سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

قراءة في التطبيع المفخخ ما بين سوريا وتركيا

استيرك كلو  

 محاولة جديدة من قبل دولة الاحتلال التركي لإعادة العلاقات مع حكومة دمشق. ولكن؛ ضمن استراتيجية الصيف الساخن كما سماه أردوغان في تصريحاته الأخيرة. بعد خسارة حكومة العدالة والتنمية بنسبة 32% من شعبيته في الانتخابات البلدية لصالح المعارضة الداخلية، توجهت بجام قوتها إلى جر إدارة العراق وسوريا لانخراط في حربها ضد الشعب الكردي في كلا البلدين ضمن إطار سياسة إبادة الكرد.
ففي العراق توغل الجيش التركي إلى العمق الجغرافي بمساندة ودعم حزب الديمقراطي الكردستاني بمساحات واسعة وبناء مقرات عسكرية تنفيها إلى اللحظة عبر تهديد سكان القرى وتهجيرهم قسراً من مناطق مثل آميدية وسيدكا ودهوك. والسؤال الأهم هنا، من هم قوى استراتيجية الصيف الساخن؟ بداية ومنذ عام 2020 وروسيا تسعى إلى التقارب ما بين سوريا وتركيا وحاولت ذلك في اجتماع آستانا؛ بهدف كسر شوكة أمريكا في المنطقة على حساب هذا التقارب، وفي محاولة التطبيع الأخيرة لروسيا دور هام، ففتح المعابر التجارية مثل أبو الزندين وتصعيد الاستياء في منطقة إدلب والباب ضد هذه السياسة ما هي إلا مخاوفهم من عودة سيطرة دمشق على هذه المناطق، والتي تأتي عبر خطة مدروسة من الجانب الروسي.
أما الأرضية السياسية غير مُهيأة لتطبيق هذا التطبيع المفخخ بالنسبة لسوريا، فالتقسيم الفعلي للأراضي السوريّة يُضعف حكومة دمشق في إبداء الموقف الحقيقي تجاه سياسة الاحتلال التركي لغرب وجنوب سوريا. أما بخصوص شمال وشرق سوريا والتي تواجه التهديدات التركية، تمتلك مقومات هامة في حماية وحدة الأراضي السورية، وقد أبدت الإدارة الذاتية الديمقراطية وفي أكثر من مناسبة استعدادها للحوار المفتوح مع حكومة دمشق سياسياً وعسكرياً لصد أي تهديد ضد سوريا ولكن إلى الآن لم تلقَ آذان صاغية.
وفي التصريح الأخير للإدارة الذاتية الديمقراطية؛ دعت إلى وحدة الصف السوري في مواجهة الاحتلال التركي للأراضي السورية واعتبرت أي نوع من الاتفاق من دون انسحاب تركيا من المناطق التي احتلتها مؤامرة ضد الشعب السوري. القواسم المشتركة للقوى السورية كثيرة، وأهمها سيادة الشعب السوري بجميع مكوناته عرباً وكرداً وشركساً وتركماناً.
إن هذه القواسم باختلافاتها الثقافية والاجتماعية تُشكّل حجر أساس في تشكيل نظام ديمقراطي قادر على الدفاع عن نفسه ضد أشكال الهجمات التركية كافة كما هو موجود في شمال وشرق سوريا، وقد أكدت هذه الشعوب جدارتها في عدة معارك خرجت منها منتصرة وأهمها معركة النصر على داعش رغم الدعم التركي العلني له.
إن محاولة دولة الاحتلال التركي في التطبيع مع حكومة دمشق، مشحونة بمراهنات لا يمكنها النفاذ منها إلا بتنازلات على حساب إرادة الشعب السوري الذي يعاني الويلات على يد الاحتلال التركي وخاصةً في المناطق المحتلة. إذا كانت المسألة تتضمن الاتفاق على حساب شمال وشرق سوريا، فستكون التكلفة باهظة هذه المرة، ومن ضمنها تركيا ستضطر قوى الصيف الساخن وعلى رأسها تركيا إلى إعادة حساباتها وخاصةً على الصعيد السوري والعراقي والعالمي أيضاً. شمال وشرق سوريا من أكثر النماذج قبولاً في تطبيق أسس الديمقراطية وكبديل عن المركزية في المنطقة وعبث من يتصور بعودة حكومة دمشق إلى سابق عهدها بعد كل هذه التغييرات التي تشهدها المنطقة وكسر جدار المركزية عبر الثورة الشعبية في جبهة المقاومة ضد الاحتلال التركي وسياسته الفاشية.