سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

قتل 67 امرأة وأكثر من ألف مختطفة في عفرين المحتلة

حلب/ رامان آزاد ـ

استهداف دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها للمرأة مستمر ولا سيما في عفرين، حيث القتل والخطف والاغتصاب، علاوة على التمثيل بالجثث والإعدامات الميدانية وهذا ما وثقته منظمة حقوق الإنسان ــ عفرين..
في أيّ حديثٍ عن الانتهاكات المروّعة للاحتلال التركيّ بحقِّ المرأةِ، لا يمكن تجاوز مشهدين، الأول مشهد التمثيل بجسد الشهيدة بارين كوباني في 1/2/2018 في عفرين خلال أيام العدوان والطقوس الوحشيّة التي تمّت تأديتها، والمشهد الثاني اغتيال الأمين العام لحزب سوريا المستقبل هفرين خلف في 11/10/2019 بمنتهى الحقد والفظاعة، فقد كان المشهدان رسائل ترهيبٍ وترويعٍ للأهالي، ومقدماتٍ لانتهاكاتٍ أخرى كثيرة، ولا يمكنُ بالمشهدين اختزالُ الانتهاكات، ولكن يمكنُ أخذهما معياراً لباقي الممارساتِ، كما أنهما يعكسان الذهنيّة المنحرفة عن الفطرة، فالحربُ رغم قساوتها إلا أنّ حداً أدنى بالمعايير الإنسانيّة يجب مراعاته.

 

 

 

 

 

