مؤتمر “قسد”… قراءة مستقبليّة لحل الأزمة السوريّة

إعداد/ صلاح إيبو-

---

رسائل سياسية وعسكريّة عدة حملها الاجتماع السنوي للمجالس العسكريّة لقوات سوريا الديمقراطية على الصعيد الداخلي والدولي، ولعل أهمها إعادة التركيز على وطنيّة قوات سوريا الديمقراطية وقدرتها على دمقراطية سوريا ولعب دوراً محوري في مستقبل البلاد الذي ما زال جزء منه يعاني من الاحتلال، إلا أن هذا الدور المحوري يجب أن يترافق مع جهود سياسية واقتصادية دوليّة تُمكّن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا من مواجهة التحديات القائمة والمستقبلية وطرحها كنموذج ناجح للحل السوري العام.

هذه الرسائل وأخرى أكثر أهمية طرحت في الاجتماع السنوي للمجالس العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية الذي عُقد يوم الأحد بمشاركة لافتة لقادة التحالف الدولي لمناهضة الإرهاب المتمثل بمرتزقة داعش، وتأكيدها على استمرار الشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية بشكلٍ “دائم” والتي تعتبر نقطة هامة ورسالة إقليمية ودولية لها دلالتها السياسية والعسكرية.

التحرير

وأنهت قوات سوريا الديمقراطية الاجتماع السنوي لمجالسها العسكرية والذي انعقد في مدينة الحسكة بحضور القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي وقائد المهام المشتركة لعملية العزم الصلب “بول ت. كالفرت” وممثلين عن كافة المجالس العسكرية والمؤسسات التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، وضيوف من المؤسسات المدنية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

وناقش المجتمعون الأوضاع العسكرية والسياسية وإنجازات “قسد” في المنطقة بالإضافة للإمكانيات المتوفرة لتطوير القوات العسكرية من أجل تحرير المناطق المحتلة ومواصلة محاربة داعش حتى القضاء عليه نهائياً.

وخلال كلمة القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية الجنرال “مظلوم عبدي” الافتتاحية، لفت الانتباه إلى تعرض المنطقة في العامين الماضيين للغزو التركي ولسلسلة من الهجمات، ولكن وبمساندة شعبنا والأصدقاء وتضحية مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية تمكنت “قسد” من مجابهتها، واستذكر “عبدي” في هذا الشأن جميع الشهداء الذين أوصلوا قوات “قسد” لهذه المرحلة.

شدد القائد العام لـ”قسد” على ضرورة تحرير المناطق المحتلة وتأمين ظروف ملائمة لعودة أهاليها المهجرين، وكان عبدي قد أكد قبل مدة خلال كلمة له في اجتماع لأبناء مدينة سري كانيه المحتلة، على أن فرص بقاء الاحتلال التركي في سوريا باتت ضئيلة، وهو ما يُشير إلى أن قوات سوريا الديمقراطية تضع نُصب أعيُنها تحرير المناطق السورية المحتلة ولا سيما الشمال السوري، حيث تعجز حكومة دمشق عن فتح تلك الجبهات منذ سنوات عدة.

دعم الإدارة سياسيّاً

وعاد الحديث خلال الاجتماع إلى الجهود المبذولة لمحاربة داعش، إذ نوه القائد العام لـ”قسد” إلى أن التنظيم الإرهابي لا زال يُشكّل خطراً على المنطقة والعالم لذا ستستمر شراكة قسد مع التحالف الدولي لمحاربته والقضاء عليه بشكل نهائي”.

وأشار “عبدي” إلى أن محاربة “داعش” لا تتم فقط بالأساليب العسكرية، لذا طالب المجتمع الدولي بضرورة دعم الإدارة الذاتية لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة وتحسين الحالة المعيشية للمواطنين وكذلك دعم جهودها ومشاريعها الخدمية والسياسية باعتباره جزء لا يتجزأ من برنامج قوات سوريا الديمقراطية لمكافحة مرتزقة “داعش” الإرهابي.

هذا المطلب يفتح الباب أمام زيادة العمل الدبلوماسي والتعاطي الإيجابي بين الإدارة الذاتية ودول العالم ولا سيما المؤثرة منها، وكان ممثلون عن الإدارة الذاتية قد توجهوا إلى فرنسا قبل أسبوعين بناءً على دعوة رسمية من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وطالب الوفد خلال الزيارة بضرورة الاعتراف الدولي بالإدارة الذاتية الأمر الذي يفتح المجال أمام إيجاد حلاً سياسي دائم في سوريا.

كما تعمل الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا على إجراء تعديلات في هيكليتها ودراسة تعديلات على العقد الاجتماعي بغية التحضير لانتخابات عامة في مناطق الإدارة الذاتية بشمال وشرق سوريا، الأمر الذي يزيد من قدرة الإدارة على ضم كافة التيارات السياسية وشعوب المنطقة ضمن هيكليتها وزيادة قدرتها على الحوكمة ومحاربة الفساد.

وعبّر “عبدي” عن أسفه الشديد لعدم تمكن الأمم المتحدة من فتح المعابر مع مناطق شمال وشرق سوريا، وشدّد على ضرورة فتحها لإيصال المساعدات الإنسانية للمنطقة.

كما أكد على أن قوات سوريا الديمقراطية قامت بعمل عظيم في مسألة مجابهة خلايا داعش من خلال حماية السجون التي تحوي أعضاء التنظيم الإرهابي ومخيمات عوائلهم، وأشار “عبدي” إلى أن إمكانات الإدارة الذاتية غير كافية في هذا الصدد داعياً المجتمع الدولي من جهته إلى دعم ومساعدة الإدارة الذاتية لحين إرجاع هؤلاء المعتقلين وعوائلهم إلى بلدانهم.

