سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

قراءة في قانون قيصر؛ تعددت الاجتهادات والمخرج واحد

تقرير/ آزاد كردي –

لا شك أن قانون قيصر، وهو قانون للعقوبات الأمريكية، سوف يأتي في وقت حسّاس بالنسبة إلى سوريا، التي تراجعت فيها حدة المعارك، لتدخل في حدة وسخونة أخرى وهي الاقتصاد السوري الذي بدأ يؤتى ثماره من خلال ضرب لقمة المواطن السوري الذي طالما حاول أن ينأى بنفسه عن جميع الحروب. لكنه في هذه المرة سوف يضطر أن يدخل مُكرهاً ضمن سراديب الفقر والجوع.
كذلك، يتزامن تطبيق قانون قيصر مع التعثر الاقتصادي الذى تعيشه سوريا سواء بسبب الآثار التراكمية للحرب، وحالة الكساد التي تعيشها الأسواق السورية في الوقت الحالي، والتي تسببت بمجملها في تدهور قيمة الليرة السورية بشكل كبير ومتسارع، الأمر الذي زاد من الهوة الموجودة أصلاً بين مستويات الدخل وتكاليف المعيشة والإنفاق، ما ساهم بمجمله في زيادة تعقيد المشهد الاقتصادي السوري بشكل عام. لمعرفة المزيد، التقت صحيفتنا” روناهي”؛ بالسياسي والحقوقي؛ إبراهيم الماشي.
 أبعاد قانون قيصر
وحول معنى قانون قيصر الذي سيُفرض على السوريين، حدثنا السياسي إبراهيم الماشي بالقول:” قانون قيصر، إنه الاسم الحركي لضابط منشق عن الحكومة السورية الذي سرّب آلاف من الصور للانتهاكات المرتكبة بحق المعتقلين والمعتقلات في فروع الأجهزة الأمنية للحكومة السورية. وقد صيغ باسم الضابط السوري من أجل حماية المدنيين في سوريا، كما وتعرض القانون لعدد من التعديلات قبل التصويت، ومرَّ أيضاً بمرحلتين تشريعيتين اثنين؛ المرحلة الأولى، هي مرحلة إقراره في مجلس النواب الأمريكي والمرحلة الثانية في مجلس الشيوخ الأمريكي. ويتضمن القانون فرض عقوبات اقتصادية على الحكومة السورية ورموزها وبعض الشركات السورية والشركات الأجنبية المتعاملة معها أيضاً. ويعمل قانون قيصر أيضاً على تحجيم دور روسيا وإيران  في الأمور الاقتصادية في تعاملهما مع  رأس الحكومة السورية، وأيضاً فرض عقوبات على الأجانب المتورطين ببعض المعاملات المالية أو التقنية وفرض عقوبات وملاحقة الأفراد والكيانات التي تتعامل مع الحكومة السورية عموماً”.
وأضاف الماشي:” بالطبع، لقد دفع المواطنون السوريين فاتورة الحرب المندلعة منذ عشر سنوات وسوف يتأثرون بها إلى حد كبير، ويظهر ذلك في هبوط الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي وارتفاع مخيف في الأسعار الغذائية باعتبار أن ليس هناك تناسب بين رواتب الموظفين في سوريا مقابل أسعار المواد الغذائية بشكل عام لأنها ارتفعت في هذه الفترة إلى ما يعادل ثلاثة أضعاف. أما تأثير العقوبات على الاقتصاد سوف تزداد وتيرتها وتتضاعف من أجل فرض حل سياسي في نهاية المطاف في سوريا”.
وتابع الماشي بالقول:” بشكل عام، فإن العقوبات الاقتصادية لا تسقط نظاماً في العالم ولكن تضعفه قليلاً فحسب. لقد دفع الشعب السوري فاتورة الحرب أكثر من الحكومة السورية؛ نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة تجسدت بهبوط الليرة السورية وارتفاع الأسعار وزيادة نسبة البطالة وسط فترة حرجة من مخاطر انتشار فايروس كورونا المستجد. لكن الجانب الإيجابي من قانون قيصر، إنه سوف يعجل من العملية السياسية في سوريا ومن المفترض أن تقوم الحكومة السورية على تقديم تنازلات لم نشهدها من قبل. أي أن الحكومة السورية لن تستطيع أن تفعل لنفسها شيء ما ولا حتى للمواطنين الذين يتواجدون في مناطق سيطرتها، فهي تمر في أصعب مراحل حكمها عموماً. سيمثل قانون قيصر ضربة موجعة للدولة السورية بشكل كبير جداً، ومن المحتمل، أن تندلع احتجاجات في مناطق سيطرتها؛ نتيجة الأوضاع الاقتصادية الخانقة في سوريا، وفي المحصلة، سوف لا نشهد في هذه الفترة أحداثاً سياسية كبرى فحسب وإنما سنشهد متغيرات اقتصادية عديدة”.
