سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

مسرح الطفل وأبعاده التربوية عند الممثل والمخرج فواز محمود

قامشلو/ دعاء يوسف ـ

وُجد المسرح لخلق مساحة كبيرة وهادفة ومهمة في الساحة الثقافية والفنية، ولعرض المشاهد في مسرحيات، للترفيه، ولعرض عِبَرٍ وقيم بين جمهور المشاهدين في أعمال تجسد روح المؤلف والمشاهد معا، وهذا ما كان يطمح إليه فواز محمود في عالم المسرح الشيق، على مدى خمسة وثلاثين عاما من الإبداع، قدم خلالها كل ما يجول في نفسه من حب مسرحي، كان للعبرة والهدف الدور الفاعل في مسرحياته الخالدة، ثم ما لبث أن عاد إلى موطنه ليبني مسرحا هادفا في أحواله كلها، وخاصة مسرح الطفل.
دخل عالم الفن بانضمامه إلى الفرقة العمالية المسرحية في الحسكة؛ فكانت بداية طريقه نحو تحقيق حلمه في السير بعالم المسرح، فكان تصميمه على الإبداع والتميز، عامل نجاح سبقه إليه شغفه وحبه في الوقوف على خشبة المسرح، فذللت الصعاب كلها أمام طموحه الكبير، أصبح قامة عملاقة من قامات المسرح يقدم أعماله في لغة مسرحية ملائمة لما يدور في خلجات نفسه من مسرحيات هادفة معبرة.
فقدم عروضاً تأسر المشاهد، فيها عبرة، ونقل لعالمه الخاص، وكأنه ينشر المتعة والبسمة، والحزن، والفرح، يتفاعل المشاهد مع كل مشهد، فتكون خشبة المسرح عنده مجدا نحو التميز والإبداع الخالد في سمة المهارة المسرحية العالية.
لم يكن المسرح له حكاية في ختامها يتزوج الأبطال، أو حدثاً أجندته الصراع بين اتجاهين أو فكرتين متناقضتين، بل كانت لوحة يرسم من خلالها إنجازاته، التي زرعها في روح الأطفال، وورّثها لأولاده.
فمسرحياته واحة من المعاني والأهداف يقوم المؤلف على حبكتها الفنية المميزة، ويقدمها للمشاهدين مخرج ينثر العنفوان المتمكن على خشبة المسرح، ذلك كله يقدمه ممثلون يتقمصون الشخصيات المسرحية بحرفية عالية المستوى، ثم تكتمل ديكورات المسرح المطلوبة، حتى تكون خشبة المسرح أمام المشاهد لوحة فنية معبرة يتنقل المشاهد فيها من مشهد لآخر، في إثارة ومتابعة عالية، على أنغام الموسيقا المرافقة للعرض المسرحي، وفي خاتمة العرض يكون التصفيق تقديراً أو مجاملة، وهذه الأفكار كلها ينقلها المشاهدون لخارج المسرح معبرين عن إعجابهم بما دار في المسرحيات.
35 عاماً مخرجاً وممثلاً ومؤلفاً
 الممثل والمخرج المسرحي “فواز محمود” من مواليد 1956، دخل عالم المسرح 1970 فكتب سيرته الذاتية لأكثر من خمسة وثلاثين عاماً، كانت مليئة بالإنجازات المسرحية.
ففي المكان المقدس، الذي تتباها به الأرواح من خلال صورة لا متناهية الأبعاد، استحضر فواز محمود التفاعل والدمج بين مسرحياته وجمهوره المتعطش الذي يبحث عن ذاته من خلال مشهد ما ليصارع قهره المستدام.
ويضفي إلى الحياة بعداً آخر من خلال ظاهرة جمالية واجتماعية وثقافية ينير من خلالها دروباً تأخذنا إلى حضارة ورقي إنساني متطور، ويكون بهذه العروض ثورة على المجتمعات اللاإنسانية.
