ وبناء المستوطنات في الأراضي المحتلة.
لا يمكنُ النظر إلى مشاريع بناء التجمعات السكنيّة على أنّها لغايات إنسانيّة تهدفُ لنقلِ سكان المخيمات إلى منازل إسمنتيّة من “الطوب”، بل هي مشاريع استيطان ممنهجة تقودها أنقرة لغاياتٍ سياسيّةٍ مشبوهة تشترك بتمويلها منظماتٌ وجمعياتٌ دوليّةٌ وعربيّةٌ ذات خلفياتٍ إسلاميّةٍ متطرفةٍ، تابعة للتنظيمِ العالميّ “للإخوان المسلمين” وتسقطُ الدعايةُ الإنسانيّةُ بمعرفة أنّها موجّهة فقط لفئةٍ محددةٍ من النازحين واللاجئين السوريين.
يعودُ سرُّ التمويل الإخوانيّ، إلى اعتبار تركيا رائدة مشروعِ الأمةِ الإسلاميّةِ، وأنّ أردوغان زعيمُ السنةِ، وهم عقائديّاً لا يتبنون مشروعَ الوطن، بل الأمة العابر للحدود، وبذلك أمكن لأردوغان زجّ السوريين في معاركه في ليبيا وأذربيجان وهو بصدد إرسال المرتزقة السوريين إلى اليمن.
احتلت تركيا مناطق من سوريا عبر التدخّل العسكريّ المباشر (القوة الخشنة) وقادت المرتزقة السوريين، وعملت تثبيتِ الاحتلالِ باستغلالِ معاناة النازحين واللاجئين لجمعِ التبرعاتِ من قبل الجمعيات التي تتوافق معها عقائديّاً (القوة الناعمة)، بهذه الصورة تستكمل جوانب عملية الاحتلال والتغيير الديمغرافيّ مجاناً، وتتطلع إلى ترجمة كلّ ذلك على أنها إنجازات سياسيّة في الداخل التركيّ.
حلّ مشكلة النازحين واللاجئين إنسانيّاً يجب أن يستهدف إعادة الأهالي إلى قراهم وبلداتهم التي أُخرجوا إما بفعلِ الهجمات الاحتلالية أو عملياتِ الترحيلِ، والتوصلِ لحلٍّ سياسيّ لجوهرِ الأزمةِ، وليس نقلَ الأهالي من موقعٍ إلى آخر، والأخطر إدامةُ بقائهم في مناطق لا ينتمون لها، بعد تهجير أهلها قسراً بفعلِ العدوان والاحتلالِ، لأنّ الغاياتِ الإنسانيّةِ غير قابلةٍ للاجتزاءِ، وما يجري حلٌّ مشوّهٌ جزئيّ لمعضلةِ البعضِ على حساب آخرين، بل إنَّ إعادةَ الأهالي إلى مناطقهم الأصليّة لا يتطلبُ مشاريع سكنيّة، وإنّما إنهاءَ الصراع المسلح وخلق البيئةِ الآمنةِ.