ورحّب مظلوم عبدي بالخطوة الأمريكية بفرض العقوبات على فصيل “أحرار الشرقية” داعياً إلى محاسبة شركائهم من الفصائل الأخرى.

الموقف من حكومة دمشق

ومن الرسائل المهمة الأخرى التي وجهها القائد العام لـ”قسد” تأكيده على مواصلة قوات سوريا الديمقراطية على العمل مع القوات الروسية لحفظ الأمن وخفض التصعيد في مناطق شمال وشرق سوريا، داعياً روسيا للضغط على الحكومة السوريّة للحوار ونوه إلى أن قوات سوريا الديمقراطية هي التي حافظت على المناطق السوريّة في الوقت الذي تخلى عنها النظام السوري للعصابات الإرهابية كداعش والنصرة.

وهذا الطرح ليس بجديد من قبل قوات سوريا الديمقراطية أو الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا التي تدعو للحوار السوري السوري والحفاظ على وحدة التراب السوري ومنع التقسيم بفعل الاحتلال التركي، إلا أن حكومة دمشق تستمر في عقليتها الأمنية الإقصائية الرافضة للتعددية واللامركزية، وما حدث من خرق للاتفاقيات الموقّعة بضمانة روسيّة بين حكومة دمشق ولجان المصالحة في درعا خير مثال على ذلك.

شراكة دائمة

إلى جانب القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، خلال الاجتماع كان جالس قائد المهام المشتركة لعملية العزم الصلب “بول ت. كالفرت” والذي ألقى كلمة لم تقل أهمية عن خطاب “عبدي”.

إذ أكد كالفرت على مواصلة التحالف الدولي لمناهضة داعش دعم قوات سوريا الديمقراطية والحفاظ على العمل المشترك بين الطرفين حتى إنهاء خلايا داعش.

وحضر “كالفرت” إلى جانب قيادات من التحالف الدولي الاجتماع السنوي للمجالس العسكرية، والذي دلَّ على أهمية الاجتماع وأهمية قوات سوريا الديمقراطية في المنطقة عامة.

وقال قائد قوات التحالف الدولي ضد “داعش”، “إن العديد من قادة العالم ملتزمون بدعم قوات سوريا الديمقراطية التي تحارب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بنسبة مئة بالمئة، وتابع “أنا هناك لأعلن الشراكة الدائمة بين قسد والتحالف”.

وقال في كلمة ألقاها خلال الاجتماع إن “داعش” هُزِم عسكرياً ولم يعد هناك وجود لخلافة “داعش”، ولكن ما يزال عناصره ينشطون في المنطقة.

وأشار الجنرال بول كالفرت إلى أن إنجازات التحالف و”قسد” تثير الدهشة بعد سنواتٍ من التنسيق وشراكتهما تأكيد على استمرارية هزيمة “داعش”، وقال إن “وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى جانب العديد من القيادات العالمية يدعمون قوات سوريا الديمقراطية وملتزمون بدعمها في محاربة داعش في كل يوم”.

وقال أيضاً: “هناك ثلاثة نجاحات حققناها وهي إيواء النازحين ورفع الوعي الدولي للمشاكل التي يواجهها الناس في شمال وشرق سوريا واستمرار مكافحة داعش”.

وأضاف متحدثاً للمقاتلين والقادة العسكريين في قوات سوريا الديمقراطية: “شرف لي أن أتحدث أمام هذا الجمع الرائع ممن ضحوا في محاربة داعش”، مشيراً إلى أن “مقابر الشهداء على هذه الأرض تدل على الثمن الباهظ الذي قدمته قوات سوريا الديمقراطية لمحاربة داعش واستقرار المنطقة”.

حديث قائد قوات التحالف الدولي ضد “داعش”، حمل دلالات سياسية وعسكرية موجّهة للداخل السوري والإقليمي، ورغم أهمية حديثه هذا، إلى أنه لم يُشير الانتباه إلى دعم سياسي للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، الأمر الذي يتوجب على الإدارة استغلال العلاقات العسكرية المتينة بين “قسد” ودول التحالف الدولي لمناهضة داعش على الصعد السياسية والاقتصادية.

واستمر الاجتماع بالنقاش حول الوضع التنظيمي والعسكري وهيكلية قوات سوريا الديمقراطية ونظامها الداخلي، إضافة إلى إصدار جملة من القرارات المتعلقة بهيكلية قوات سوريا الديمقراطية وتفعيل مؤسساتها العسكرية، وتم خلال الاجتماع أيضاً انتخاب “آرام حنا” كمتحدث رسمي جديد باسم قوات سوريا الديمقراطية بدلاً عن “كينو كابرييل”.

مؤشرات النجاح

رغم الطابع العسكري للاجتماع السنوي للمجالس العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية، إلا أن رسائلها السياسية الواضحة والمبطنة سيكون لها تأثير على مجريات الأحداث في سوريا عامة، ولعل الحضور المُلفت لقادة التحالف الدولي الذين أكدوا استمرار التحالف الدائم هو مفتاح السر لمستقبل المنطقة التي باتت منذ عقد من الزمن مسرحاً للقتال بين قوى دولية وإقليمية مختلفة.

إلا أن الأكثر لفتاً للنظر هو الصمت التركي حيال ما صدر من تصريحات من المؤتمر، وكأن تركيا تعي أن فرص بقائها في المناطق السوريّة المحتلة باتت أقل مع مرور الزمن، وما يحدث في إدلب من اشتباكات بين قوات الحكومة السورية والفصائل الراديكالية التي تحميها تركيا يدل على أن تركيا باتت أقل قدرة على المناورة العسكرية والسياسية في المجال السوري عامةً.