مسنون: ممارسة العمل المنتج لا تعرف حدودا لسنٍّ محددة

جل آغا/ أمل محمد –

لا يقتصر العمل في أي مجال كان، على فئة عمرية محددة، فلا حدود للطاقات بوجود الإرادة.

يعدُّ العمل أساس وجود الشخص، لأنه يحدد شخصيته ووجوده من جهة، ويوفر استقلاليته المادية، وضمان دخله من جهة ثانية، فالعمل يحدد مكانة الفرد، ويؤكد دوره الفعال في المجتمع.

قوة الإرادة

فالاقتصاد المحلي في المجتمعات كافة، يقوم على أسس معينة، تُحدد وفق الإمكانات المتاحة، حيث لكل ثقافة ومجتمع اقتصاد محلي خاص به، وقد لا يشبه غيره في باقي المجتمعات، حيث يعتمد اقتصاد مناطق شمال وشرق سوريا، بشكل كبير على الزراعة، والتجارة، والصناعة، وتربية المواشي، بالإضافة لبعض المهن التي تعتمد على اليد العاملة، وهو اقتصاد كومينالي، ولا يعتمد العمل على فئة عمرية ثابتة، فغالبية المحترفين والعاملين في شمال وشرق سوريا، تتجاوز أعمارهم الستين عاماً، ولا يزالون يدأبون على العمل بعزيمة وإرادة.

العمل والخبرة لرفع الواقع الاقتصادي

تتراوح أعمار الفئة المنتجة عامة بين “15ـ50 عاماً”، بحسب بعض الدراسات، وفي مجتمعات أخرى قد تصل إلى سن الستين، وذلك بحسب البنية السكانية لكل مجتمع، لكن، وعلى خلاف ذلك، تشتهر مناطق شمال وشرق سوريا، باعتماده عمن يتجاوز سن الخمسين، وحتى الستين، كأيادي عاملة، وحرفيين ذوي خبرات، فيما تعدُّ هذه الشريحة العمرية في المجتمعات الأخرى، وباقي المجتمعات، غير منتجة، وتنحدر تحت مسمى “المستهلك”.

وفي جولة لعدسة صحيفتنا “روناهي”، بناحية جل آغا، التقت بعض العمال وأصحاب الحرف، ممن لا يزالون يواصلون عملهم ومهنهم، بإرادة قوية، على الرغم من تقدمهم في العمر.

فالعم “أحمد حجي إبراهيم“، من أهالي قرية “باكروان” لا يزال يعمل سائقاً على سيارة عمومية، بالرغم من بلوغه سن الـ 66، حدثنا عن قوة إرادته: “لا حدود للعمل، ولا يوجد عمر محدد لفاعلية الفرد، فأعمل سائقاً في النهار، إضافةً، لعملي كمزارع، لأعيل أسرتي في هذه الظروف الصعبة”، مضيفاً: “فأنا فرد منتج وغير مستهلك كما يعتقد البعض”.

وتابع: “نحن قوة اقتصاد فعالة، ونحن من يتعلم منا الجيل الشاب معنى العزيمة والإصرار”، مضيفاً: “لقد بدأت العمل في سن مبكرة من عمري، وتمكنت من اكتساب خبرات كثيرة”.

 وزاد: “نحن أساس الاقتصاد المحلي بمهننا، فبلادنا تأثرت بالظروف الصعبة التي تعرضت لها، والتي ساهمت بانهيار الاقتصاد فيها، ولكن بالرغم من ذلك كله، فإننا نعتمد على خبراتنا لإنعاش اقتصاد بلادنا، ومنع انهياره”.

وزاد: “فالعمل جهد عضلي وذهني، ففي أوقات كثيرة ننجز أعمالنا وفقاً لقدراتنا الذهنية، والتي تؤدي بالتالي لمنفعة اقتصادية”، مضيفاً: “فالعمل ضروري للمجتمع، لأنه أساس تقدمه، ويعدُّ كل فرد منتجاً، ما دام قادراً على العمل والإنتاج”.

إصرار على البقاء بالرغم من صعوبة الظروف

ومن جهته قال “عبد العزيز إسكان“، ذو الستين عاماً، والذي عمل في عدة مهن، ومنها “البناء”: “شهدنا أزمات كثيرة، أثرت في ذبذبة الوضع الاقتصادي لمنطقتنا، ولعموم البلاد، كانهيار الليرة السورية أمام الدولار، وارتفاع أسعار السلع، وكان واجباً على كل فرد منا أن يلم بمهنة ما، وينخرط في سوق العمل لمواجهة الواقع الاقتصادي الصعب”، مضيفاً: “والمهمة الأصعب، تقع على عاتق المعيل لكل عائلة، فعليه أن يستغل خبرته ومهنته ويعمل بها، مهما كان يبلغ من العمر”.

وأضاف: “فلو تركنا الأمور تجري كما تشاء، لوصل الوضع الاقتصادي في منطقتنا إلى الهلاك، ولكن تمسكنا بأرضنا وشغفنا بالعمل، كان الحافز لمواجهة واقعنا المرير، ولأننا أصحاب هذا الأرض، لم يسعنا سوى مواجهة الظروف، وحماية بلادنا من الأزمات التي تحدق بها”.

وأردف: “لا علاقة للعمل بالعمر، بقدر ما هنالك علاقة وطيدة تجمع العمل مع الإرادة والفكر، الذي يحث على الإنتاج والإصرار، فنحن أفراد هذا المجتمع، وواجبنا أن نعطي ونقدم مما نملك”، مضيفاً: “فبعملنا في هذا السن الكبير، نساهم في تقدم اقتصاد بلادنا، ونعطي دروساً للأجيال القادمة”.

واختتم “عبد العزيز إسكان”، حديثه، بأن العمل ليس حكراً على الرجال فقط، وإنما النساء أيضاً، وخاصةً، في شمال وشرق سوريا، اللواتي يشتهرنَّ بقدراتهنَّ العالية في اتقان أعمالهنَّ بكفاءة عالية.