ليبيا… بنادقُ السلطانِ المأجورةِ

تقرير/ رامان آزاد –

الحديث عن التدخل التركيّ في سوريا وليبيا ومحاولات الانتشار العسكريّ بالمنطقة يندرج في إطار مشروع الحلم، ولأنّ التنفيذ محفوف بالمخاطر أعلن السلطان عن مناقصة لحملة السلاح فلبى المرتزقة للقتال تحت رايته، هي قصة المرتزقة السوريين الذين حاربوا في سوريا واليوم يتم شحنهم إلى معركة النهاية في ليبيا.

 المرتزق في القانون الدوليّ

يعرّفُ المرتزقُ بالملحق الأول الإضافيّ لاتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949 والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، بأنّه “شخص يجري تجنيده خصيصاً محليّاً أو في الخارج ليقاتلَ في نزاعٍ مسلحٍ أو يشارك فعلاً ومباشرةً في الأعمال العدائيّة. والتعريف يشملُ كل شخصٍ يشتركٍ بالأعمال العدائيّة دون أيّ مبررٍ من أيّ نوع.

اعتمدتِ الأمم المتحدة في 4/12/1989 الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيدِ المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، وجرّمت كلَّ مرتزقٍ ومن يجنّد أو يستخدم أو تموّل المرتزقة، كما حظرت على الدول تجنيدهم واستخدامهم، إذ لا يتمتعُ المرتزق بوضعِ المقاتلِ أو أسير الحرب.

المرتزقة هم البنادق المأجورة أو جيش الظلِ هم جنودٌ مستأجرون يحاربون من أجل دولة أخرى غير دولهم، تلبيةَ لمصالحهم الخاصة بهم وليس لمصالحَ سياسيّة أو إنسانيّة أو الأخلاقيّة.

 الارتزاقُ في التاريخ

يعودُ استخدام المرتزقة بالحروبِ إلى عام 1288 ق. م، إذ استخدمهم رمسيس الثاني بمعركة قادش ضد الحيثيين، وشجّع أداؤهم بالمعركةِ فراعنة مصر على الاستمرارِ بضمِّ المرتزقة للجيشِ المصريّ من مناطق مختلفة، وبخاصّةٍ الإغريق. وفي التاريخ الفارسيّ استخدم كورش الأصغر المرتزقة عام 401 ق.م فاستقدم 10 آلاف مرتزق من الإغريق لإقصاء أخيه الملك أرتحششتا الثاني فقدِم جيشٌ يقوده زينفون تلميذ سقراط، طمعاً بالمال والذهب. وكانت معركة جوجاميلا 331 ق.م، بين الفرس بقيادة الملك دارا والرومان بقيادة الإسكندر الأكبر، وكانت لدرجة كبيرة حرباً بين المرتزقة.

يذكر بعض المؤرخين أنّ الحروب الصليبيّة كانت لدرجة ما محاولة للتخلص من لمرتزقة بعدما زاد توحشهم المرتزقة في أوروبا وتعاونت الكنيسة مع هؤلاء الجند المأجورين، حتى أنّ الحملة الصليبيّة الثانية وما بعدها اعتمدت أساساً على المرتزقة وبعض الرهبان.

بعد الإغريق تصدر المحاربون السويسريون مشهد الارتزاق بما أظهره من قدرة قتالية فائقة، بعد إخضاعهم لتدريبات عسكرية مكثفة تحت رعاية مقاتلين محترفين، وعُرفوا بمروضي وقاهري الملوك. وامتد الارتزاق إلى هولندا وألمانيا وإنكلترا، وأصبح المرتزقة علامة مميزة بكل الحروب الأهلية والإقليميّة.

 أنقرة تستخدمُ المرتزقة

منذ بداية الأزمة السوريّة حرصت أنقرة على أن يكون تدخلها غير مباشر غير مكلف، ولعلها قد نجحت بالتدريجِ بتحويل مفردات الأزمة السوريّة لصالحها، فاستبدلت مطالب الإصلاح والتغيير بالجهاديّة، والهويةُ الوطنيّة أضحت هوية الخلافة العثمانيّة، وبجمع كلّ المسلحين إلى الشمال كان من السهل تحويلهم إلى مرتزقة.

المشروع التركيّ لا ينحصر بسوريا بل هو متعدد السويات وفق خريطة العثمانية التاريخيّة، ولذلك تستخدم الأدوات العثمانيّة’ نفسها وتنشئ جيشاً من نموذج الانكشاريّ لا أساس فكريّ له من أيّ نوعٍ هو يقاتل ليكسب وحسب، وكانت عفرين نموذج مباشراً لحرب الارتزاق واستبيحت المنطقة أسلاباً ومغانم للمرتزقة.