انتقل إلى دمشق عام 1999، وقد سعى لجذب الأطفال للخشبة، إذ عمل في دمشق على تدريب وتعليم الأطفال فنون المسرح فقام بالعديد من الورشات والعروض المسرحية بالدمى، والظل مشاركاً في أغلبية المهرجات المحلية والدولية.
سفير مسرح الطفل في سوريا
وقد بين لنا توجهه لمخاطبة الأطفال من خلال مسرحياته: “من خلال تجربتي المسرحية توجهت للأطفال، فقد كنت دائم القول: إنه إذا أردنا أن نبي وطناً تملؤه المحبة والسلام علينا أن نتوجه إلى الاطفال فهم براعم اليوم ورجال المستقبل”.
وقد كان له تجارب عدة للحكواتي، التي شخص من خلالها رحلة الوعي بين الطفل والرجل، ومن هذه البرامج التي أعدها للأطفال برنامج أنوار الغد على التلفزيون العربي السوري، إذ قدم مجموعة من القصص المخصصة للأطفال، كما أنه قام بتقديم شخصية حكواتي رمضان في قامشلو، بعد أن عاد إليها عام 2010، وعمل على تقديم العروض المسرحية على خشبة مركز محمد شيخو للثقافة والفن.
ويرى محمود، أن الطفل السوري عانى من ويلات الحروب والتشرد والدمار، وهذا ما أضفى الحزن على طفولته، وشتت عقله من النضوج ضمن بيئة تناسب عمره، لذلك كرس حبه للإخراج والتمثيل لنقل جمالية الحياة للأطفال من خلال مسرحياته التي تحمل في داخلها حكمة وغاية، واشار إلى ذلك: “قررت إحياء روح المسرح في داخل الأطفال”.
وشدد على أنه رغم ذلك، و”بإمكانات وجهود ذاتية”، ومن خلال القراءة والتعلم والاستفادة من خبرات وزيارات الأكاديميين من الدول الأخرى إلى المنطقة: “استطاعوا تطوير واقع المسرح في المنطقة فالتقى بجمهوره من جديد”.
أشهر أعماله
في 1995 قدم الممثل المسرحي فواز محمود أعظم مسرحياته التي حاز من خلالها على لقب سفير مسرح الطفل في سوريا، وهي “مسرحية جحا والملك زعفران”، تأليف وإخراج وليد عمر، وبطولة فواز محمود في دور حجا، محمد عمر في دور الملك زعفران، والشرطي، وصالح برو في دور صديق جحا (الحمار)، وقدمت المسرحية في مدن سوريا كافة.
تدور فكرة المسرحية حول أهمية العمل والصداقة والرياضة والمطالعة، والرحلات في القضاء على الضجر لدى الأطفال، من خلال حكاية ملك اسمه زعفران يشعر بالملل، فيأتيه جحا مع حماره بعد أن يعد خطة ما، ليتخلص من الضجر والملل الذي يعاني منه، وتحمل المسرحية قيما تعليمية إلى جانب إنها ترفيهية.
وتعتمد المسرحية على ديكور بسيط يتمثل في صندوق لتحريك العرائس، التي تتداخل في الحكاية؛ لتجذب فئات عمرية مختلفة من الأطفال تتواصل بشكل أكبر مع العرائس المتحركة على خشبة المسرح، فيما ترتدي الشخصيات أزياء تعتمد على الألوان الزاهية، وتتعامل مع الأطفال فتدخل بها إلى عالم الحكاية، وتجعلهم شخصيات بداخلها، وأهم ما ميز عرض الأغاني، التي قدمت نصائح للأطفال من خلال الموسيقا، أنها اعتمدت على الإيقاعات، التي تراقص معها الأطفال.
فيما يزال المخرج والممثل المسرحي فواز محمود يسعى لتطوير وإحياء مسرح الأطفال، ورسم البسمة على وجوههم.