لغتنا هويتنا

كوثر مارديني –

فتحت المدارس أبوابها من جديد وبدأت معاناتها ثانية، فقد شاء القدر أن يقع بيتي قبالة مدرسة من مدارس النظام المكتظة بالتلاميذ؛ لذلك تحول شارعنا إلى أوتوستراد وأمام البيت تحول إلى كراج، حافلات كبيرة وصغيرة وسيارات أجرة ودراجات نارية، لم تبق وسيلة نقل ولم تحمل التلاميذ إلى هذه المدرسة، أصوات التلاميذ وصياحهم وبكاؤهم وأصوات السيارات تملأ الحارة ضجيجاً، ودخانها يخنق الحي أثناء مجيء التلاميذ في المدارس، وفتح أبواب مدارس النظام لهؤلاء الطلبة بالرغم من قلة عددها أمامهم لينقلوا من مدارس الإدارة إلى مدارسهم، وهذه إحدى خطط النظام لإفشال عملية التعليم في مناطق الإدارة الذاتية، فقد انضمّ إلى مدرسة واحدة تلاميذ أربع أو خمس مدارس؛ وفي كل صف أكثر من ستين تلميذاً وطبعاً هذا العدد الكبير هو نتيجة انتقال التلاميذ بشكل مستمر إليها، فهناك تلاميذ من النواحي والقرى والبلدات المجاورة بالإضافة إلى طلاب من مدن كثيرة من إقليم الجزيرة، هناك عائلات تركت مدينتها وبيوتها وسكنت في الحسكة فقط ليدرس أولادها في مدارس النظام.

 بكل أسف وبالرغم من سوء العملية التعليمية وضعفها والفوضى الكبيرة الناجمة نتيجة الأعداد الضخمة للتلاميذ، وعدم قدرة المعلمات على تدريسهم ومتابعتهم وحتى العدد الكبير للمعلمين والمعلمات المنحصرين في عدد قليل من المدارس؛ والذي جعل بدوره من أحدهم يتكل على الآخر وينتظر دخوله الصف بدلاً عنه لتصل بينهم أحياناً إلى الصراخ والشتم أمام التلاميذ؛ وحتى هذا الصف الذي سيدخله لا يشبه الصفوف بشيء فالمقاعد قليلة ومكسرة، وكل أربع تلاميذ في مقعد واحد والسبورة يرثى لحالها والنوافذ بلا زجاج والباب بلا قفل دائماً ومفتوح، وفي الشتاء يغلق بحجرة كبيرة، والمدافئ مفقودة وإن وجدت فالمازوت مفقود.

 المديرة تصرخ هنا وهناك في وجه التلاميذ والمعلمات في سبيل أن يلتزم كل واحد منهم بالنظام والانضباط، أما أولياء التلاميذ الذين يحاولون الظهور بمظهر المهتم بولده نجد الكثيرين منهم يداومون بشكلٍ يومي مع أولادهم ويسألون المعلمات عن مستواهم؛ فلا يلقون جواباً يثلج صدورهم فيديرون وجوههم ويعودون لبيوتهم وهم في حيرة من أمرهم؛ وما يزيد الطينة بلّة المنهاج الضخم والمكثف والصعب الذي تقوم وزارة التربية في كل عام بتغيير مادتين أو ثلاثة في كل فصل، ولا أدري غاية القائمين على المناهج من هذا التغيير في كل سنة، فلا المدرسون يفهمونه جيداً ولا يستطيعون إيصال المعلومة للتلاميذ بشكلها الصحيح.

 وكل هذا العذاب وكل تلك الصعوبات التي يتحملها الأهل ويحملون القسم الأكبر من هذه المعاناة لأولادهم فقط في سبيل ألا يدرس أولادهم لغتهم الأم، ويتعرفون على ثقافتهم وتاريخهم الحقيقي؛ وحجتهم في ذلك أن شهادة الإدارة الذاتية غير معترف بها، هذا الموقف المخزي من الكثيرين ليس ذاتياً وعفوياً، بل هناك من يقف خلفهم ويشجعهم على هذه الخيانة في التنكر لأصلهم ولغتهم؛ وهذه الحرب القذرة التي يشنونها على لغتهم سيذكرها التاريخ وستلعنهم الأجيال جيلاً بعد جيل.

 ومن المؤكد أن أغرب حدث يشهده التاريخ، شعب يتهرب ويتنكر للغته ويحاربها بشتى الوسائل، ليدرسوا لغة غيرهم ومناهج من يريد محوه ومحو لغته وثقافته وتاريخه من الوجود، ولا يعترف به كإنسانٍ له كيان ووجود وحضارة، والمضحك أن الكل يريد أن يصبح أولادهم أطباء ومهندسين، ولن يتحقق ذلك إلا إذا درسوا مناهج النظام وكأن الأطباء والمهندسون والعلماء في كل أنحاء العالم لم يُحصلوا شهاداتهم تلك إلا بعد أن درسوا في مدارس النظام.

لماذا لا تنادون بدراسة مناهج النظام في عفرين وسري كانيه وكري سبي؟ لماذا رضيتم بدراسة اللغة التركية؟ أم أن غايتكم ليست مناهج النظام، غايتكم محاربة لغتكم ـ ثقافتكم ـ تاريخكم، بكل أسف لقد وصلت الخيانة بكم حتى نقي عظامكم، استفيقوا من سباتكم وامسحوا تلك الغشاوة عن أعينكم، فمهما حاولتم سلخ جلدكم لن تستطيعوا الهروب من هويتكم وأصلكم إرضاءً لتركيا ورئيسها الإرهابي “أردوغان”.

فقد خلقكم الله كرداً ولن يرضى عنكم من تحاولون التمسك به حتى تدخلوا في ملتهم وتتنكروا لهويتكم وتحاربوا لغتكم وإخوانكم، لتصبحوا عندئذٍ من الكرد الجيدين عندهم وتصبحوا عبيداً لهم ووسيلة لتحقيق أهدافهم.

وها أنتم تفعلون ما يريدونه منكم وتدمرون ذلك الحلم الذي يراود كل كردي شريف، ذلك الحلم الذي أصبح حقيقة نعيشها لكن دائماً يد الشر والخيانة تتربص بالشعب الكردي، وتدمر كل أحلامه، لقد تأمل الشعب الكردي خيراً في مبادرة القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي الذي لم يوفر جهداً في سبيل تحقيق وحدة الصف الكردي، وها أنتم تحاولون نسفها إرضاءً لعدو شعبكم، وحاولنا أن نصرف النظر وننسى قليلاً أنكم وقفتم مع المحتل وقدمتم له المساعدة لقتل أهلكم في عفرين وسري كانيه وكري سبي، تذكروا جيداً أن شعب روج آفا لن يتنازل عن خطوة قام بها لأن كل خطوة سُقيت بدماء الآلاف من شهدائنا العِظام، ولغتنا هي هويتنا ولن نتنازل عنها، والشهادات التي يحصل عليها أولادنا من مدارسنا نفتخر بها وسيعملون بها في روج آفا، وسيبنون الوطن ويطورونه ولا يهمنا إن كان العالم كله لا يعترف بها، لأن أولادنا لن يتركوا الوطن.

إن مواقفكم باتت مفهومة لكل الشعب الكردي؛ فأنتم تخلقون أسباباً وهمية لإيقاف مشروع الوحدة الكردية، هذا المشروع الذي يعاديه أعداء الكرد.