سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

مسرح العبث صدى التمرّدِ على إفلاس القيم

إعداد: غاندي إسكندر –

أثبت المسرح عبر قرون طويلة أنه المكان الأكثر قدرة على إيقاد شعلة التغيير، والسير بالمجتمعات نحو الأفضل، إذ كان أول الفنون التي عملت على رصد هموم الإنسان، وقضايا تحدياته على تنوعها، وفي كل الحضارات كان المسرح حاضراً كمرآة تعكس ملامح المجتمع، وبصفته شكلا من أشكال التعبير الثقافي، وقد تعددت أنواع المسرحيات بما يناسب، وأذواق الجماهير، وحالتهم المعاشة كالمسرح الكوميدي، والتراجيدي، ومسرح العرائس، والمسرح التجريبي، وخيال الظل، ولعل أهم أنواع المسرحيات التي شغلت بال المشاهدين في منتصف القرن العشرين بُعيد الانتكاسات الإنسانية التي حلت بالبشرية، والتي أثبتت إفلاس القيم الروحية، والأخلاقية، والدينية، ولاسيما في أوروبا عندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها هو مسرح العبث، واللامعقول، وذلك للتعبير عن لا معقولية الوضع الانساني، ومأزق الفرد، وعزلته، ولتسليط الضوء على ماهية مسرح العبث، وتاريخ نشأته، وأهم كتابه وسماته أعددنا التقرير التالي:
مسرح العبث نِتاج من رحم المعاناة
يتميز مسرح العبث بأنه نتاج ظروف سياسية، وعالمية كبرى أدت بالفلاسفة المحدثين إلى التفكير بالثوابت، والعبثيون هم مجموعة من الأدباء الشباب الذين تأثروا بنتائج الحروب العالمية فرأوا أن جميع النتائج التي نجمت عن تلك الحروب هي سلبية لأنها خلقت نفسية سيطر عليها انعدام الثقة في الآخرين، فكان انعزال الإنسان الأوروبي، وفرديته إضافة إلى الويلات، والدمار المادي الذي طال أوروبا ، لقد كان أول ظهور لهذه المجموعة في فرنسا في الثلاثينات من القرن العشرين، وحينها قدموا نمطا جديداً من الدراما المتمردة على الواقع، فجددوا في شكل المسرحية، ومضمونها ، وفي عام 1953أخرج الفرنسي  صموئيل بيكيت مسرحية سماها (في انتظار غودو) اتسمت بغموض الفكرة، وعدم وجود عقدة تقليدية، وانعدام الحل، فكانت رمزية مبهمة للغاية، ولوحظ قلة عدد المسرحيين الذين مثلوها، وكان الزمان، والمكان محدودين تقريبا، وتركت المسرحية سؤالا طالما راود النقاد عن غودو من هو؟ متى سيصل؟ ماذا سيفعل؟ لقد ترك صموئيل بيكيت خلفه ظاهرة أدبية، وفنية مهمة، ومؤثرة، ومثيرة للجدل اسمها العبث، أو اللامعقول.
العبث ثورة على منهج التقليديين
لم يكن العبثيون في واقع أمرهم مدرسة، أو جماعة، وإنما مجموعة من المفكرين، والكتّاب غلبت على مشاعرهم، وأحاسيسهم صفات تشابهت، وظهرت في كل كتاباتهم الأدبية خاصة في المسرحية، فقد جاء تمرد العبثيين على المدرسة التقليدية العريقة التي أرسى قواعدها أرسطو حينما حدد عناصر المسرحية الجيدة، وهي الزمان، والمكان، والحدث فالعبثيون ضربوا بعرض الحائط منهج أرسطو، وكتاباته، وقرروا أن تكون كتاباتهم في مكان محدود جداً كشجرة (مسرحية في انتظار غودو)، أو غرفة (مسرحية الغرفة )، أو كرسي (مسرحية الكراسي)، وجعلوا عنصر الزمن غير ذي أهمية تذكر، أما العقدة، أو الحدث فلم يجعلوا لها، وجوداً في مسرحياتهم، وإضافة على ذلك فقد عادوا بالمسرحية الفصل الواحد، والعدد المحدود من الشخصيات وأهم ما في مسرح العبث بعيداً عن الزمان، والمكان، والحبكة هو الحوار لكن ذلك الحوار هو حوار غامض مبهم مبتور تعوزه الموضوعية، والترابط، والتجانس، فكل شخوص المسرحية تتحدث دون أن يتمكن أحد منهم من فهم الآخر، ولا من توصيل رسالته للآخر، وقد بالغ كتاب العبث فجعلوا بعض الشخصيات تتكلم ربما كلمة، أو كلمتين عند نهاية المسرحية تلخص السخط العام، والغضب الشديد، وينبري هارلود بنتر إلى ما هو أصعب من ذلك، فيقدم للجمهور شخصية الأخرس كشخصية رئيسية في مسرحية حملت اسمه (النادل الأخرس)، فالمسرح العبثي من أجل أن يحقق الرسالة التي يرمي إليها كان يسلك طريقة توجيه الصدمة للشخص بحيث يخرج من نطاق حياته اليومية المريحة بالمحصلة مسرح العبث هو: شكل من أشكال الأعمال غير المعتادة، والتي تجعل المشاهد يحملق معه من الدهشة، والاستغراب و ما هو إلا مسرح ضد المسرح .