سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

كتاب وباحثون كرد: المحافظة على اللغة الكردية.. حفاظ على الهوية الكردية

الدرباسية/ نيرودا كرد –

بارك كُتاب وباحثون كرد يوم اللغة الكردية لعموم الشعب الكردي. وأكدوا في هذه المناسبة تمسكهم بلغتهم الأم كما فعلوا على مدى عقود طوال، لافتين إلى أن المحافظة على اللغة الكردية تعني المحافظة على الوجود الكردي.
يحتفل أبناء الشعب الكردي في 15 أيار من كل عام بيوم اللغة الكردية التي تعتبر هوية وثقافة للشعب الكردي، ويأتي هذا اليوم بعد مراحل عدة مرت بها من سنوات السعي لصهر اللغة ومحو وجودها حتى يومنا هذا، حيث تعيش اللغة الكردية نهضة من مختلف الجوانب.
وتعدُّ اللغة الكردية من أقدم وأعرق اللغات في منطقة الشرق الأوسط التي هي مهد الحضارات الإنسانية، وهي ليست أقدم اللغات فحسب، وإنما هي من أغناها أيضاً، وعلى الرغم من محاولات صهر هذه اللغة، إلا أنها حافظت على وجودها بقوة إلى يومنا هذا خلافاً للعديد من اللغات، التي انصهرت في بوتقة الدول المحتلة.
الحفاظ على اللغة الكردية
انطلاقا من أهمية اللغة الكردية لوجود الشعب الكردي، حافظ الكتاب والمثقفون الكرد على هذه اللغة من خلال إصرارهم على الكتابة بها ليتم حمايتها من الاضمحلال. وفي هذا السياق، تحدث لصحيفتنا الكاتب الكردي ملفان رسول: “منذ أكثر من خمسة عقود، وأنا أبحث بالأدب الكردي من خلال الكتابة باللغة الكردية، ويأتي هذا الانشغال انطلاقا من إصراري على تطبيق اللغة الكردية، لأنها لغتي الأم. حيث تشبعت بها وارتويت من ينبوعها الرقراق الصافي. وأرى أن اللغة الكردية لغة غنية بالمفردات وبالمعاني والقيم”.
رسول أضاف: “أعدُّ نفسي محافظا على هذا الإرث الثقافي، وذلك من خلال وجودي في كنف طبيعة كردستان وأتحدث بلغتي الكردية، ومفخرتي بذلك هي مفخرة كل إنسان بالانتماء إلى ثقافته وإلى وطنه. وهنا لا بد من الإشارة إلى بعض النقاط، حيث أنه في ظل السنوات الماضية كان هناك قمع مكثف ضد المتحدثين بها، خاصة الأناس المشاركون في الإبداع في الأدب الكردي، حيث سعت الأنظمة الاستعمارية إلى صهر اللغة الكردية، وذلك من خلال المؤسسات القمعية التابعة لهذه الأنظمة، وأيضا من خلال الاتجاه العام الذي اتجه شيئا فشيئا نحو صرف النظر عن اللغة الكردية”.
التشبع باللغة الكردية 
ملفان رسول أشار إلى بعض الأمور، التي حملته للاهتمام بلغته بل وعشقه لها: “فُتنت باللغة الكردية من خلال انتمائي للشعب الكردي، كما أنني تشبعت بها من خلال والدتي وأختي الكبرى، اللتين كانتا تسردان لي قصصاً وحكايات وأساطير باللغة الكردية. كما أنني عاشرت فنانين كرداً كباراً، ورأيتهم كيف يحافظون على لغتهم الكردية من خلال أغانيهم، ومن خلال إنتاجاتهم الأدبية. ذلك كله طبع في مخيلتي انتمائي لشعب له مقومات كبرى ويمتلك زمام المبادرة في تطوير ثقافته وقيمه الاجتماعية. من هذا المنطلق، حافظت شخصيا على اللغة الكردية ونقلتها قدر المستطاع إلى من يجاورني من أصدقاء وزملاء وأهل، وحتى إلى أولادي”.
