ما هي أبعاد قراري الإدارة الذاتية للعفو العام والسماح بخروج العائلات السوريّة من مُخيّم الهول؟

تقرير/ صلاح إيبو –

---

يبدو أن الإدارة الذاتية ومجلس سوريا الديمقراطية مشغولان بترتيب البيت الداخلي في شمال وشرق سوريا استعداداً لاستحقاقات سياسية على الصعيد السوري والدولي ولن تكون بالقليلة، فالتحضير لمؤتمر الحوار السوري السوري الرابع الذي سيُعقد قريباً، ومن ثم عقد مؤتمر عام لقوى المعارضة الديمقراطيّة في خارج سوريا بهدف توحيد الرؤى وربما اتخاذ خطوات لبناء سوريا المستقبل التي تستند إلى اللامركزية الديمقراطية أساساً لها، لذا يُشكّل قراري العفو العام والخروج الطوعي للعوائل السورية من المخيمات والاستجابة المرنة لمطالب الشعب جوهر المرحلة الراهنة التي تؤسس للمستقبل القريب.

يُمثل مخيم الهول الذي يضم 65 ألف شخص من عائلات عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي, ونازحين سوريين وعراقيين، مشكلة كبيرة للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، لذا قدّم مجلس سوريا الديمقراطية مبادرة لإخراج العائلات السورية الراغبة بالخروج والتنسيق مع الإدارة الذاتية لإصدار عفواً عام عن معتقلين سوريين كانوا على صلة بتنظيم داعش، والسبب الرئيسي لهذه المبادرة هو البعد الإنساني أولاً وتخفيف العبء عن المخيمات والإدارة التي وجدت نفسها وحيدة في تحمل مسؤولية عشرات المخيمات المنتشرة في شمال وشرق سوريا.

بعد أيام من إعلان الرئيسة المشتركة للجنة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية السيدة إلهام أحمد، عن نيتهم إخراج السوريين من المخيمات التي تضم عوائل مرتبطة بتنظيم داعش وعلى رأسها مخيم الهول الواقع قرب الحدود العراقية السورية في جنوب شرق الحسكة، خرجت /73/ عائلة تتألف من /289/ شخصاً من مناطق دير الزور وريفها من مخيم الهول في 12 الشهر الجاري، لكن متى سَيُستكمل إفراغ المخيم من السوريين؟.

هل يرتبط قرار إخراج السوريين من مخيم الهول بالسياسة؟

الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطي رياض درار أكد من خلال صحيفتنا على أنه لا أهداف سياسية لمبادرتهم هذه، والأمر متعلق بالحالة الإنسانية التي يعانيها السوريين والعراقيين في مخيم الهول وسط تقاعس المنظمات الدولية وكذلك المجتمع الدولي في تقديم الدعم إلا ما نذر لهؤلاء النازحين ويتابع “الحالة الإنسانية هي المرجع الأول والتآلف الاجتماعي وإعطاء الصورة أن الإدارة الذاتية تعمل لصالح جميع أبناء المنطقة بسوية واحدة دون تمييز هو الهدف الرئيسي لمبادرتنا”.

وتحوّل المخيم الذي تم بناؤه قبل عقدين ونيف لإيواء اللاجئين العراقيين الذين فروا إلى الحدود السورية خلال حرب الخليج، وكملاذ آخر في عام 2003 للعراقيين بعد الاجتياح الأمريكي، إلى بؤرة يسهل اختراقها خلال سنوات توسعه وبات نقطة تجمّع للمتشددين من عناصر داعش الذين تم أسرهم خلال معارك كسر الإرهاب في شمال وشرق سوريا.

ويضم مخيم الهول نحو 65 ألف شخص من عائلات سورية وعراقية بعضها مرتبطة بعناصر تنظيم داعش إضافة للآلاف من الأجانب، ويقسم المخيم إلى ثماني فيزات للنازحين، أربع منها مخصصة للسوريين والأخرى للنازحين العراقيين، إضافة لقسم منفصل للمهاجرات “عوائل عناصر داعش الأجانب”.

وبالرغم من فصل عوائل الدواعش عن النازحين في مخيم الهول إلا أنه ثمة حالات من العنف وتغلغل الأفكار المتطرفة وبحسب رياض درار تحتاج هذه الحالات للمتابعة والمعالجة نتيجة بعض الأعمال الإرهابية التي قامت بها بعض النسوة الداعشيات ويُشير إلى أن هؤلاء النازحين لم يجدوا لهم مأوى غير هذه المخيمات واختلط بينهم بعض عوائل الدواعش المتمسكات بالفكر الذي تعلموه في المرحلة التي عاشوها وسط هذا التنظيم الإرهابي.