 قيصر، وتداعياته على الاقتصاد السوري
وعن تداعيات آثار قانون قيصر على الاقتصاد في سوريا، أشار ابراهيم الماشي قائلاً:” سوف يؤثر قانون قيصر على البنية التحتية لرجال الأعمال والشركات التي تقوم بتبييض الأموال فضلاً عن تأثيره في استيراد وتهريب المواد للحكومة السورية بشكل يخالف كل العقوبات الدولية المفروضة. كما أن قانون قيصر سوف يمنع وصول الكثير من المواد بمناطق سيطرة الدولة السورية وسوف يؤثر على توفرها في الأسواق وعلى سعر صرف العملة السورية؛ بسبب عدم وجود داعمين كون حقيقين هذه المرة لأن كلاً من روسيا وإيران تشهدان أزمة اقتصادية أكثر صعوبة من التي تشهدها الدولة السورية ذاتها لا سيما تفشي فايروس كورونا المستجد في إيران”.
وأردف قائلاً” إن عدم رضا روسيا على قانون قيصر المفروض ضد الدولة السورية يعود لعامليين أساسيين، أولهما؛ خشية روسيا من آثار قانون قيصر في المرحلة القادمة حيث أنه سوف يمنع شركات روسيّة من المشاركة والاستثمار في إعادة إعمار سوريا وثانيهما؛ خشية روسيا على الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة مع الحكومة السورية وسوف تتضرر هذه الاتفاقيات على كل الأحوال، أي أن أمريكا قد صاغت هذا القانون بذكاء مطلق، لأنها ستقوم بتطويق الاقتصاد السوري من جهة وتطويق حلفاء الدولة السورية من جهة أخرى”.
السيناريوهات التي تواجه بها الإدارة الذاتية تِبعات قانون قيصر
وفي حديثه عما إذا كانت مناطق شمال وشرق سوريا بمنأى عن قانون قيصر، نوه السياسي إبراهيم الماشي إلى ذلك بالقول:” إن مناطق شمال وشرق سوريا وباقي المناطق الأخرى في الجغرافية السورية جميعاً ليست بمنأى عن آثار تطبيق قانون قيصر على سوريا، وذلك لأن العملة السورية واحدة بكل مناطق أطراف النزاع، فضلاً على أن جغرافية سوريا، هي واحدة من حيث تنقل المواطنين بين المناطق السورية، إضافة إلى أن هناك تبادلات تجارية بالعملة السورية بين أطراف النزاع بشكل عام، ولا سيما المحروقات والمواد الغذائية والطبية أيضاً، لكن أثره على الدولة السورية أكثر بكثير من أثره على أطراف النزاع السوري الأخرى. هناك  تصريحات من قبل سياسيين أمريكيين بخصوص استثناء مناطق شمال وشرق سوريا من تبعات تطبيق هذا القانون باعتبار أن قوات سوريا الديمقراطية كانت شريكاً في محاربة إرهاب داعش.  ومن الواضح جلياً، أن قانون قيصر له بعدان اثنان؛ البعد الأول سلبي وسوف يؤدي إلى ظروف اقتصادية كارثية للمواطنين ما يجعل المواد الغذائية تصل إلى ارتفاع غير مسبوق. أما البعد الثاني، فسوف يعجل بالعملية السياسية في سوريا من خلال ضغطه على الحكومة السورية من أجل تقديم تنازلات أكثر، ومن المفترض أن نشهد سيناريوهات جديدة لم تشهدها سوريا من قبل. وعلى العموم مناطق شمال وشرق سوريا تملك مقومات الاعتماد على الذات لاسيما وأن غالبيتها مناطق زراعية ريفية تنتج المحاصيل الزراعية ومنتجات الحيوانات من البيض واللحوم والألبان والأجبان والأسماك. كما أن الاستمرار بدعم قطاعي الأفران  والمحروقات بذات السعر الحالي أمر مهم لأنهما تشكلان عصب الحياة والحركة عند الشعب”.
