سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

قرية يابانية غريبة سكانها دمى بحجم البشر

قامشلو/ دعاء يوسف ـ

حينما يغيب الإنسان عن مناطق سكناه الأصلية يتبادر إلى ذهن الفنانين والراغبين في استمرارية الحياة والنجاة من الغياب والعدم، إلى فكرة التخليد الأبدية كما حدث عند الفراعنة، الذين لجؤوا إلى التحنيط، وكما انتهج سكان قرية صغيرة باليابان، وهذه وجهة حديثنا، فلا يمكن رؤية أي شخص بسهولة في تلك القرية، فسكانها مسنون لكنهم غير مرئيين، لأنهم في الحقيقة عبارة عن دمى بحجم الإنسان الطبيعي.
 مع النظرة الأولى، ستلاحظ بعض السكان المسنين، الذين يعتنون بحدائقهم، بينما آخرون ينتظرون عند محطة للحافلات. يبدو كل شيء طبيعيًا، حتى تدرك أن معظم هؤلاء ليسوا بشرًا، ولا يتحركون.
فكيف تكون الحياة هناك؟ وما قصة هذه القرية؟ فهذا ما سنعرفه في التقرير التالي، الذي نروي قصة وحقيقة تاريخ قرية ناغورو، إلى جانب مجموعة من المعلومات، والحقائق المثيرة عنها.
قصة قرية ناغورو
تقع قرية ناغورو، المعروفة أيضًا باسم “قرية الدمى”، في جبال شيكوكو النائية بجنوب اليابان. تشتهر هذه القرية الفريدة بوجود أكثر من 350 دمية بحجم الإنسان تمثل غالبية سكانها.
كانت ناغورو في السابق قرية نابضة بالحياة تضم مئات السكان. ولكن، مع مرور الوقت، هاجر العديد من الشباب بحثًا عن فرص عمل أفضل في المدن؛ ما أدى إلى تراجع عدد السكان بشكل كبير.
في عام 2002، ابتكرت فنانة محلية تدعى تسوكيمي أيانو، أول دمية لتمثيل والدها المتوفى. ومع ازدياد شعورها بالوحدة، بدأت بإنشاء المزيد من الدمى لتجسيد ذكريات جيرانها، وأصدقائها الذين غادروا القرية.
ظلت تسوكيمي مواظبة على صنع الدمى بالحجم الطبيعي، حتى صار عدد الدمى يفوق عدد البشر بنسبة عشرة إلى واحد. ويمكن رؤيتها في مواقع مختلفة في أنحاء المدينة، وبأشكال مختلفة. عمال يعملون في الحقول، صيادون يجلسون على ضفة النهر، طلاب يملؤون فصولاً دراسية بأكملها، أزواج مسنون يستريحون على مقاعد خارج المباني، وأسر تستريح على شرفات منازلها.
تصنع تسوكيمي أيانو الدمى من القماش والحشائش وقطع الخشب، وتزينها بملابس تقليدية تعكس أسلوب حياة القرية. والآن، يوجد في هذه القرية الصغيرة حوالي 350 دمية، و27 شخصًا حقيقيًا فقط، أصغرهم يتجاوز عمره 50 عامًا؛ ما يجعلها قرية مرعبة إلى حد ما لمن لا يعرفها، نظرا لأن غالبية سكانها عبارة عن دمى بحجم البشر الطبيعي.
من أين استقت المصممة فكرة الدمى؟ 
جاءت فكرة إنشاء دمى غريبة محشوة بالقطن إلى الفنانة تسوكيمي أيانو، المعروفة بأنها من هواة الحرف اليدوية، عندما عادت إلى القرية في عام 2002 بعد أن عاشت معظم حياتها في أوساكا.
بدأت تسوكيمي أيانو فكرتها كإبداع من أجل توظيف دمية والدها المتوفى لردع الطيور عن سرقة البذور من قطعة أرض العائلة. ثم تحولت الفكرة إلى مشروع إبداعي مستمر يشبه النصب التذكاري، حيث طالبتها أغلب الأسر بإنشاء دمى تشبه أفرادًا من أسرهم. واليوم، تنتشر المئات من هذه الدمى في أنحاء القرية كلها.
التأثير الثقافي
 أصبحت قرية ناغورو وجهة سياحية شهيرة تجذب الزوار من أنحاء العالم. تقدم القرية لمحة فريدة عن ثقافة الريف الياباني وتاريخه، وتثير تساؤلات حول الشيخوخة، والهجرة، وفقدان الأحبة.
الأزمة الوحيدة عند زيارتها، تتمثل في كونها مدينة معزولة في جزيرة شيكوكو اليابانية، حيث يصعب الوصول إليها، فالحافلات نادرة وأقرب محطة قطار على بعد ساعة. كما إنه نظرًا لعدم وجود علامات إرشادية على الطريق تشير إلى قرية ناغورو ومن السهل أن تضيع، فمن الأفضل زيارة القرية في جولة بسيارة أجرة، حيث يمكن للسائق أن يوضح لك مكانها.
مع ذلك، لم تمنع هذه العوائق 3000 شخص، أو نحو ذلك من زيارة هذه القرية الصغيرة سنويًا، جميعهم يحترمون ثقافة القرية وسكانها، ويلتزمون بعدم لمس أو تحريك الدمى من مكانها دون إذن.
وبالإضافة إلى فكرة الدمى، يمكن للزوار الاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة المحيطة بالقرية، حيث يقع وادي “إيا” على بعد أقل من ساعة من قرية ناغورو، وهو موطن الغابات الخضراء وثلاثة جسور كروم نادرة وينابيع ساخنة، وغيرها من الأنشطة المثيرة في الهواء الطلق مثل التجديف على طول مضيق أوبوكي.