سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

ليوناردو دافنشي …مصمم الإنسان الآلي

مرَّت خمسمائة عام على وفاة عبقري عصر النهضة الإيطالية ليوناردو دافنشي (1452- 1519) ولا يزال تراثه محلَّ اهتمام العالم، إذ لا تتوقف جهود سبر أغواره وفك طلاسمه، وخصوصاً في ما يتعلق بإنجازه الأهم كرسام والمتمثل في لوحة الموناليزا، التي لا تزال هي العمل الفني الأكثر جذباً لجمهور متحف اللوفر في باريس.
وفي هذا الإطار تأتي ترجمة كتاب “تراث دافنشي: أو كيف أعادَ ليوناردو اكتشاف العالم من جديد”، إلى اللغة العربية، وهو من تأليف الباحث والكاتب الألماني ستيفان كلاين، وترجمة ناهد الديب. الترجمة الصادرة حديثاً عن المركز القومي للترجمة في القاهرة تبدأ بمقدمة للمؤلف عنوانها “سر العشرة آلاف ورقة”، وجاء فيها أنه في العام 1520 غادر أحد النبلاء قصر ملك فرنسا في أمبواز، وعبر مع بعض حاشيته نهر اللوار ممتطياً معهم ظهور الجياد، فساروا مسافةً حذاءَ النهر، ثم اختفوا في الغابات الجنوبية.
كان النبيل يحمل معه صندوقاً، لم يكن كبيراً، ولكنه كان ثقيلاً لدرجة أنه كان يحتاج إلى رجلين كي تستطيعا تحريكه. ومع ذلك لم يترك هذا النبيل ويدعى فرانسيسكو مليتسي صندوقه أثناء رحلته، التي استمرت لعدة أسابيع، أن يختفي عن عينيه ولو للحظة. انتهت تلك الرحلة عند مدينة ميلانو، ومنها انطلقت رحلة أخرى نحو الشرق وانتهت عند سفح جبال الألب حيث فيلا استقر فيها الصندوق الثمين”.
كان دافنشي قد فارقَ الحياةَ عن عمر ناهزَ السابعة والستين عاماً، في الثاني من مايو 1519، في بلاط ملك فرنسا فرانس الأول، وقد ترك في ذلك الصندوق ما يقرب من عشرة آلاف ورقة بالإضافة إلى اللوحات، والكم الهائل من الأعمال التي أنجزها على مدار حياته.
وإلى اليوم لا يزال هذا التراث محلَّ بحث وتأمل وقد أسفر عن إعادة تجميع أجزاء من مفكرات ليوناردو، ومن ثم أصبح العالم – كما يقول كلاين- لا يأخذ هذا العبقري مأخذَ الجد باعتباره رساماً فحسب، وإنما كباحث أيضاً، استفاد من بحوث مَن سبقوه، ومنهم العربي الحسن ابن الهيثم، وطورها، فضلاً عن ابتكاره أفكاراً لم يسبقه إليها أحد. وهكذا أخذ خبراء في مجالات شتى على مدى السنوات الأخيرة يولون الفنان القادم من فينشي اهتماماً كبيراً. بينما كان من الصعب على مؤرخي الفن، الذين تخصصوا في بحث أعمال ليوناردو، فهمُ بعض مذكراته ومسوداته، استطاع جراحو القلب وعلماء الطبيعة وكذلك المهندسون أن يتتبعوها، لكونها من صميم اختصاصاتهم.
وكثيراً ما وصِف ليوناردو باعتباره رمزاً لعصر النهضة، ورجلاً ذا “فضول جامح” و”صاحب خيال إبداعي محموم”. وبحسب كلاين، كان ليوناردو “أول إنسان عصري ابتكر إنساناً آلياً قادراً على الحركة”. وكذلك “قام بتصميم كومبيوتر، كما صنع أول صمامات للقلب”. ويضيف: “نحن اليوم نقدر ليوناردو بوصفه رساماً قلَبَ فن عصر النهضة رأساً على عقب”. أما الذين عاصروه، فقد كانوا يشيدون به ويمتدحونه، بوصفه عالماً استطاع باكتشافاته الرائدة أن يدق ناقوس الإيذان بانطلاق عصر جديد، وأن يبتكر أسلوباً جديداً في التفكير. فقد ربط مجالات علوم مختلفة ببعضها، بطريقة غير مسبوقة، فهي مرة بديهية وأخرى ابتكارية ومتحررة من أي تابوهات.
في الفصول الأخرى من الكتاب يوضح كلاين سبب ولع ليوناردو بالماء، كما شرح السبب وراء حلمه بالطيران. حكى عن رجل يمكن أن نرى فيه أنفسنا، وعن الشغف بالمعرفة وكآبة العوز.