قرية “فقيرا”… عنوان التمسك بالأرض والمحافظة على الأصالة

الدرباسية/ نيرودا كرد –

قرية برهن سكانها للعالم مدى تمسكهم بأرضهم وتراثهم، بالرغم من مجاورتهم المناطق، التي احتلتها تركيا، وبالرغم من أنها قرية ريفية يغلب عليها طابع الجمال والخضرة الدائمة، والعمل الريفي المتبع من سكانها؛ فقد قدمت الكثير من الشهداء، والسياسيين، والمدافعين عن الوطن.

على بعد ثلاثين كيلو متراً من ناحية الدرباسية تتوضع قرية، تجاوز عمرها تسعة وسبعين عاماً، فهي من أقدم القرى في مقاطعة الجزيرة، ومن أوائل قرى المنطقة التي انطلقت فيها شرارة الثورة؛ لتكون جزأ من انتفاضة شعوب شمال وشرق سوريا. وقد بُنيت القرية في عام 1945 على الطريق الواصل بين الدرباسية، وسري كانيه المحتلة بعد أمن استملك معظم أراضيها الشعب الإيزيدي.

منزلان كانا بداية نشأة القرية

ولمعرفة المزيد عن تاريخ قرية “فقيرا” وحاضرها التقت صحيفتنا “روناهي” حفيد مؤسسي القرية “شكري فرحان” البالغ من العمر ستين عاماً، والذي حدثنا عن نشأة القرية وكيف توسعت: “لقد تألفت القرية في البداية من منزلين أحدهما لجدي، والآخر لابن أخيه، ومع توسع العائلة ظهرت البيوت الجديدة فصارت قرية صغيرة، مؤلفة من ثلاثين منزل من أقارب، وأولاد عمومة”.

وتعود تسمية القرية إلى طبقة الفقراء من الشعب الإيزيدي، الذين كانوا يقطنون فيها، وتبلغ مساحة القرية2800 دونم، وتقطنها عشيرة “الأومرا”. فيما تضم القرية اثنتي عشرة بئراً سطيحاً، إلى جانب أربع عشرة مدجنة، تعد مصدر رزق لسكان القرية.

وبيّن فرحان، أن القرية تقع على حدود باكور كردستان، في محاذاة قرى أخرى، فمن جهة الشمال تقع قرية حليوا، ومن الجنوب قرية براهيمية، ومن الشرق قرية ظهر العرب، ومن جهة الغرب يقع الحد الفاصل بين روج آفا وباكور كردستان.

كثرة الأعمال ألهت السكان عن التواصل 

في السابق كانت أراضي القرية تُزرع بعلاً، فلم يعتمد أهالي القرية على الأراضي المروية، حيث أن أهالي القرية يتفرغون للعمل على الحصادات، والجرارات الزراعية.  ومع زيادة العمران في القرية، ونقص مياه الأمطار، بدأ سكان القرية بالاعتماد على الزراعة المروية، ومن أجل سد المصاريف اليومية، ومتطلبات المعيشة في القرية لقدوم الحصاد، افتتح سكان القرية عدد من المداجن.

وقد أكد فرحان أن الوضع المعيشي سرق رفاهية أهل القرية، واجتماعاتهم المعتادة في السابق: “واقع الأعمال أثر على الترابط بين أهالي القرية، ففي السابق كانوا يُنهون أعمالهم بسرعة، فلا ينقطعون عن الزيارات بين المنازل، والجلسات المسائية، التي يتسامرون بها، ما يؤدي إلى زيادة الالفة والتواصل فيما بينهم”.

وهذه الحياة التي ألفتها قرية فقيرا لم تدم مع ازدياد الأعمال الموكلة إليهم، فكل شخص منهمك بأعماله، وبالتالي أوقات الفراغ باتت أقل من السابق؛ ما أدى إلى تقليص الوقت، الذي يقضونه في زيارة بعضهم: “بالرغم من ذلك استطاع أهالي القرية المحافظة على تلك المودة الموجودة بينهم تاريخياً، وذلك بسبب رابطة القرابة التي تجمعهم”.

التمسك بالأرض والانضمام للثورة 

على الرغم من قرب القرية من حدود دولة الاحتلال التركي، وكذلك من المنطقة التي تحتلها تركيا ومرتزقتها، بين فرحان: “أن أهالي القرية أصروا على البقاء فيها ومواجه التحديات التي تعرضوا لها”.

فقد تمسك سكان القرية بمنازلهم وأرضهم، فحتى اليوم لم يغادر أحد من القرية منزله بالرغم من موقع القرية الحدودي، وفي هذا الصدد قال شكري فرحان: “على عكس القرى التي من حولنا، لم تخرج أي عائلة من القرية، بل ازادت العائلات في القرية، فقد وفد إليها عوائل وسكان جدد”، وأشاد: “شباب القرية لم يتركوا أرضهم، ولم يخرجوا منها”.

عشرة شهداء

منذ بداية ثورة التاسع عشر من تموز التحقت هذه القرية بركاب الثوار، ممن أرادوا الحرية، فخرج منها الساسة والإداريون، والمدافعون عن الوطن، وزفت القرية عشرة شهداء من سكانها: “هؤلاء الشهداء ارتقوا في أماكن مختلفة من جغرافية إقليم شمال وشرق سوريا، وبإمكاننا تسمية هذه القرية، باسم قرية الشهداء”.

هذا ويمتلك المواطن شكري فرحان منزلا ضمن ناحية الدرباسية، ولكنه بالرغم من ذلك يُفضل العيش في قريته، فيتردد إلى القرية مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع، ويُعزي ذلك إلى العادات والتقاليد الاجتماعية، التي لا تزال موجودة في القرية، بعكس المدينة، التي تفتقد لهذه الخاصية نوعاً ما.

فيما يشعر المواطن شكري فرحان بالفخر بتمسك الشباب بأرضهم، ويختتم حديثه: “إن وجود الشابات والشبان في القرية، وإصرارهم على التمسك بأرضهم، وعدم المغادرة منها، ودفاعهم عنها، هو ما يدفعنا إلى التمسك بحياة القرية، والمحاولة قدر الإمكان للمحافظة عليها”.