سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

مساعي دولة الاحتلال التركي لتقويض المشروع الديمقراطي

دجوار أحمد آغا_

تستكمل دولة الاحتلال التركي أطماع الدولة العثمانية، بتوسع احتلالها، ولتحقيق ذلك تسعى لجر حكومة بغداد وكذلك دمشق، إلى مؤامراتها في استهداف إقليم شمال وشرق سوريا وتقويض مشروعها الديمقراطي.
منذ مجيء السلاجقة الأتراك من صحراء قره قوم في آسيا الوسطى إلى هضبة الأناضول والاستقرار فيها بمساعدة الكرد، وحتى هذه اللحظة، لم ينظر الأتراك إلى الكرد على أنهم شعب أصيل في وطنه، وقدّم مساعدة كبيرة لهم في الاستقرار في هذه المنطقة الجغرافية. على العكس من ذلك، فالحروب، التي خاضها الأتراك في الشرق، كانت على أرض الكرد أي في كردستان، التي أصبحت مسرحاً للعمليات الحربية والقتالية التي كانت تجري بينهم وبين الصفويين الفرس، والقياصرة الروس، وغيرهم.
الخراب والدمار كان من نصيب كردستان، ومعظم القتلى كانوا من الكرد المخدوعين بالكلام المعسول، الذي كانوا يسمعونه من المسؤولين والقادة خلال الأزمات والحروب، بأنهم إخوة في الدين والبقية كفار أو مرتدون عن المذهب السني في إشارة إلى (الشيعة).
سياسة التوسع والاحتلال 
استخدم السلاجقة الأتراك الدين الإسلامي وسيلة من أجل أطماعهم التوسعية والاحتلالية، وإن الخلافات التي ظهرت في العالم الإسلامي بعد انهيار الخلافة العباسية كانت كلها نتيجة التدخلات الخارجية، وبعدها أقيمت الخلافة العثمانية في العام 1516 من خلال إعلان السلطان العثماني سليم الأول الحرب على الدولة المملوكية في مصر وسوريا، ونقل الخلافة رسميا إلى إسطنبول. بدأت بعدها بالتوسع واحتلال الدول تحت مسمى الفتوحات الإسلامية ولكنها في حقيقة الأمر كانت احتلالاً واستعماراً في 400 عام، حتى انتفض الشريف حسين من الحجاز بعد الاتفاق مع الإنكليز وقام بالثورة العربية الكبرى في العام 1916.
انهيار السلطنة وحرب الاستقلال
بعد انهيار السلطنة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، وتقاسم دول الحلفاء الأراضي، التي كانت تسيطر عليها، وصل الأمر بهم إلى الدخول في مناطق مثل أزمير، وإسطنبول، وأضنة، هذا الأمر دفع مصطفى كمال أتاتورك بعقد اجتماعات مع الشيوخ ووجهاء الكرد في مؤتمري سيواس، وأرضروم فأسمعهم مرة أخرى كلاماً معسولاً، وأن هذه البلاد هي للكرد والترك سوية، وهم أخوة وعليهم سوية الدفاع عن هذا الوطن المشترك. مرة أخرى خُدع الكرد بكلامهم وكان لهم دور مركزي ومؤثر في حرب الاستقلال التي خاضها أتاتورك. لكن؛ بعد تحقيق الانتصار، وتأسيس الجمهورية، تنكر للوعود التي أطلقها للكرد وبدأت أعواد المشانق تستقبل أجساد الزعماء والقادة الكرد الذين ساعدوه في حرب الاستقلال.
الميثاق الملّي (الشمّاعة) 
يُعدُّ الميثاق الملي حجر الزاوية التي يستند إليه الأتراك في مزاعمهم من أجل إعادة احتلال المنطقة وإحياء العثمانية. وهو ميثاق تم صياغته عام 1920م بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، من مجلس المبعوثين، إذ تضمنت إحدى بنوده أن الأقاليم التي تتكلم باللغة التركية هي تابعة لتركيا، ومن ضمنها الأقاليم العربية غير المحتلة، شمال سوريا وعاصمتها حلب وشمال العراق وعاصمتها الموصل، بالإضافة للإقليم الكردي بشقيه السوري والعراقي، لكن تم إلغاء هذا الميثاق في عهد أتاتورك باتفاقية لوزان عام 1923م التي أعطت للأتراك مدينتا قارص واردا خان بينما خرجت باطوم من السيادة التركية، وهي مدينة تقع الآن في دولة جورجيا، وبالطبع خرجت عن السيادة