سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

​​​​​​​ كفاح شابّة عفرينيّة تَحترِف فن النحت دفعها لتحقيق طموحها

بدت الشابة الشغوفة بفن الرسم والنحت، التي تعلّمت هذه الفنون في عمر صغير، أكثر إصراراً على تعليم كل من له الرغبة بدخول هذا العالم، مؤمنةً بمقولة: “على الإنسان أن يُجدّد نفسه باستمرار عبر تطوير ذاته، وألا ييأس من الظروف، وأن يظهر الفن المكنون في داخله”.
يُعتبر النحت فناً تجسيديّاً، تعود جذوره إلى أربعة آلاف و500 عام قبل الميلاد، وأحد فروع الفنون المرئية والتشكيلية، يرتكز على إنشاء مجسمات ثلاثية الأبعاد للإنسان أو الحيوان، أو أشكال تجريدية، ويمارَس على الصخور والمعادن والخزف والخشب والجص والطين ومواد أخرى.
والنحت أقدم من فن التصوير، إذ توجد نماذج للمنحوتات في الحضارات القديمة، الفرعونية والرومانية واليونانية، وكانت تستخدم حينها بغرض التعبير عن الآلهة المختلفة الخاصة بهم، وعن نمط الحياة المعاش.
بغضّ النظر عن تشكيل التماثيل المجسمة، توجد عدة أنواع للنحت، كالنحت البارز (وهو نحت على لوح حجري أو خشبي، يتم فيه إزالة المادة حول الجسم المُراد تشكيله، فتصبح الصورة بارزة فوق مسطّح اللوحة)، أما النحت الغائر (فهو نحت على لوح من الحجر أو الخشب، تُزال فيه المادة من داخل الشكل المراد تشكيله، حيث يصبح الشيء غائراً تحت مسطّح اللوحة).
والنوع الأخير النحت بارز المجسم، وتتميز به الحضارتان الإغريقية والرومانية، وهو نوع متطور للنحت، يُشكّل فيه الشيء مع مبالغة في تشكيله، حيث يصبح ملتصقاً باللوحة من ناحية واحدة وبأقل مساحة، ويظهر كما لو كان تمثالاً ملتصقاً على لوحة.
واكب هذا الفن جميع العصور، بدءاً من عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الحديث الحالي، وبات وجهة للكثيرين لتعلّمه، والمهجّرة من عفرين المحتلة “أمل إيبش”، واحدة من الشغوفات به.
انطلاقتها في عمر السادسة
أبحرت “أمل إيبش”، عندما كانت تبلغ من العمر ستة أعوام فقط، في عالم النحت، كانت انطلاقتها من تعلّمها الرسم، وأثناء بحثها وتعمّقها في تفاصيل الرسم وفروعه، تعرّفت أكثر على فن النحت.
إلى جانب دراستها واصلت تعلّم الرسم، وقررت، بعد إنهائها المرحلة الثانوية، دخول معهد الفنون الجميلة؛ فرع الرسم والنحت في جامعة حلب، وبعد التخرّج عام 2009، عادت أمل إلى مسقط رأسها في عفرين، وعملت في مركز الثقافة والفن وقتذاك.
شاركت أمل ما تعلمته بإعطاء دروسٍ في فن الرسم والنحت، إلى جانب مشاركة أعمالها ومنحوتاتها في المعارض ضمن المركز وخارجه في منطقة عفرين، بعد أن كانت تعرض رسوماتها في المدرسة والمعهد أثناء دراستها.
وعلى الرغم من تعدّد أنواع واختلاف المواد، من الحجر والمعدن والخشب والطين في إنشاء المنحوتات، وتطلُّب كل مادة عمليات مختلفة لإنتاج عمل فني، تعتمد أمل في منحوتاتها على مادة الطين بالدرجة الأولى، نظراً لقدرتها الشرائية، واحترافها هذا النوع من النحت.
لم تحصر أمل منحوتاتها في موضوعٍ واحد، فهي تتفنّن في صناعة مجسمات على هيئة إنسان، أو حيوان وأي مُجسم آخر، لكنها تميل أكثر إلى صنع مجسمات لآلهة المرأة، حيث كانت أولى تجاربها نحت آلهة الحب والجمال والرغبة والخصوبة والنصر عند الرومان، فينوس. إلى جانب صنع مجسمات لآلهة أخرى وشخصيات عالمية مشهورة من أمثال “الموسيقار العالمي، لودفيج فان بيتهوفن، والعالم الفيزيائي، ألْبرت أينشتاين”.
قصّة كفاح
تهجّرت أمل مثل العديد من الأسر من عفرين بعد احتلالها من قبل تركيا ومرتزقتها عام 2018، واتخذت من مدينة حلب مسكناً.
على مدار أربعة أعوام، توقفت أمل عن ممارسة الرسم والنحت، نتيجة الظروف التي تعرضت لها، لكنها تمكنت من تجاوز هذه الظروف وحوّلتها إلى قصة كفاح، وعادت بقوة لحياتها الطبيعية وفنها، بانضمامها إلى مركز حركة الهلال الذهبي لثقافة المرأة عام 2022، في حلب، حيث وضعت تطوير موهبتها نُصب عينيها، وبدأت بتدريس الأطفال والكبار أصول فن الرسم والنحت، بالإضافة إلى مشاركتها في المعارض التي تقام بين الفترة والأخرى في حيي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب.
فنٌ عتيق يُخلّد الذكرى
تُعبّر أمل البالغة من العمر الآن (36 عاماً)، عن مدى ارتباطها بعالم النحت، بقولها: “النحت فنٌ عتيق ولا زال متداولاً حتى وقتنا الحاضر، لأهميته في تخليد الذكريات، وإخراج الفوضى العالقة في جوف أفكار المرء، ليصبح بذلك حراً”.
مضيفةً: “هذا ما جعلني امتهن حِرفة النحت”.
وفي ختام حديثها، أرادت المُهجّرة العفرينية “أمل إيبش”، أن تبعث برسالة للأجيال، بعد أن خاضت تجارب عديدة انتهت بانتصارها على العوائق، مضمونها: “على الإنسان أن يُجدِّد نفسه باستمرار عبر تطوير ذاته، وألا ييأس من الظروف، وأن يُظهر الفن المكنون في داخله، ويُبدِع وينتج، وأن يوصل رسالة هادفة لمحيطه، ويمنح ما يعرفه لغيره ولا يخبّئه لنفسه فقط”.
وكالة أنباء هاوار