إجمالي الإحصائيات
أعدّت منظمة حقوق الإنسان ــ عفرين، بياناً إحصائيّاً عن الانتهاكات الممارسة بحق النساء في عفرين المحتلة، وإذا كانت الأرقام اللغة الأكثر اختصاراً ودلالة على المتغيّرات في مجتمع، فإنّها في حالة عفرين لا تعكس الواقع، وإنما تمثل ما أمكن توثيقه من انتهاكات بالنظر إلى صعوبة التواصل والحصول على المعلومات، وعوامل الخوفِ والتهديدِ والتضييقِ على الأهالي، وحساسيّة وضع المرأة، ما يجعل الأهالي يحجمون عن الحديث عن الحوادث ويتكتمون عليها، وفيما يلي إجمالي الإحصاءات:
1ــ قتل النساء: 67 جريمة متنوعة، وتشمل جرائم قتل نساءٍ مسنّات، تعرضن للسرقةِ في بيوتهن. وكذلك بسبب الرصاص خلال الاقتتال الفصائليّ والتفجيرات وحوادث جنائيّة متفرقة.
2ــ الاختطاف: تجاوزت ألف حالة، وهي الجريمة الأكثر شيوعاً، وقد بقيت بعض النساء قيد الاحتجاز لفترات طويلة، كما لا يزال مصير عشرات المختطفات مجهولاً.
3ــ الاغتصاب: 65 حالة، وهي الجريمة الأكثر حساسيّة، والعدد المذكور هو ما أمكن توثيقه، فيما يتجاوز عدد الحالات هذا المقدار، إذ يتكتم الأهالي على حالات الاغتصاب بسبب حساسية الموضوع والخشية من أعمال انتقاميّة أقلها اعتقال أحد أفراد العائلة بتهم مفبركة. وبذلك لا تختلف مرتزقة الاحتلال التركيّ عن مرتزقة داعش بشيء، عندما تختطفوا في مطلع آب 2014 آلاف النساء الكرديات الإيزيديات من قضاء شنكال وعاملوهن كسبايا وجواري.
4ــ الانتحار: خمس حالات، وذلك بسبب الظروف المعيشية الصعبة.
5ــ جرحى النساء: 213 حالة، في ظروف مختلفة.
6ــ زواج القاصرات والزواج القسريّ: وقد ارتفعت نسبة تزويج القاصرات في عفرين، بشكل ملحوظ بعد الاحتلال التركي، فقد كانت بحدود 50% عام 2013، ولكنها انخفضت مع سن قوانين حماية المرأة ومنع زواج القاصرات إلى 10% بداية عام 2018، وأما في ظل الاحتلال التركي فقد بلغت 40% وفق إحصائية المجلس المحلي التابع للاحتلال عام 2019، وهو ما يقارب 4500 فتاة، معظمهن من المستوطنات.
يعتبر الزواج القسري من الجرائم المخزية التي تتعرض لها المرأة، رغم تبريرها باسم الزواج، وتفيد المعلومات الواردة من عفرين والمناطق المحتلة بوقوع عشرات حوادث التهديدِ بالقتل والاعتقال، لإجبار العوائل من قبول الزواج من مسلح.
وتسببت مجمل هذه الانتهاكات بآثار سلبيّة نفسيّة جداً، تجاوزت النساء الضحايا، وكانت سبباً مباشراً لتهجير العديد من العوائل من عفرين، وبالمجمل فقد تسببت ظروف الاحتلال وكذلك التهجير القسريّ بتغيير شامل في طبيعةِ الحياة، وأدت إلى ظواهر نفسيّة صعبة كالقلقِ والخوف والتوتر وسيادة مشاعر الإحباط واليأس، والإصابة بالأمراض السارية والمعدية وبخاصة اللشمانيا.
الواقع الاجتماعيّ للمرأةِ في ظل الاحتلال التركيّ
لم يراعِ مرتزقة الاحتلال التركيّ خصوصيّة المرأة ودورها، بأي صورة كانت، وأسيئت معاملتها في التعاطي العام، واعتقلت نساءٌ مرضعاتٌ وحوامل وأمهاتٌ لأطفالٍ صغار وقاصراتٌ ومسناتٌ، وتعرضن لأسوأ أنواع المعاملة والضرب، الأمر الذي زاد حجمَ المعاناة، ويُضاف إلى كلِّ ذلك مشكلة تراجع الوضع المعيشيّ نتيجة أعمال السلب والنهب وسرقة المواسم الزراعيّة، وفقدانِ حرية الانتقال بسبب انعدام الأمان.
وفوق كلّ ذلك فُرضت ثقافةٌ مختلفة عما اعتاد عليها أهالي عفرين الكرد، والمفارقة أنّ الثقافة الجديدة تجمعُ بين نقيضين، ففيما يعكسُ السلوكُ والمظهرُ الخارجيّ تشدداً بالتعاطي مع قضية المرأة، انتشرت في مدينة عفرين المحتلة دور الدعارة، بسبب تدهور السوية الأخلاقيّة وانتقال الأزواج ليقاتلوا مرتزقة في ليبيا وأذربيجان. فالاحتلال لم يكتفِ بالتغيير الديمغرافيّ بل فرض بيئة اجتماعيّة مختلفة في ثقافتها وعاداتها وأعرافها.
ويأتي التحرشُ كأكثر الممارسات شيوعاً من قبل مرتزقة الاحتلال بحق النساء الكرديات، بالتوازي مع أشكالٍ متعددةٍ للاضطهادِ الجنسويّ وهي تنبعُ من العقيدةِ الجهاديّة السلفيّة التي تظلم المرأة في مجتمعاتها بلا رادع، كما تنتشر حالاتُ تعدّدِ الزوجاتِ مع الخيانةِ الزوجيّة.