ولم تتوقع الإدارة الذاتية خلال السنوات القليلة الماضية أن يكتظ المخيم بهذا القدر من النازحين وعوائل التنظيم الإرهابي، ويُشير درار إلى أن هذا القدر الكبير من النازحين لا تستطيع الدول تحمّل أعبائه من حيث الحماية والإطعام والعناية الطبية وبالمجمل يقع هذا كله على عاتق الإدارة الذاتية ويتابع القول “لم تقدم المنظمات الإنسانية إلا النذير والدول أيضاً لم تقدم ما يلزم، كنا نعتقد أن هذه الحالة الإنسانية ستؤدي لتجييش المنظمات التي تهب أثناء النزوات والنكبات للمساعدة، لم نجد ذلك، ومع ذلك تم احتمال هذا الواقع الأليم ولم يكن هناك مأوى لهؤلاء النازحين ليخرجوا إليه أو العودة لمنازلهم”.

 الخطوات اللازمة لخروج العائلات

وتُشير الرئيسة المشتركة لمخيم الهول همرين الحسن، إلى أن خطوات خروج العائلات تتمثل في تسجيل العائلة أسمائها لدى إدارة المخيم، وأنهم لا يجبرون أحد على الخروج، فقط العائلات الراغبة بذلك تسجل أسمائها، وسيتم بناء عليه دراسة وضعهم وتحديد زمن الخروج.

وبحسب الأرقام الرسمية التي حصلنا عليها من همرين، يبلغ عدد العائلات السورية ضمن المخيم المقسم إلى ثماني فيزات، 6706 عائلة أي 24223 شخص من ضمنهم 14805 أشخاص ينحدرون من مناطق خارج مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية وهم مدرجين ضمن المرحلة الثانية.

ويؤكد الرئيس المشترك لـ”مسد” أن النزلاء في مخيم الهول سيتم إخراجهم بشكل عام من أي جهة جاؤوا، ولكن هناك ملفات تحتاج إلى دراسة حتى لا يذهبوا إلى أماكن لا يجدون فيها مأوى، فهذه الأمور تحتاج معرفة مكان ذهابهم ومنْ سيأويهم، ليصلوا إلى أماكن يطمئنون فيها.

يتابع درار: “الناس القادمون سواء من أماكن تخضع للمعارضة السورية في الشمال السوري أو من أماكن خاضعة لسيطرة الحكومة السورية، كل هؤلاء لديهم الفرصة للخروج والذهاب لأماكن إيوائهم من حيث جاؤوا” وتم إلى الآن إخراج 27 دفعة من العائلات السورية من المخيم بضمانات شيوخ العشائر في دير الزور والرقة.

اليوم عدد العائلات الأجنبية ضمن قسم المهاجرات يبلغ 2778 عائلة، إضافة إلى 8209 عائلة عراقية، وشهد المخيم في الأشهر الأخيرة توترات عدّة مع توثيق محاولات هرب منه وإفشال محاولات هروب أخرى من قبل أمن المخيم ومحاولات عصيان من النساء الداعشيات، وآخر حوادث القتل حدثت يوم الجمعة لامرأة روسية الجنسية في قسم الأجنبيات بواسطة مطرقة.

وأفرز التنسيق بين الإدارة الذاتية والحكومة العراقية خلال عامي 2017 و2018 عن تسيير تسع رحلات للعراقيين الراغبين بالعودة إلى بلادهم، إلا أن الحكومة العراقية توقفت عن استقبال العراقيين خلال عامي 2019/2020 بسبب الوضع الأمني وانتشار فيروس كورونا وضغوطات وجهاء عشائر عراقية اتهموا هؤلاء اللاجئين بأنهم “دواعش”.

 1880شخصاً سَيستفيدون من قرار العفو

بالتوازي مع الإفراغ الجزئي للمخيمات، تم الإفراج عن 650 معتقلاً بتهمة الإرهاب من سجني علايا في القامشلي وسجن كوباني يوم الخميس، وجاء الإفراج هذا بعد مؤتمر صحفي لمجلس سوريا الديمقراطية ولجنة متابعة شؤون المعتقلين في شمال وشرق سوريا.

وجاء في البيان الذي قُرِئ خلال المؤتمر الصحفي أن قرار العفو الصادر عن الإدارة الذاتية في العاشر من الشهر الجاري جاء تلبية لمطالب الأهالي ممن التقوا بهم خلال الندوات التي عُقدت وزيارتهم للعشائر في مختلف مناطق شمال وشرق سوريا.

وتشكل هذه الخطوة وفق بيان مجلس سوريا الديمقراطية، نقطة في الطريق الصحيح نحو بناء جسور الثقة من أجل تطوير الإدارة الذاتية وتعزيز عامل التشاركية فيها وسماع صوت الشعب.

 وإلى جانب المُفرج عنهم، سيستفيد /253/ سجين من نصف العقوبة، أما غير المحكومين والمنظورين أمام المحاكم سيستفيدون من قرار العفو بعد محاكمتهم أصولاً.

