سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

لماذا لا تهتم الصين بطبيعة الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط وبترويج أيديولوجيتها في المنطقة؟

د. أنمار نزار الدروبي  (أستاذ الفكر السياسي)_

تحرص الصين على ألا ينظر إليها، وكأنها تتدخل في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط، أو أنها تتخذ موقفا واضحا بشأن بعض المسائل الإقليمية المثيرة للخلافات وتحديدا في العالم العربي. فتدعم الصين استقرار البنية السياسية لدول الشرق الأوسط، وتتفق مع العديد من دول المنطقة في نظرتها، مهما كانت باعتبارها أدوات تخص الدول العربية. وهي استراتيجية اتبعتها الصين خاصة بعد أن تعرضت مصالحها الاقتصادية في ليبيا للخطر، إثر سماحها لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1970 بالمرور؛ ما أفسح المجال للتدخل الغربي، الذي انتهى بتغيير النظام الليبي الأسبق (نظام الرئيس معمر القذافي).
وعليه؛ فإن الصين تسعى إلى حماية مصالحها الاقتصادية في الشرق الأوسط بعيدا عن الخلافات الإقليمية، ولهذا فهي تتجنب الإعلان عن أي استراتيجية خاصة بالشرق الأوسط. لاسيما إن الصين تركز على الاعتبارات الاقتصادية، ومعالجة المخاوف على المستوى المحلي للصين، ولدول منطقة الشرق الأوسط.
الدور الصيني في العالم العربي: التنمية وليس السياسة!
تنعكس محورية التعاون الصيني مع دول الشرق الأوسط، وتحديدا الدول العربية من خلال الوثيقة الحكومية، (وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية)، والتي تنص على التزام الصين بتطوير علاقتها مع الدول العربية على أساس المبادئ الخمسة المتمثلة في (الاحترام المتبادل للسيادة، ووحدة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي).
لقد حقق الاقتصاد الصيني النمو الأكبر له في التاريخ المنظور خلال 25 سنة الماضية، ويستمر في تحقيق نمو عام بشكل سنوي، وبالتالي تنظر الصين إلى الشرق الأوسط على أنه سوق جديدة لدعم نموها الاقتصادي، ومصدر لتأمين احتياجاتها من (الطاقة)، ويمكن قراءة التعاون الاقتصادي التنموي لمشاركة الصين مع دول الشرق الأوسط في ثلاث وثائق أصدرتها الصين، وهي:
الأولى: وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية عام 2016.
الثانية: مبادرة الحزام والطريق، وطريق الحرير البحري للقرن 21 عام 2015.
الثالثة: الإعلان التنفيذي الصيني العربي عام 2018.
في السياق ذاته، نمت العلاقات التجارية بين الصين ودول الشرق الأوسط نموا مطردا خلال العقد السابق، الأمر الذي شكل مصدرا للقلق لدى الدول الغربية، ويعود هذا النمو إلى أن الصين شريك مرغوب فيه؛ لوفرة بضائعها وزهد أسعارها.
ووفقا لكتاب (السياسات الخارجية للقوى الآسيوية الكبرى تجاه المنطقة العربية) للدكتور (عدنان البدراني) حيث يقول:” للمرة الأولى منذ عام 2007 تفوق حجم التبادل التجاري الصيني على حجم التبادل الأمريكي مع دول المنطقة”.
ومن المنظور الصيني، فإن التنمية التي تسعى إليها الصين في منطقة الشرق الأوسط، هي أحد الحلول لضمان منطقة مزدهرة ومستقرة أمنيا، وقد يكون ذلك صحيحا من الناحية النظرية، إلا أن الممارسة العملية لرؤية الصين في منطقة مثل، الشرق الأوسط هي أكثر تعقيدا.
الرؤية الكامنة في مبادرة الحزام والطريق
