سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

مدينة (تل تل) “تتل – توتول” مدينة “المطلة” -1ـ

محمد العزو_

في الألف السادس قبل الميلاد، نشأ أول تجمع قبلي مستقر، على الضفة اليسرى لنهر “البليخ” في موضع يقال له، تل “زيدان” بالقرب من مدينة “الرقة” على بعد ثلاثة كيلو مترات شرقاً. وقد أشارت التنقيبات إلى أن السكن ظلّ مستمراً في هذا الموقع حتى نهاية الألف الرابع، حيث هُجر الموقع لأسباب مجهولة، وانتقل السكان إلى موضع جديد يسمى اليوم تل “البيعة” يقع عند الأطراف الشرقية لسور مدينة (الرافقة) “الرقة”، اسم المدينة التي كانت قابعة في ثنايا هذا التل “تتل”، أو مملكة “تتل”. وقد فسر اللغويون هذا الاسم على أنه اسم أكادي” تل تل” ومن ثم لفظ في البابلية الغربية ” تتل” ويعني مملكة “تطل” من الإطلالة على نهري “الفرات” و”البليخ”. كما أنّ بعض علماء الآثار زعموا أنّ الاسم “سومري” ويعني مدينة الآبار.
يقع تل “البيعة” عند الحافة الشرقية للضلع الشرقي لسور مدينة “الرقة” الحالي /500/م شرقاً، ويعود زمن المدينة القابعة في ثنايا تل. البيعة” “تتل” إلى الألف الرابع قبل الميلاد، حيث تختفي أقدم مستوطنة قرب مدينة “الرقة” الحالية في أنقاض تل أثري، ويسمى بـ”تل البيعة” الذي يعني الكنيسة، حيث تم العثور على أرضية من الفسيفساء /10×10/م خلال مواسم التنقيب الأثرية الأولى؛ ما يؤكد الاعتقاد بأن الكنيسة كانت مبنية فوق قمة التل في القرن السادس الميلادي، وظلت تؤدي وظيفتها الدينية، حتى الغزو المغولي لمدينة “الرقة” في عام/1259/م.
 واليوم بالإمكان رؤية أطلال أسوار المدينة من مسافة بعيدة، بالإضافة إلى مركز المدينة “الأكربول”، أما المرتفعات الأخرى فهي تخفي في ثناياها منشآت معمارية أخرى، كما أن الرقم المسمارية المكتشفة في كل من “ماري” و”إيمار” و”إيبلا” قد أفادت كثيراً في التعرف على أخبار هذه المدينة العظيمة، ودورها الريادي في التاريخ القديم. عثر المنقبون في الموقع على رقيم مسماري مدون عليه باللغة “البابلية” الغربية القديمة اسم مدينة “توتول”، واسم الإله “داجان”، إله “تتل” وكبير الآلهة في مدن الشرق القديم، فهو إله الخير، وإله الزرع، والطعام والخبز.
 عدَّ العلماء أن “تتل” هي المدينة السالفة لمدينة “الرقة” القديمة؛ لأن الموقع ملاصق للمدينة مباشرة، وتقدر مساحة التل /700×600/م بما يقرب من /48/هكتاراً داخل الأسوار فقط، وتشير الظواهر الأثرية المحيطة بالتل، إلى أن السهل كان عامراً في الألف الثالث قبل الميلاد؛ ما يجعلنا نعتقد أن مدينة “تتل” كانت مكتظة بالسكان، وكان العدد حسب التقديرات الأولية يتجاوز /50/ ألف نسمة.
 تقوم في الوسط سلسلة من المرتفعات داخل سور المدينة، أكثرها ارتفاعاً، تل رئيس يرتفع عن بقية أرجاء المدينة بما يقارب من /12/م، ومقدار /20/م عن مستوى السهل الزراعي المحيط بالموقع من الجهات الأربعة كلها. أي أن الوصف الدقيق لهذه القمة يقول: إنها تأخذ شكلاً مربعاً تقريباً؛ ما يشير إلى احتمال وجود بناء مركزي كبير الحجم، وثمة مظاهر أخرى في بقية تضاريس الموقع، تشير إلى وجود مبانٍ رسمية أخرى داخل سور المدينة.. يقول أرشيف مملكة “ماري” على “الفرات” الأسفل، إنَّ مدينة “تتل” لعبت في عصرها الذهبي، دوراً ريادياً “إدارياً وعسكرياً واقتصادياً”، وفي أحد الرقم المسمارية لوحة تأسيسية يصف الملك “يحدون ليم” نفسه ملكاً على “ماري” و”تتل”، وأنه قد هدم سور مدينة “تتل” في أعقاب انتصاره على الحلف الذي قام ضده، والمكون من ملك “تتل” المدعو “بحلوق ولوم”، وملك “حمانوم” موقع “الحمام” بالقرب من “الرقة”، وملك “العوبرائيين” المدعو “لاعوم”، وملك “عباطوم” تل “الثديين” المدعو “عيالوم”، وملك عشائر “الرابعيين”، ومملكة يمحاض “حلب”، وهذه القوى المكونة لهذا الحلف، اجتمعت في مدينة “حمانوم”، لعلها “الحمام” الحالية “سورا” القديمة، لكن “يحدون ليم” الذي هو ملك “ماري” انتصر على هذا الحلف وهدم أسوار مدينة “تتل”.
 وفي لوحة مسمارية أخرى مسطرة في عهد الملك “زيمريليم” ملك “ماري”، خبر عن قيام تمرد شعبي في مدينة “تتل”، بزعامة المدعو “يشوب-دجن” أيام حاكم المدينة “لانا سوم”.
 وفي زمن حاكمها المدعو “عبدو – دجن” أيْ “عبد اللات” قال عنها: بأنها مدينة يطيب فيها المقام، وأنه بني فيها قصراً كبيراً ومهيباً، كانت “تتل” مركزاً تجارياً مهماً وميناءً تجارياً عظيماً، ففي رسالة بعثها ملك “كركميش”(جرابلس) المدعو “إبلا جاندا” يشتكي فيها إلى ملك “ماري”، بأنَّ سلطات “تتل” قد احتجزوا سفينة من “كركميش” محملة بثلاثين خروفاً، وخمسين جرة من النبيذ، كما أنهم احتجزوا زوجة ملاح السفينة، ويطلب ملك “كركميش” من ملك “ماري”، أنْ يأمر سلطات “تتل” بالإفراج عن السفينة، كي يفرج من جانبه عن السفن التابعة لـ”ماري” و”تتل” والراسية في ميناء “كركميش”.