ولا يخضع عناصر داعش الأجانب للمحاكمة في سوريا، وكانت الإدارة الذاتية طالبت في أكثر من مناسبة الدول الغربية بإنشاء محكمة خاصة لمنتسبي تنظيم داعش أو أخذ رعاياهم المحتجزين عند “قسد”، إلا أنها لم تلقَ الرد.

تضم سجون قوات سوريا الديمقراطية 11 ألف سجين من جنسيات مختلفة مرتبطين بداعش، وتم إلى الآن محاكمة قرابة 1880 عنصراً من الجنسية السورية أمام محكمة الدفاع عن الشعب المختصة بقضايا الإرهاب وفق مصادر من المحكمة، ولا تتضمن عقوبة الإعدام ضمن قوانين محكمة الشعب، كما لا يخضع الأطفال منهم للمحاكمة أمام هذه المحكمة.

الإدارة الذاتية سبقت النظام والمعارضة بتنفيذ مطالب الشعب والقرارات الدوليّة

وعن خطوة العفو العام يؤكد رياض درار على أن العمل على إخراج المعتقلين من السجون، معمول به منذ تشكيل لجنة متابعة المعتقلين، وتأسف درار من عدم إعطاء الأطراف الأخرى أيضاً الأولوية للإفراج عن المعتقلين بالقول “كان من الممكن الحديث عن تزامن خطوة العفو العام في مناطقنا مع الإفراج عن معتقلين لدى المعارضة أو لدى النظام ولكن هذا لم يحدث في الجهات الأخرى بكل أسف”.

يدعو القرار الأممي الصادر 2254 عن مجلس الأمن 2015 إلى ضرورة وقف إطلاق النار وتهيئة الظروف لإطلاق حوار بين الأطراف السورية، ومن ضمنها إطلاق سراح المعتقلين.

وكان لوقع الندوات الحوارية التي أقامتها “مسد” في مناطق متفرقة من شمال وشرق سوريا الإسراع في قرار العفو عن المعتقلين وفق رياض درار الذي أشار إلى المطالبات الكثيرة للجمهور الحاضر للنظر في أمور المعتقلين والناس الموجودين في المخيمات بما فيها الموجودين في مخيم الهول.

“حرص الأهالي لمتابعة أحوال أبنائهم إضافة للرغبة لدى مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة للاستجابة لهموم كافة المواطنين ومن كافة النواحي المعيشية والإنسانية والخدمية” بهذه الكلمات يعتقد رياض درار أن هذه الاستجابة هي شكل من التفاعل الاجتماعي الذي يدل على الفهم والتفهم من الجميع للحاجات الإنسانية والأمنية والتنموية والعيش المشترك.

الخوف من عودة داعش

إلا أن العديد من الأوساط الشعبية، والمؤسسات تبدي تخوفها من عودة العنف بعد إطلاق سراح المعتقلين أو إخراج العائلات دون وجود آلية لمتابعة أوضاعهم والتأكد من تخليهم عن الفكر المتطرف.

“مسد” يدعو الائتلاف لفكِ ارتباطه بالخارج

وكان ثمة تصريح مثير للجدل للسيدة إلهام أحمد قبل مدة، والتي نوهت خلاله إلى إمكانية تفاوض مجلس سوريا الديمقراطية مع الائتلاف وترابطه مع قرار إخراج العائلات السورية من مخيم الهول والعفو العام، وعن رسائل هذا التصريح يقول رياض درار “لا علاقة لإخراج السوريين من مخيم الهول بالنظرة للتفاهم مع قوى المعارضة ومن ضمنها الائتلاف”.

ويُشير درار إلى سعي البعض لزرع بذور الفتنة “هذا ما رأيناه من خلال البيانات والتشكيلات التي ظهرت، لآن بعض العقول تربت على الاستفزاز وعلى العيش وسط الفوضى ومازالوا مستمرين في أفعالهم ودعواتهم لإثارة الفوضى ضمن المنطقة” لذا يقول درار أنهم يرفعون صوتهم عالي بضرورة الحوار والتفاهم بين السوريين للوصول إلى نتائج إيجابية حقيقية تخدم الحل السياسي السوري، لذا خطابنا للائتلاف أن يأتي إلى طاولة الحوار لأطياف المعارضة لأن نتفاهم معاً هو الخطاب الذي يدعو للسلم الأهلي والأمن العام وإلى الحياة السليمة والاستقرار في المناطق وعدم الارتهان للخارج”.

ويرجع رياض درار أسباب عدم إنجاز الثورة السورية لأهدافها، إلى الارتهان للخارج وسعيهم لنشر الفوضى ويتابع “إن الذين يسعون لإشاعة الفوضى في المنطقة سيكونون أول الخاسرين لذلك ندعو إلى كلمة سواء ونخاطب العقول ونخاطب منْ يتميز ببعض الحكمة ونخاطب الجاهلين أيضاً لعلهم يعودون عن جهلهم ويعرفوا أين تكمن مصلحتهم”.