كلّ المعطياتِ تشيرُ إلى خطة تركيّة مسبقة للتدخل عسكريّاً في ليبيا، وقد بدأت جماعات مسلحة موالية لأنقرة بتوقيتٍ موازٍ بتجنيدِ مرتزقةٍ منها للقتالِ إلى جانبِ ميليشياتِ الإخوانِ الليبيّةِ، التي راهنت على الدعم التركيّ تسليحاً وتجنيداً مع تضييق الجيش الليبيّ الوطنيّ الخناق عليها، وهذا الدعم العسكريّ لا يكفي لإسناد المشروع الإخوانيّ، فالحاجة ملحة لدعم على الأرض وهو ما تؤمنه تركيا عبر تجنيد مرتزقة من ميليشيات سوريّة متشددة موالية لها. وقدّمت أنقرة سرّاً وعلانية الدعم العسكريّ لميليشيات حكومة الوفاق، وزوّدتها بطائرات مسيّرة وعربات مصفحة وذخيرة وأسلحة. فيما قدّمت قطر التمويل لتسليح المرتزقة فور نقلهم إلى الساحة الليبيّة. والواقع أنّ أنقرة تخشى خسارة أحد أهم معاقلها الإيديولوجيّة ولهذا تدفع بمخزونها الاستراتيجي من المرتزقة والمتطرفين.

بُدئ بإرسال المرتزقة السوريين إلى ليبيا مع انطلاق العملية العسكريّة للجيش الليبي الوطنيّ لتحرير طرابلس من الميليشيات والجماعات الإرهابية المسلحة في نيسان 2019، فدعت حكومة السراج تركيا إلى إرسال دعم عسكريّ وجاءت الاستجابة التركيّة عبر نقل المرتزقة إلى عينتاب ثم إلى إسطنبول حيث تنظم الرحلات إلى مطار معيتيقة في طرابلس على متن الخطوط الليبية والخطوط الإفريقية. وتستمر الرحلات الجويّة رغم الحظر بسبب جائحة فيروس كورونا. ولا يعرفُ تحديداً عدد للمرتزقة السوريين في ليبيا ولكن يتمُّ نقل المئات إلى ليبيا أسبوعيّاً.  وتبدأ التقديرات بحوالي خمسة آلاف فيما تتجاوز تقديرات أخرى 15 ألف مرتزق، وبعضهم يسعى للهروب إلى إيطاليا وقد اكتشف الحقيقة.

في 21/2/2020 اعترف أردوغان لأولِ مرةٍ بوجودِ مقاتلين سوريين موالين لأنقرة في ليبيا إلى جانب عناصر التدريب الأتراك. بعدما تداولت مواقع التواصل الاجتماعيّ أواخر كانون الأول 2019 مقطعاً مصوراً لمقاتلين يتحدثون باللهجة السوريّة في ليبيا. وقال أردوغان للصحافيين في إسطنبول “تركيا متواجدة هناك عبر قوة تجري (عمليات) تدريب. هناك كذلك أشخاص من الجيش الوطنيّ السوريّ”.

فيما قال خليفة حفتر إنّ شروطه لوقف إطلاق النار هي “انسحاب المرتزقة الأتراك والسوريين ووقف تركيا إمدادات الأسلحة إلى طرابلس وتصفية الجماعات الإرهابيّة”.

حكاية مرتزق

في تقرير مطول لموقع “إنفستيجيتف جورنال” يقول زين أحمد، مرتزقٌ عائد من ليبيا “: “عدت لتوي من ليبيا، وكنت أحاول المغادرة لأكثر من شهر”. وعندما سُئل عما إذا كان يؤمنُ بمهمة تركيا في عفرين، ضحك أحمد، وقال “كنت أحد المرتزقة ذهبت إلى عفرين، وكذلك ذهبت إلى ليبيا. لا يوجد جهاد. انتهى الجهاد عندما خسرت المعارضة السورية حلب عام 2016. ومن بعدها أصبح الأمرُ مجردَ أموال بالنسبة لنا. نحن لا نهتمُ بمن نقاتل”.

يتحدث زين عن الوعودِ الأخرى التي تعهدت بها القوات التركيّة ولم تتحقق، “أخبرونا أولاً أنه إذا بقينا وحاربنا لمدة 6 أشهر، سنحصل على الجنسية التركيّة،… كانت كلها أكاذيب، قالوا لنا إذا متنا في القتال في ليبيا، فستحصل عائلاتنا على الجنسية التركيّة. الآن وقد مات الكثير من السوريين في ليبيا، نعلم أنّ هذه كذبة أيضاً، الكذبة الأخيرة التي أخبرتنا بها تركيا هي أننا سنضطر للبقاء لمدة شهرين أو 3 أشهر فقط، ولكن مرّ أكثر من 3 أشهر على مجموعتي، ولم يسمحوا لنا بالعودة.

بالنهاية، أُجبر أحمد على دفع مبلغ 700 دولار لقائده السوريّ للسفر إلى سوريا. وأشار إلى أن نحو 100 دفعوا ما بين 500-1000 دولار، للموافقة على مغادرتهم. وقال أحمد “وضعونا على متن طائرة مع القتلى والجرحى وسمحوا لنا بالعودة إلى سوريا”.

حكومة الوفاق الإخوانيّة تخوضُ معركةُ البقاءِ الأخيرةِ تساندها أنقرة بطوابير المرتزقة وتخرق مقتضيات مؤتمر برلين 19/1/2020، فيما يتواصل شحن الصناديق الخشبيّة من ليبيا محملة بجثث السوريين المرتزقة في معركة لا هدف لها إلا مجرد وعدٍ بمال وليس مال.