التركية من هذه الاتفاقية حلب والموصل والإقليم الكردي العراقي والسوري وقبرص، بقي أتاتورك وغيره من القادة الأتراك يرون أن هذه الاتفاقية مجحفة لكن أتاتورك كان يخشى أن يخسر الاستقلال التركي، بعد هزيمته في اليونان وإنشاء جمهوريته الوليدة، لذلك نكث بهذه المعاهدة باتفاق فرنسا، التي كانت محتلة سوريا عام 1939م واحتل لواء إسكندرون وسماه لواء هاتاي، ثم بعده احتلت تركيا شمال قبرص باعتبار سكانها أغلبية تركية، ويجب حمايتهم من اليونانيين القبارصة، ولديها قواعد الآن في باشور كردستان بعد أن سمح لهم صدام حسين بالتدخل بها لقمع الكرد.
الحراك الدبلوماسي التركي 
لم تقف دولة الاحتلال التركي مكتوفة الأيدي أمام ما تشاهده من انتصارات تحققها شعوب المنطقة في ظل الحرب العالمية الثالثة، التي تجري في الشرق الأوسط خاصة خسارتها للحرب في مناطق الدفاع المشروع وعدم السماح لها من جانب المجتمع الدولي بشن هجمات احتلالية جديدة ضد إقليم شمال وشرق سوريا، الأمر الذي دفع بها إلى التحرك الدبلوماسي باتجاه العراق ساعية من أجل إشراكه في حربها ضد مقاتلي حركة حرية كردستان. لكن؛ العراق حكومة وشعباً أوعى من أن ينجر إلى مؤامرات ضد الشعب الكردي الذي يكن الاحترام والتقدير للشعب والحكومة العراقية. أيضا توجه أردوغان إلى إقليم كردستان، الذي دوماً كان يطلق عليه اسم “شمال العراق” متنازلاً عن كبريائه في سبيل جر حكومة الإقليم إلى حربه ضد الشعب الكردي وطليعته الثورية “الكريلا”. هناك أيضاً لم يستطع الوصول إلى دعم ملثما يريد سوى من بعض المرتزقة، والجحوش الذين خانوا شعبهم وقضيته.
التوجه نحو سوريا 
هذه الأمور كلها دفعته مجدداً إلى الطلب من روسيا والعراق إلى التوسط بينه وبين حكومة دمشق من أجل حفظ ماء وجهه، الذي لم يبقَ عليه حياء. وقد جرت لقاءات عدة بينهم برعاية روسية عراقية. لكن؛ اللافت في الأمر أن هذه الوساطة وهذه العلاقات إن عادت إلى طبيعتها قبل الدعم التركي اللامحدود لما أسمته بالمعارضة السورية، إنما ستكون في حدود الانسحاب التركي من المناطق السورية المحتلة، وإيقاف المساعدات لهذه المعارضة وحل مليشيات المرتزقة التي تعمل بإمرة تركيا. إذاً فإن الأمر لا يتعلق بموضوع الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، فهذا موضوع سوري داخلي، ويتم حله من خلال الحوار السياسي بين الإدارة وبين حكومة دمشق. لذا؛ نراها تسعى جاهدة إلى إحداث أكبر قدر من التغيير الديمغرافي في المناطق التي تحتلها تركيا.
الخاتمة
هذه هي السياسة التي تنتهجها دولة الاحتلال التركي بحق شعوب المنطقة عموماً، وليس بحق الشعب الكردي وحده. فالعرب، والسريان، والأرمن، والشركس، والكلدان، والأشور، والتركمان عانوا أيضاً من هذه السياسة العدائية الجائرة. وهناك أمثلة على مر التاريخ كثيرة والمجازر والمذابح، التي ارتكبها العثمانيون ومن ثم الأتراك شاهدة على إجرام تركيا عبر التاريخ. ولن ننسى مذابح السيفو ولا مجازر الأرمن، ولا الكرد، ولا العرب، ولا الآشور الذين تعرضوا لهذه السياسة العدائية.
بالأمس القريب قصفت منطقة سياحية في زاخو بباشور كردستان ذهب ضحية القصف إخوة عراقيون عرب قادمون للاصطياف، وقبلها قصفت تركيا بمسيراتها وطائراتها العشرات من عربات المدنيين في إقليم شمال وشرق سوريا استشهد أبناء وبنات شعوب المنطقة (يسرى درويش، وليمان شويش، وفرات توما) على سبيل المثال لا الحصر، ولم يتوقف القصف واستهداف تركيا لقياديين الفعالين في المجتمع، ولم تسلم البنى التحتية من هذا الهمج التركي.
نترك لكم التعليق.