محمد مطر: »الزراعة قصة عشق لا تنتهي»

تقرير/ نزهان محمد –

روناهي/ كركي لكي ـ الأرض التي تنبض بالحياة هي الأرض التي تُحرث بالسواعد المفتولة والأيدي المغرمة بمسكة المعول، فعندما يمتلك الإنسان الإرادة والتصميم؛ فإنه يستطيع تحويل الصحراء القاحلة إلى بساتين يانعة فالرسَّام الحقيقي هو ذاك الذي يعرف كيف يتعامل مع ريشته وألوانه ليُخرجَ بها لوحةً بهية فاتنة، والمزارع الفذ هو ذاك الذي يعشق الأرض التي ولِد من رحمها ويعرف كيف يستفيد من كل شبرٍ من أرضه، فالأرض تحتاج إلى من يُقدر قيمتها وتحب من يسقيها بعرقه ويحولها بزنديه السمراوين إلى مروج خضراء مفعمة بالحياة. حول علاقة المزارع بالأرض، وقصة العطاء المتبادل بينهما؛ أعددنا التقرير التالي عن أحد المزارعين المتميزين في ريف تل كوجر والذي يسعى على الدوام لتكون أرضه من الأراضي الملفتة بعطائها واخضرارها في كل فصول السنة محمد مطر ابن قرية أبي حجر تلك القرية التي تتميَّز دوماً بإنتاجها الأعلى على صعيد المزروعات الشتوية والصيفية كافة حسب تأكيدات العاملين في مكتب زراعة كركي لكي.

غرامٌ بالأرض منذ الصغر

«بدأت قصة حبي وهيامي بالأرض، والسنابل منذ نعومة أظفاري عندما كنت في الثانية عشرة من عمري، حيث كنت أرافق والدي بين حقول القمح»؛ بهذه الكلمات التي تشير إلى العشق، والوله بالزراعة بدأ مطر حديثه معنا، وأضاف: «لقد تعلمت من والدي قيمة المثل الذي كان يُردِّده دائماً على مسمعي، ومفاده أنّ الأمة التي لا تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع تعتبر أمة متخلفة؛ لذلك أسعى أنا وأخوتي أن نستفيد من كل شبر من الأرض التي نملكها، فنزرع أنواع المحصولات الملائمة لأرضنا كافة، وأهم ما نزرعه ونعطيه الأولوية محصولا القمح والقطن. وعلى الرغم من انحسار زراعة القطن في المنطقة وابتعاد أغلب الفلاحين عنها لأسباب كثيرة إلا أنَّني منذ ثمانية وعشرين عاماً لم أنقطع عن زراعته سواء أخسرت أم ربحت، فأنا أعتقد أنّ الأرض إن أعطيتها من جهدك وعرقك لن تبخل عليك بإنتاجها».
وأكد محمد مطر أنه يداوم بانتظام على مراقبة محصوله ويشرف على عملية السقي والتسميد ونوعية البذور التي ستُزرع والمبيدات التي ستُرش والحراثة الجيدة، ويقول: «أهتم بأدق التفاصيل التي تتعلق بالزراعة وهاجسي دائما أن أحصل على إنتاج وفير»، وأشار بمضض: «نملك مساحات شاسعة وواسعة من الأراضي الزراعية لكننا نبتعد عنها ونعزف عن خدمتها لأهون سبب ولا نستغل هذه الهبة الربانية التي بين أيدينا».

الإلمام والصبر أولى خطوات النجاح

وأشار محمد مطر إلى أن انتاجه بفضل صبره، واهتمامه يُعتبر متميزاً في المنطقة، وهذا ما لاحظناه عند زيارتنا له، وما أكده لنا هوزان حسن الخبير الزراعي في مكتب زراعة كركي لكي بقوله: «يعتبر محمد مطر من المزارعين القلائل في المنطقة من حيث الإلمام، والاهتمام، والخبرة في الزراعة، فعلى الرغم من بوادر الإنتاج السيء والمتواضع للقمح والشعير في المنطقة بشكل عام بسبب الخلل في تساقط الأمطار هذه السنة إلا أن القمح الذي زرعه مطر لم يتأثر بشيء، حيث يعد الأفضل على صعيد الإيالة، ومرده اهتمامه المتواصل وعدم انقطاعه عن السقاية رغم تكاليفها المتزايدة». وأضاف حسن: «ما يُميِّز محمد مطر عن أقرانه المزارعين أنه يزرع إضافة إلى المحاصيل الأساسية الذرة البيضاء والكمون والكزبرة والبصل والثوم، وكل أنواع الخضروات، وهو ليس مزارعاً فحسب، بل هو مربٍ جيد للثروة الحيوانية فهو يملك قطيعاً من الأغنام وعدداً لا بأس به من الأبقار، والخيول العربية، ويسعى لإنشاء مسمكة، ونحن بدورنا قدمنا له كل التسهيلات المساعدة له من بذور وأسمدة وأدوية ومحروقات وكل مستلزمات ومتطلبات الإنتاج سعياً منا لتشجيعه وتحفيزه من أجل الاستمرارية». ويستأنف مطر حديثه معنا بقوله: «أتعمد الاستيقاظ باكراً قبيل بزوغ الشمس كي أُمتِّع ناظري بمشاهدة أشعة الشمس وهي تلامس سنابل القمح، وتداعبها». وأضاف: «أحسُّ بأن ارتباطي بالأرض هو ارتباط وجداني وليس مادي فالفرحة لا تسعني وأنا أعود إلى المنزل حاملاً لأطفالي بما جادت به أرضي, وأعجز عن وصف سعادتي وأنا أرى نتاج عملي وثمار جهدي ولا أبالغ أبداً حينما أقول: إن الساعات التي أقضيها على صهوة حصاني متجولاً بين الحقول هي أسعد وأمتع لحظات حياتي».