سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

مآلات الأزمة السوريّة

سيطرت قوات النظام على أكثر من نصف المساحة السورية، وبدعم عسكري روسي وإيراني، واستطاع النظام أن يبعد ويرحّل المجموعات المسلحة من معظم المناطق وخاصة من دمشق العاصمة وجنوب درعا وريف القنيطرة وصولاً إلى مدينة حلب شمالاً، وأمام هذا الواقع تبلورت رؤى مختلفة ومن مختلف الأوساط تفيد بوصول الصراع في سوريا إلى نهايته وأن المناطق المحتلة من قبل تركيا في شمال سوريا والمناطق التي حررتها قوات سوريا الديمقراطية من إرهاب داعش سوف يستعيدها النظام مجدداً.
الإصرار على الحل العسكري
إن التوسع الذي حققه النظام نتيجة الدعم السياسي والعسكري من قبل روسيا وإيران يواجه تحديات أمنية واقتصادية، وذلك نتيجة التفاعل الإقليمي والدولي مع الصراع على السلطة منذ أكثر من سبع سنوات وعدم القدرة على احتواء الأزمة، حيث أصرَّ النظام منذ بدايات هذا الصراع على اتباع النهج العسكري في مواجهة الأزمة، مما أدى إلى حرب كارثية أثرت سلباً على كل المقومات الاقتصادية والاجتماعية، وأيضاً إنهاك قوات النظام نتيجة خوضها الحرب مدة طويلة، مما دفع النظام إلى الاستعانة بالميليشيات الشيعية لاستمرار حربها ضد الجماعات المسلحة ومع  بروز دور هذه المليشيات على الساحة السورية تبلورت في الآونة الأخيرة حدوث خلافات بين الفرقة الخامسة والفرقة الرابعة  وبالرغم من تحالف روسيا وإيران إلا أن هناك تباينات وأولويات لديهما في سوريا لتعزيز مكانتهما الجيوسياسية فيها، مما أدى إلى بروز تصعيد ومنافسة بينهما.
حيث حصلت في الآونة الأخيرة خلافات حادة للسيطرة على بعض المناطق والمواقع بين الفرقة الرابعة الموالية لإيران بقيادة ماهر الأسد ومعها المليشيات الشيعية والفرقة الخامسة الموالية لروسيا بقيادة سهيل الحسن، حيث طالبت روسيا من الفرقة الرابعة بمغادرة مواقعها في حماة وريفها حيث رفضت الفرقة الرابعة هذا الطلب مما أدى جراء ذلك إلى حدوث الاقتتال بينهما في ريف حماة وكانت حصيلتها مقتل أكثر من 60 عسكرياً من الطرفين، كما أن هناك خلافات على مناطق حيوية أخرى كالسويداء وريف دمشق وبلدتي نبل والزهراء.
اختلاف الولاءات…إطالة للأزمات
وبالنتيجة أدى هذا الوضع إلى استمرار الخلل والتشتت في المؤسسات الأمنية للنظام الذي يعاني مسبقاً من عدم القدرة على تحقيق متطلبات يفرضها واقع البيئة الأمنية في سوريا من أمن واستقرار، وبالتالي ما تشهدها المناطق والمدن السورية القابعة تحت سيطرة النظام تفيد بعدم قدرة هذا النظام على الحكم المستدام لجميع القطاعات والمؤسسات التي تمنحه القدرة على إدارة دفة الحكم، نتيجة اختلاف الولاءات الموجودة داخل القطاع العسكري والذي ترتبط به الأجهزة الأمنية.
إن ما يروجه النظام والقوى التي تقف وراءه بأن سوريا قد تعافت من آثار ومخلفات الحرب، ويعد هذا الترويج بعيداً عن الحقيقة  فسوريا لا زالت  تقبع تحت نير حرب دمرت البنية التحتية وانهارت المنظومة الاقتصادية في جميع المجالات، نظراً لخروج أغلبية منابع الطاقة والأراضي الحيوية الزراعية من تحت سيطرة النظام ووجود العقوبات الاقتصادية من قبل الاتحاد الأوربي وأمريكا عليه، وبالتالي فمجمل هذه التحديات مرتبطة بالملفات السياسية والتي تدور حولها رحى الصراع السوري من قبل مختلف القوى الإقليمية والدولية وتضارب المصالح الروسية الأمريكية في سوريا، ومع مرور الزمن تصبح هذه المناطق عرضة لمزيد من التدهور المعيشي والأمني وهذا قد يؤدي إلى تجذر الفوضى في المنطقة.
 ومن أجل التقليل من حدة الأزمات التي تعصف بمناطق سيطرتها، سيضطر النظام إلى فتح قنوات الاتصال مع مجلس سوريا الديمقراطية لوجود معظم منابع الطاقة في المنطقة التي حررتها من داعش، لذا من المحتمل أن يُعلن النظام عن الدخول في المفاوضات ويعترف مبدئياً بالإدارة الذاتية، وهنا ستبقى عقدتين في هذه المفاوضات إن حصلت:
أولاًـ مسألة مطالبة مجلس سوريا الديمقراطية من روسيا والنظام العمل معاً من أجل إخراج أو دحر تركيا وفصائلها الإرهابية من عفرين، حيث كانت قد طالبت به أثناء المفاوضات التي حدثت سابقاً بين الطرفين. ثانياًـ الموقف الأمريكي المعني بمناطق شرقي الفرات ومسألة إخراج القوات الإيرانية وميليشياتها من سوريا.
وفي المحصلة إن المعاناة التي يعيشها السوريون حالياً في جميع نواحي الحياة وفي كافة المجالات  سواء على المدى القريب أو البعيد مرهون بالسياسات الدولية، والآونة الأخيرة أثبتت ذلك بأن جميع محاولات ترويكا أستانة و سوتشي ذهبت أدراج الرياح تجاه الحل النهائي بسبب التناقضات والخلافات والأزمات الاقتصادية التي تعيشها كل من هذه الدول وغياب الدور الأمريكي والقوى المحلية (قوات سوريا الديمقراطية) في هذه الاجتماعات والتي أثبتت مدى قدرتها ودورها في الحفاظ على الجغرافيا العسكرية ونشر الأمن والاستقرار وطرح الحلول للأزمة السورية.

مركز روجا آفا للدراسات الاستراتيجية