سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

مخترعات تونسيات يتألقن دولياً رغم الأزمات في بلدهن

صمّمت أربع مهندسات تونسيات كرسيّاً متحركاً يمكن التحكم فيه بواسطة الموجات الدماغية والصوت وحركات الوجه، ومكنهنّ هذا الاختراع من أن يُتوَّجن بين الفرق الفائزة في مسابقة أوروبية مرموقة، فأظهرن بذلك قدرات الشباب في بلدهنّ رغم تفاقم قتامة الوضع بفعل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
التقت المخترعات الأربع على مقاعد الدراسة بالمعهد العالي للعلوم الطبية في تونس، وجمعهن طموح الشباب فطوّرن النموذج الأولي لتطبيقهنّ “موفوبرين” اعتباراً من العام 2017، قبل أن يؤسسن شركتهنّ الناشئة “جي وينر” بعد ذلك بعامين.
وحلّت الفتيات ضمن الفائزين الثلاثة الذين اختارهم “المرصد الأوروبي لبراءات الاختراع”، وهي هيئة حكومية دولية، من بين أكثر من 550 مرشحاً لجائزة المخترعين الشباب. وستوزّع الجوائز في مطلع شهر حزيران المقبل.
وكان مصدر الإلهام من مطوّرة الأعمال المشارِكة في تأسيس الشركة سُليمة بن تميم (28 عاما) التي اضطر عمّها بعد تعرضه لحادث خطير “إلى استخدام كرسي متحرك بعد أن أصيب الجزء العلوي من جسمه بالشلل”. وتشرح سليمة، أنه “أصبح معتمدا بشكل كامل على الآخرين”. وتضيف “تحدثت مع زميلاتي عن الاحتياجات، وقرّرنا توظيف تقنيات الصحة الرقمية التي نتقنها لصنع مُنتَج يمكن أن يفيد الكثير من الناس”.
وتؤكد خولة بن أحمد (28 عاماً) التي شاركت في التأسيس وتتولى الإدارة، خلال عرض توضيحي لهذا الاختراع في تونس، أن “أي حركة، حتى طلب الاستدارة نحو التلفاز، يمكن أن تصبح مشكلة مرهقة جداً نفسياً للأشخاص ذوي القدرة المحدودة على التنقل”، إذ كانوا “لا يستطيعون التحدث، ولم تعد لديهم أيّ استقلالية”.
وتوضح أن “القيمة المضافة” لهذا الاختراع مقارنة بالموجود، تكمن في توفيره “أربعة حلول في حل واحد، هي التحكم عن بعد عبر لوحة كمبيوتر، وأيضاً من دون تحريك اليدين بالتحكم عبر الصوت، وإذا لم يكن الصوت متاحاً فبالإمكان الاستعانة بحركات الوجه أو ببساطة عن طريق التفكير من خلال موجات الدماغ”.
ويمكّن التطبيق أيضاً مساعدي الأشخاص ذوي الهمم من تلقي تنبيهات بناءً على التموضع ومستوى شحن بطاريات الكرسي أو الأدوات الأخرى مثل سماعة إرسال الموجات الدماغية.
وتعدُّ خولة أن وصول الفريق إلى نهائي جائزة المخترعين الشباب سيساهم في إبراز ما حققه الفريق الرباعي ويوفّر له “الصدقية”، إذ “ليس من السهل دائماً إقناع المستثمرين أو مصنعي الكراسي بأن حلاً ما مبتكَر حقًا ومفيد للأشخاص ذوي القدرة المحدودة على الحركة”.
وسيتم الإعلان عن الفائزين بجائزة المخترعين الشباب للسنة 2024، التي تكافئ “المخترعين الاستثنائيين الذين تقل أعمارهم عن ثلاثين عامًا”، في التاسع من حزيران في مالطا، وتبلغ قيمة الجائزة الأولى 20 ألف يورو، والثانية عشرة آلاف يورو، والثالثة خمسة آلاف يورو، على ما أفاد المكتب الأوروبي للبراءات في بيان.
ويمثّل تتويج الفتيات عن هذا الابتكار نقطة ضوء في عتمة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، ومن أوجهها نسبة بطالة تبلغ نحو 40 في المائة لدى الشباب.
وهذه هي “المرة الأولى التي يصل فيها فريق تونسي وعربي إلى المرحلة النهائية” لهذه المسابقة الدولية التي انطلقت في العام 2021، وفقا للمكتب الأوروبي للبراءات الذي سيمنح جائزة المخترع الأوروبي المرموقة في اليوم نفسه.
ولجمع أربع تقنيات في تطبيق واحد، وظفت كل مهندسة من الفريق معرفتها. فخولة تخصصت في ربط “واجهة الآلة بالدماغ” وسُليمة وسيرين العياري (28 عاما) كُلفتا بالجزء المتعلق “بتطوير التطبيق والبرمجية”، في حين تولّت غفران العياري، أصغر المخترعات (27 عاماً)، محور التعريف الصوتي.
وتؤكد خولة أن كون الفريق مؤلفاً من أربع نساء شكّل ميزة لهذا المشروع “لأننا شاركنا في تحديات للنساء، وحصلنا على تمويل لرائدات الأعمال”.
مشيرة إلى أن النساء يمثّلن نسبة تفوق 44 في المائة من المهندسين في تونس، وإلى أن ثمة بيئة جيّدة للعمل، رغم الأزمة العميقة التي تعيشها الدولة التي انطلق منها “الربيع العربي” عام 2010.
وتؤكد المديرة أن شركة “جي وينر” الناشئة كانت مدعومة بالمساعدات المالية والجوائز التي حصلت عليها في المسابقات أو المعارض التجارية، وهي الآن مفتوحة للاستثمار في رأسمالها.
وستسلّم الشركة قريباً الكراسي الأربعة الأولى المجهزة بالتقنيات لجمعية تعنى بالأشخاص ذوي الإعاقة في مدينة سوسة (وسط شرق تونس)، من أجل الحصول على تقييمات المستخدمين للمُنتَج.
كذلك تستهدف الشركة أسواقاً أوروبية، وقد أقامت بالفعل شراكة مع شركة إيطالية لتصنيع الكراسي المتحركة الكهربائية للتسويق على المدى القصير.
وترى المهندسات أن من الممكن جعل هذه التكنولوجيا في متناول أكبر عدد ممكن من الناس، بما في ذلك في البلدان النامية، مع أن كل كرسي ذكي يكلّف نحو سبعة آلاف دينار (قرابة ألفَي يورو)، من بينها ألفا دينار لتطبيق “موفو برين”.
وتضيف خولة “أعددنا 30 وحدة في تونس ولم نفكر في أن المستخدم هو الذي سيدفع ثمنها، ولكن المنظمات التي تدعم الجمعيات ستكون قادرة على شراء الكراسي”.
وكالات