وأوضح:” أن الإدارة الذاتية شكلت مؤخراً خلية أزمة اقتصادية لشمال وشرق سوريا، لتفادي الآثار السلبية للعقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون “قيصر” المتوقع فرضه على سوريا قريباً، والتي ستطال آثاره مناطق شمالي وشرقي سوريا، ووفق ما تم تداوله إعلامياً، فإن مهمة هذه الخلية؛ هي تفادي العقوبات الاقتصادية، وتحسين المستوى المعيشي للعاملين لدى “الإدارة الذاتية” في شمالي وشرقي سوريا، ودعم الإيرادات العامة وتنويع مصادرها، وترشيد النفقات العامة من خلال ضبطها وتوجيهها نحو المجالات التي تسهم في تنمية حقيقية وتأمين فرص عمل للباحثين عنها. كما سيصدر عن خلية الأزمة مجموعة من الإجراءات والسياسات لأجل ضبط عملية المبادلات النقدية في أسواق شمالي وشرقي سوريا، ولتشجيع القطاع الخاص والصادرات المحلية”.
من بين ركام التحديات، الإدارة الذاتية تبحث السبل والحلول
واختتم السياسي فاروق الماشي عن أبرز الحلول المناسبة للتقليل من تأثيرات قانون قيصر قائلاً:” مهما يكن لا يمكن تجنيب مناطق شمال وشرق سوريا من تداعيات تأثير قانون قيصر بشكل كامل، وإن كان هناك نوعاً ما حزمة من الإجراءات الوقائية التي من الممكن اتخاذها للحيلولة دون بسط تأثيرات القانون على نطاق واسع، أهمها؛  تتعدد الصناعات بكافة أصنافها في مناطق شمال وشرق سوريا، خاصة تلك التي تعتمد على موارد الزراعية؛ كالأعلاف والكونسروة ووالزيوت والسمن غيرها ومن المهم عدم استيراد مثيلاتها من الخارج بهدف دعم المنتج محلي الصنع علاوة على إسهامها في توفير فرص عمل بشكل أوسع. كما يمكن استيراد المواد الغذائية من المعابر السورية العراقية عن طريق تجار” موردين” وتقديم تسهيلات لقطاع رجال الأعمال تابعين للإدارة الذاتية الديمقراطية، لإتاحة تأمين الاحتياجات الضرورية  من المواد الغذائية الأساسية، هذا الأمر من شأنه أن يؤدي إلى إفراغ ساحة الاستيراد والتصدير من حيتان الاقتصاد الذين يقومون بشراء البضائع من المصدر ويقومون بفرض الأسعار تبعاً لتحقيق مصالحهم ويفرضونها على تجار الداخل بالدولار، وينبغي من أجل تحقيق الاستقرار، إنشاء مؤسسة تجزئة استهلاكية؛ بقصد توزيع المواد الغذائية بسعر التكلفة لعموم الشعب”.
وأضاف بالقول:” كما إن إنشاء عدد من المشاريع الاستثمارية التي تعتمد على المواد الزراعية التي تتميز بها مناطق شمال وشرق سوريا؛ كالمعلبات والكونسروة؛ أمر جيد لدعم التجار ومنحهم كافة التسهيلات. وكذلك التقليل من النفقات العامة التي من شأنها أن تكون بمكانها الصحيح، عبر إنشاء منطقة صناعية وإحلال بدائل إنتاجية محلية عن المستوردات الخارجية تدريجياً للتقليل من الاعتماد على الخارج. وكذلك، يفترض بالجمارك تخفيض الرسوم الجمركية على بعض مدخلات الإنتاج وتسهيل الحصول على الاحتياجات اللازمة للانطلاق بالعمل. وكذلك يمكن الاستفادة من تجربة الكوبرتتيف التي أثبتت نجاحها في كثير من المشاريع الاقتصادية لكن من المفترض دعم الكثير من الاستثمارات التي كانت على دكة الطاولة أبان فترة حظر التجول بسبب مخاطر انتشار فيروس كورونا والعمل على تنفيذها بشكل عاجل”.