أعمال الكاتب
ملفان رسول يعدُّ واحدا من الكتاب الكرد الذين ساهموا، وما يزالون في رفد المكتبة الكردية بنتاجهم المتميز، وفي مناسبة كهذه كان لابد من السؤال عن نتاجه الأدبي، الذي هدف من خلاله إلى المحافظة على لغته الكردية، ليجيبنا: “كتبت ما مجموعه حوالي 17 كتابا، معظمها باللغة الكردية، حيث تشمل هذه الكتب الدراسات الأدبية، ودواوين شعرية، إضافة إلى ما يقارب 63 مسرحية، وعدداً كبيراً من المقالات والدراسات، وجميعها باللغة الكردية. وقد تم طباعة عشرة كتب، أما الباقي فقد نسخت عنها نسخا”.
وعن تجربة الكتابة بالكردية وحال الكتاب الكرد يبين الكاتب: “الكل يعلم أن الكتاب الكرد في أجزاء كردستان الأربعة، مروا بتجربة الكبت والقمع على يد الأنظمة المستعمرة لكردستان، ضف إلى ذلك مسألة منع التعليم والتعلم باللغة الكردية، وقد مررنا بهذه الظروف فترات طوال، ولكن بالرغم من ذلك، وضمن الإمكانات المتوفرة كنا نجتمع مع عدد من الأصدقاء المهتمين بالأدب الكردي، وكنا نتحاور ونتناقش ونتعلم من بعضنا، حول الثقافة والكتابة الكردية، وعقدت العديد من المنتديات في ظروف صعبة كان هدفها المحافظة على اللغة الكردية. وكنا نشارك في هذه المنتديات ونكتب العديد من المقالات والدراسات بأسماء مستعارة. وكنا نُجهز للمناسبات الوطنية الكردية كعيد النوروز وغيره بسرية تامة، وبعيدا عن أنظار الأجهزة القمعية التابعة للأنظمة. وقد دفعنا أثمانا في بعض الأحيان نتيجة هذه الأعمال، فعلى سبيل المثال، فُصلت من عملي كمدرس في مدارس حكومة دمشق”.
الكاتب ملفان رسول أنهى حديثه: “نستطيع القول، إن نتاج سنوات من النضال في سبيل المحافظة على اللغة الكردية، نعيشه اليوم في ظل إدارة ذاتية ديمقراطية، التي تحترم حقوق وثقافة شعوب منطقتها، ونتيجة هذه الإدارة، باتت اليوم اللغة الكردية لغة رسمية تُدرس في المدارس والجامعات، لذلك أدعو أبناء وبنات الشعب الكردي كافة، وفي مقدمتهم المثقفون الكرد، أدعوهم للمحافظة على هذا المنجز التاريخي لأنه السبيل الوحيد للمحافظة على اللغة الكردية، ومن خلالها المحافظة على الوجود الكردي”.
اللغة الكردية تاريخياً
من جهة أخرى، تحدث لصحيفتنا الباحث الكردي برادوست ميتاني عن التاريخ المعاصر والحديث للغة الكردية، حيث قال: “تمتد جذور اللغة الكردية إلى الحقبة السومرية، ومن ثم الكاشية، والأوراروراتية، واللوبية والخورية، والميتانية وغيرها وصولا إلى انفصالها عن هذه اللغات لتصبح لغة بذاتها هي تلك التي نتحدث بها حتى يومنا هذا، والتي تطورت مع تطور الشعب الكردي خلال الحقب التاريخية المختلفة، حيث تشعبت منها أيضا لهجات فرعية، كالكرمانجية والصورانية والزازاكية، وغيرها من اللهجات. والسبب في ذلك يعود إلى توسع رقعة جغرافية كردستان كقسم أساسي من جغرافية مزوبوتاميا”.
