سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

قراءة في رواية “ساعة عدل”

رؤى مسعود جوني-

ساعة عدل: رواية اجتماعية للكاتب المصري الدكتور محمد فتحي عبد العال، صادرة عن دار نشر ديوان العرب 2021 من جمهورية مصر العربية، ويعرف عن الكاتب غزارة علومه العلمية والثقافية والصحفية.
يتجلى بوضوح بعد قراءة الرواية أن الكاتب د. محمد فتحي مقاتل على جبهات عدة، يسعى لرفع سوية المجتمع بكل ما يمتلك من طاقات معرفية، تحكمه بذلك قيمه الإنسانية أولاً والدينية ثانياً.

لذلك نجد في أعماله عامة وفي هذه الرواية تحديداً، بصمته الواضحة، فمنذ الصفحة الأولى يظهر د. فتحي الواقعي على الورق، فالكاتب وبطل الرواية يتشاركان الاسم والمهنة والسن، وفي سياق الأحداث لا بد أنك ستتخيل د. فتحي الإنسان المطابق بقيمه لقيم د. فتحي بطل الرواية، رغم تنويه الكاتب في المقدمة أن الأشخاص الواردين في الرواية غير واقعيين.
الرواية تدور حول فتحي الصيدلي اسماً ولكن “البشكاتب” الحكومي عملاً، بعهدة دواء تصل للملايين، إلا أن دخله بالملاليم.
لا مكان للخيال في هذه الرواية، فشخوص الرواية تحيط بنا في حياتنا اليومية، والكاتب وضع المرآة أمام الحدث دون تهويل أو تقليل. ولخص مفهوم العدل الحقيقي حين اقتبس في مقدمة الكتاب تعريف الجاحظ للعدل في كتابه تهذيب الأخلاق (العدل هو استعمال الأمور في مواضعها، وأوقاتها، ووجوهها، ومقاديرها، من غير سرفٍ، ولا تقصير، ولا تقديم، ولا تأخير).
ليبين لاحقاً الهوة العميقة التي تفصل مجتمعاتنا عن قيم العدل، عبر سرد تصرفات الشخوص الواردة في الرواية ولاسيما العاملون في المستشفى الذي يعتبر مجسماً صغيراً للعالم العربي بل دول العالم الثالث عموماً، بمشاكله المتشعبة اجتماعياً واقتصادياً.
بداية بالعم منصور سائق التكتوك الذي يرافق البطل لمقر الصيدلية، ثم يفر مسرعاً بمجرد نزول الكراتين إلى الأرض خشية أن يطلب منه أحد المساعدة. ثم العاملة التي تتهرب من العمل بحجة أنها ستخرج إلى التقاعد بعد ثلاثة أشهر.
من النقاط الهامة التي أضاءت عليها الرواية:
– أن حامل الدرجة العلمية العالية ليس بالضرورة إنساناً أخلاقياً، فالشهادة لا تعلّم الأخلاق، فعلى لسان دكتور الجامعي وردت عبارة: ما دمت لا تملك المال للتعلم لا تتعلم، فماذا تصنع بالعلم إن كنت فقيراً؟
– النقطة الثانية أن العلم لا يعني الثقافة، فالدكتورة التي أهدت البطل كتاب ميكافيللي كان لجدها وفضلت إهداؤه لفتحي بطريقة متعالية على أن تلقيه في القمامة.
– لا هروب من هذه الأمراض المجتمعية والإنسانية حتى لو غادرت بلادك لبلاد تشبهها، ففي إحدى المستشفيات حيث سافر البطل إلى الصحراء الغربية ليعالج الفئات المهمشة والفقيرة، تجلت القيم المادية أكثر وأكثر، حيث يقوم الطبيب بمزاولة العمل المهني والإداري من أجل الاستفادة من أموال مندوبي الدعاية الطبية مقابل كتابة أسماء أدويتهم، والعمل الإداري يمنع مساءلته.
– النفاق الديني أحد الصفات البشعة التي تطبع مجتمعاتنا يوماً بعد يوم، حيث بناء الجوامع والحج لأكثر من خمسة عشر مرة من قبل صاحب المستشفى إسماعيل تاجر المواشي سابقاً وتاجر الأرواح حالياً، المتهرب من دفع ثمن الأدوية ودفع مستحقات العاملين وتحسين معيشتهم، ويسمح باستخدام أدوية منتهية الصلاحية.
– الغاية تبرر الوسيلة، المصلحة الخاصة قبل المصلحة العامة، قانون يطغى على الغالبية، إما خوفاً أو طمعاً.
– إن البسطاء من البشر على استعداد للانقياد، والتعود على أقل متطلبات الحاجات البشرية، حتى لو كانوا أحياناً من الطبقات والفئات المتعلمة.
– اتباع الطرق الملتوية طبع من طبائع الفاسدين حتى لو كانت تكلفة اتباع الطريق الصحيح أقل تكلفة.
إن ثقافة الكاتب العلمية والأدبية والتاريخية والجغرافية واضحة في هذا العمل.
لم يسبق لي أن قدمت مراجعة نقدية لأي عمل أدبي، ولكني أقدم رأيي كقارئة ومهتمة بالأدب، وشخصياً استمتعت بالسرد والتحليل والمعلومات الواردة في رواية د. محمد فتحي عبد العال، ولكني كنت أرغب بأن أرى حلولاً أعمق وأنجع لما تم سرده من مشاكل، كمقاومة الواقع أو السعي لإحداث تغيير ما، بدلاً من أن يكون الحل عند البطل بالانسحاب من المجتمع والتوجه للتصوف وتكوين حلقة خاصة للمريدين ليتحول د. فتحي للشيخ فتحي.