قبل أن يكون “فريد جزيري” باحثا وشاعراً، كان ناشطاً سياسياً، اُعتقل، وسُجن أكثر من مرة؛ لأجل قضيته الكردية، وهو حكيم، ولديه فلسفة ورؤية في الحياة، فضلا عن أنه يعدّ مهندسا في اللغة الكردية والعربية، ولديه حس نقدي عال في الأدب والسياسة.
يكتب الشعر بلغته الأم الكردية، ونادرا ما يكتب بالعربية، وقصيدته بلادي من القصائد الفريدة التي كتبها باللغة العربية، وهذه القصيدة موزونة على البحر الوافر، هكذا نسجها، ونظمها الشاعر، وهذا البحر من أكثر البحور جمالاً (بحور الشعر وافرها جميل).
وهو أحد ممثلي، ومعجبي القصيدة العمودية، ومؤمن بأنه مهما حدثت من حركات تجديديه في الشعر والأدب، فإنها لن تلغي القصيدة العمودية.
يبدأ الشاعر قصيدته بلفظة “بلادي” هذه النبرة الخطابية، والتي تكررت في القصيدة، والتي إن دلت على شيء، إنما تدل على صلة الشاعر الوثيقة ببلاده، وكناية عن شدة حبه، وتعلقه بها.
القصيدة مستمدة من الواقع، ومن التاريخ الكردي العريق والعميق، وأقدم حضارة عاشت في ميزوبوتاميا (بلاد ما بين النهرين) والتي خدمت البشرية على مدار آلاف السنين، وتركت لنا ملاحم وبطولات.
يقوم الشاعر باستحضار وتوظيف شخصيات تاريخية من هذه الحضارة العريقة، كمثل: كاوا الحداد، فيتغنى ببطولته، وملحمته شعلة الحرية -نوروز-والذي أصبح رمزاً وطنياً كردستانياً، وقومياً كردياً، يستلهم منه القوة والإرادة، والتضحية، ومواصلة النضال، وقد استحضر الشاعر أيضا سيرة القائد التاريخي صلاح الدين الأيوبي، الذي بهر، وأدهش العالم بأخلاقه وشجاعته وسماحته، فأشار الشاعر إلى سماحته، عندما عفا عن ملوك وأمراء الصليبين، الذين وقعوا أسرى في يده، وكيف واجه همجيتهم بالإحسان إليهم، وإطلاق سراحهم دون شروط؟!!!
بعد ذلك يصور الشاعر جمال بلاده -كردستان- جبالها، حقولها، بساتينها، ينابيعها، ونسيمها الشافي للسقيم، مؤكدا أن كردستان هي الأب، والأم، والوطن، والرمز (عروس الكون).
ومن ثم يقتحم الشاعر عمق المجتمع، فيجد الجهل والتخلف، والظلم والقهر، والاستغلال، هذه المساوئ كلها تستوطن فيه، وهنا تبلغ دفقات الشعور عنده أقصى مداها، فيحدد موقفه ورؤيته من هذه الآفات، التي أدخلت المجتمع في كهف مظلم، وخارج حركة التاريخ، فيدعو إلى التسلح بالأساليب العلمية والعقلية، لأن العلم هو مفتاح البوابة إلى التخلص من هذه الآفات المدمرة، لمواكبة حركة وتقدم التاريخ، وإلى مستقبل مشرق عبر لغة سهلة واضحة أحيانا، ولغة نارية بنار الوعي أحيانا أخرى، كما دعا إلى الصبر على النوائب، ومقاومة أسباب البلاء، كما يؤكد الشاعر العهد على الوفاء للشهداء، الذين ضحوا في سبيل الذود عن بلاده كردستان.
ويدعو إلى التضحية والجهاد، وإثارة النفوس على الثورة ضد الظالمين، من أجل الحرية والحفاظ على الهوية والوجود، وإلى اليقظة والوقوف على سكة واحدة، لمواجهة الصعاب والتحديات، وغدر الجيران ومحاسبة الخونة والمرتزقة، وقد تأثر الشاعر ببعض الألفاظ الإسلامية التي استقاها من القرآن الكريم (مثبور -صفيق).
وفي الختام يؤكد الشاعر على حتمية النصر، وإيمانه بمستقبل مشرق لبلاده كردستان، وبأن شمس الحرية ستشرق، ونعيش تحت خيمة الإنسانية.
استطاع الشاعر أن يرسم لوحة تشكيلية من الهم الوطني، والاجتماعي والسياسي، ووحدة النضال الإنساني على جسد قصيدته، لوحة واقعية بعيدة عن التجريد، واللغة المثقلة بالمجاز، لكنه تجاوز النسق اللغوي في بعض أبيات قصيدته، فعمد إلى التقديم والتأخير ولكل شاعر أسلوبه وتجربته، وقد تميز الشاعر بالشفافية والواقعية، والوضوح عبر لغة ناصعة لا تحتاج إلى شيفرة لفتحها، كتب الشاعر هذه القصيدة بلغة يفهمها الجميع، وقريبة من الذوق العام، كما تثير القصيدة الشعور والإحساس لدى القارئ، بقضية شعبه.
ويقدم صورة حقيقية لما يختلج في نفسه من مشاعر، وإحساس عميق بالواقع، ونزعة تحريضية ضد المستعمر، وإيمانه بحتمية التغير والتحول إلى مستقبل زاهر لبلاده، ونشر السلم والسلام، والمحبة والتسامح بين شعوب المنطقة.