في عام 2013 أعلن الرئيس الصيني (شي جين بينغ) عن خطط لبناء الحزام، والطريق الاقتصادي والحرير البري للقرن 21، والتي أصبحت تعرف باسم (مبادرة الحزام والطريق) وترتكز على إنشاء طرق تجارية تربط بين آسيا، وأوروبا، وأفريقيا. إذ يشير (الحزام) إلى عدة مشاريع برية تربط الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى، والشرق الأوسط، بينما يشير (الطريق) إلى مشاريع مرتبطة بطرق بحرية، بحيث تقوم هذه الطرق بربط الصين مع إفريقيا والشرق الأوسط عبر جنوب شرق آسيا.
وعلى هذا النحو؛ فإن منطقة الشرق الأوسط ذات أهمية كبيرة بالنسبة للصين بعد إعلان مبادرة (الحزام والطريق)، إذ تزايدت الاستثمارات الصينية في المنطقة.
 إضافة إلى الإعلان التنفيذي الصيني العربي المذكور آنفا في (الفقرة ثالثا)، وبناء على هذا الإعلان فقد وقعت تسع دول عربية على وثائق تعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق.
المساعدات الاقتصادية
بخلاف التجارة والاستثمار فقد بدأت الصين بتقديم المساعدات الإنسانية والإنمائية إلى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ففي عام 2018 تعهد الرئيس الصيني بتقديم نحو 106 ملايين دولار كمساعدات إنسانية، وإنشائية: للأردن، ولبنان، واليمن، بالإضافة إلى 15 مليون دولار مساعدات لفلسطين بهدف دعم التنمية الاقتصادية.
الطاقة
على أثر النمو الاقتصادي السريع في الصين، فقد تزايدت احتياجاتها من الطاقة، خاصة بعد انتقالها في عام 1993، من دولة مكتفية بقدراتها الإنتاجية من مصادر الطاقة إلى دولة مستوردة لهذه المصادر. وفي عام 2017، أصبحت الصين أكبر مستورد عالمي للنفط الخام، بعد أن تجاوز إجمالي إيراداتها من النفط إجمالي إيرادات الولايات المتحدة منه، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية؛ ولكون منطقة الشرق الأوسط تتمتع بوفرة من مصادر الطاقة، فإن أحد أهم المصالح الصينية يكمن في استمرار حصولها على تدفق ثابت من مواردها من الطاقة.
رؤية مستقبلية للصين.. التوازن بين الأمن والتنمية
بلا شك فإن النشاط الدبلوماسي الصيني، والأمني في المنطقة بات محسوما بشكل متزايد، على الرغم من قلق الصين حول أن يكون ذلك على حساب الأرواح والأموال، وعلى حساب سمعتها كدولة صديقة للجميع تحترم الشؤون الداخلية لدول المنطقة، ولا تتدخل في النزاعات والخلافات في المنطقة. وهذا الانخراط يترافق والتطلعات الصينية في المنطقة، فمشاركتها الاقتصادية مع بعض دول المنطقة، ومصاحها المتزايدة فيها، وحجم رؤيتها لمبادرة الحزام والطريق، بالإضافة إلى ضرورة ضمان سلامة المقيمين الصينيين المتواجدين في منطقة الشرق الأوسط، والذين تقدر أعدادهم بحوالي 550 ألف مواطن صيني.
ويمكن تتبع مسار التدخلات السياسية والأمنية للصين في المنطقة، وفقا للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR)، فقد أبرمت الصين خلال الأعوام الماضية اتفاقيات شراكة مع 15 دولة في الشرق الأوسط لتشارك في مهمات مكافحة القرصنة، والأمن البحري في بحر العرب، وخليج عدن. وفي شباط/ فبراير عام 2016، أنشأت الصين أولى قواعدها للدعم اللوجستي لجيش التحرير الصيني في الخارج في دولة جيبوتي، وهي قاعدة عسكرية مجهزة لاستيعاب ما يقارب من عشرة آلاف جندي، في الوقت نفسه تخطط الصين قريبا لإنشاء قواعد عسكرية إضافية لها في منطقة الشرق الأوسط، وفقا للتقرير السنوي للكونغرس الأمريكي حول القوة العسكرية الصينية لعام 2019.