الباحث ميتاني تابع: أما جذور الأبجدية الكردية، فتعود إلى آبائنا الخوريين قبل أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، وكانت تسمى وقتذاك بالحروف الهيروغليفية، التي نُقشت بالرسومات، وقد كتبت أول قصيدة كردية بتلك الحروف، عام1450 قبل الميلاد، أي قبل ما يقارب 3450عام. وبعد تلك الحروف، انتقلت الأبجدية الكردية إلى الحروف الحية المرتبطة بأخوتنا الإيزيديين. ومن ثم حلت محلها الحروف الفهلوية. وقد اعتمدت كحروف رسمية لمختلف شعوب مزوبوتاميا. وقد كُتب بتلك الحروف حوالي من 30 كتاباَ كردياَ.
المرحلة الانتقالية من الفهلوانية إلى اللاتينية 
برادوست تابع حديثه: مرحلة مير جلادت بدرخان تُعدُّ المرحلة الانتقالية للأبجدية الكردية، حيث إنه نقل تلك الأبجدية من الحروف الفهلوانية إلى الحروف اللاتينية، التي لا تزال مُعتمدة حتى الآن في اللغة الكردية. وكان ذلك عام 1932م. والتي كُتبت فيها مجلة هاوار كأول مجلة صادرة باللغة الكردية في الخامس عشر من أيار 1932، لذلك تم اعتماد هذا التاريخ يوماً للغة الكردية، وتلتها صدور صحيفة كردستان بالحروف ذاتها.
أما كيف تحدّت اللغة الكردية ظروف منعها، ومحاولات وأدها فيشير إلى ذلك: إن اللغة الكردية حافظت على نفسها بنفسها، وذلك بسبب غناها لغة وتاريخاً وثقافة، وذلك على الرغم من أن قلة قليلة جدا من الشعب الكردي في أجزاء كردستان الأربعة متمسكة حتى اليوم بلغتها الكردية. وسبب ذلك يعود في جزء كبير منه إلى سياسة التعريب والتتريك والتفريس التي مارستها الأنظمة المستعمرة لكردستان، والتي هدفت من خلال القضاء على اللغة الكردية إلى القضاء على الشعب الكردي والوجود الكردي لأن تلك الأنظمة تعلم أن لغة أي شعب هي هوية ذلك الشعب، لذلك، حاولت طمس هوية الشعب الكردي من خلال طمس لغته، ولكن اليوم، ومن خلال ثورات الشعب الكردي، ولا سيما ثورة روج آفا، فإن الشعب الكردي يُعيد إحياء لغته من جديد، وبحرية تامة، مثل، مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، حيث الإدارة الذاتية الديمقراطية، ولكن جميعنا يعلم الأثمان، التي قدمناها لقاء هذه الحرية.
برادوست ميتاني وجه انتقادين دعا من خلالهما إلى التمسك باللغة الكردية، حيث قال: الأول هو للجزء الأكبر من الشعب الكردي، الذي حتى اليوم لم يتمسك بلغته الأم بما فيه الكفاية. أما الثاني فهو موجه لإدارتنا الذاتية الديمقراطية، والتي يجب أن تُولي اهتماما أكبر بلغتنا الكردية في هيئاتها ومؤسساتها، هذا الانتباه الذي كان موجوداً في بداية ثورة روج آفا، والذي مع الأسف أخذ بالتراجع مع مرور الوقت.
الباحث الكردي برادوست ميتاني أنهى حديثه: “المهمة الأساسية للحفاظ على اللغة الكردية تقع على عاتق العائلة كأول مؤسسة تربوية وتعليمية، لذلك على عوائلنا الكردية الحرص على ترسخ اللغة الكردية لدى أطفالها أثناء تربيتهم، لأن ذلك يساهم مساهمة فعالة في الحفاظ على اللغة الكردية وإثرائها”.