في حزيران 2018 انتشرت في الشوارع الرئيسية في مدينة عفرين إعلانات ولوحات تحض النساء على ارتداء الحجاب. واعتبرته خطاً أحمر، بالمقابل لم تعطِ مسألة كرامتها وحريتها القيمة ذاتها، كما نشطت في عفرين المؤسسات الدينية الدعوية التي تدفع المرأة للانكفاءِ والانطواءِ على ذاتها والتزام البيتِ، الأمر الذي يعكس ذهنية المرتزقة والميليشياتِ الإسلاميّة والمستوطنين القادمين من مناطق أخرى.
في توجه يؤكد منتهى سطحية الفكر، أطلقت منظمة تدعى “نحو غدٍ مشرق” حملة لنشر فكرة لبس النقاب لترويج ارتدائه بين النساء الكرديات، وذكر مراسل عفرين بوست أن من تريد العمل مع هذه المنظمة يجب أن تلبس النقاب، وبالمقابل تدفع لها المنظمة 5 – 10 دولار أمريكيّ. ولا تقتصر الحملة على مدينة عفرين، بل تشمل البلدات والقرى.
بالمثل نشطت دورات دعوية خاصة بالمرأة، ومن جملة المؤسسات التي تستهدف النساء والأطفال مؤسسة “تآخٍ بلا حدودِ” ذات الخلفية الإخوانيّة التي يدعمها الاحتلال، وتقوم بتنظيم دورات فكريّة موجّهة. وزعم مسؤولو المؤسسة أنّ غاية الدورات تسهيل سبل الدمج بين المرأة الكردية والعربية وإقامة تواصل بين الطرفين واستمرارها.
ذكرت عفرين بوست في 21/2/2021 ظهور نساءٍ منقّباتٍ في شوارع المدينةِ باسم “حبيبات الله”، يترددن على المحلاتِ التجاريّة التي تديرها النساء، ويعملن على نشرِ أفكارٍ متطرفة بينهنّ، وقد أقرّت إحدى تلك الداعيات المتطرفات أنّها تنتمي لجماعة “أحباب الله” التي تضمّ نساءً يعملن في دعوةِ الناس للدينِ وهدايتهم، واعترفت إحداهن بأنّ زوجها مرتزقٌ داعشيّ.
ما تقومُ به سلطاتُ الاحتلالِ التركيّ في عفرين متوافقٌ مع أفكار حزب العدالة والتنمية، وقد وردت هذه الأفكار في سياق المنهاج التعليميّ، ويُعرّف الكتاب المدرسيّ المثير للجدل “طاعة” المرأة للرجال كشكلٍ من “العبادة”، لكنَّ مسؤولي الحكومة يبررونه بالقولِ إنّ الكتاب دينيّ ويستند إلى آيات قرآنيّة.
 انتهاكات متنوعة
يمارس مرتزقة الاحتلال التركي أسوأ الانتهاكات لحقوق الإنسان، وبخاصة المرأة، التي تعرضت للقتلِ والسلبِ والاغتصابِ والابتزاز الجنسيّ والاختطاف، وذكرت التقارير الإعلاميّة شهادات مروّعة عما يجري داخل سجونِ المرتزقة، وهي لا تختلف عن ممارسة “داعش”، وقد طرح السؤال علناً بالبرلمان التركيّ، وطالبت تولاي حاتيموغولاري، النائبة عن حزب الشعوب الديمقراطي HDP، بتحقيقٍ برلمانيّ، وسألت وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، عن تقارير رصدت اختطاف مئات النساء والفتيات الكرديات في مدينة عفرين، على يد المرتزقة الذين تدعمهم تركيا. وقالت: “هل تحققون في مزاعم إرسال فتيات ونساء من عفرين إلى ليبيا كعبيد؟ هل الحكومة التركيّة تعلم بالاعتداءات الجنسيّة في معسكراتِ وسجونِ عفرين؟ هل ستتخذون الخطوات اللازمة للتعامل مع هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان؟ هل ستقومون بأنشطة منسقّة مع المنظمات الدوليّة في هذا الصدد؟”.
وتحدثت ميغان بوديت، مؤسِّسة “مشروع نساء عفرين المفقودات”، عن انتشار خوف شديد من التعذيبِ لدرجة أن تمتنعَ النساء عن مغادرة منازلهنّ لأنهن يخشين أن تستهدفهنّ الجماعات المسلّحة. أطلقت بوديت موقعاً إلكترونيّاً عام 2018 لتعقب اختفاء النساء في عفرين، وهو مصدر قلق هائل إلى جانب ممارسات التعذيب.
وذكرت تقارير أمميّة وحقوقيّة كثيراً من التفاصيل عن الانتهاكات بحق النساء، مثل تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في 14/9/2020، عدا عن التقارير والمعلومات التي تنقلها وسائل الإعلام بصورة يوميّة.
 من العالة إلى الإعالة
بالمقابل فإن الحديث عن وضع المرأة في ظل الإدارة الذاتيّة يمثل الصورة الأخرى لحالة التسامي والانفتاح الذهنيّ، ولذلك لا يمكن مجرد المقارنة بين المرحلة الحالة التي تعيشها عفرين والمناطق المحتلة في ظل الاحتلال على صعيد قضية المرأة، والسنوات الأربعة خلال فترة الإدارة الذاتية، وبالمثل العقود السابقة ما قبل الأزمة السورية، سواء على مستوى مظاهر الحياة العامة أو البيانات الإحصائيّة، ونسبة مشاركة المرأة بالحياة العامة، فقد أنجزت الإدارة الذاتية نموذجاً استثنائيّاً غير مسبوقٍ في التنظيم الإداريّ والمجتمعيّ باعتماد الرئاسة المشتركة للمؤسسات والهيئات الخدميّة، كما شهدت زيادة معدلات انضمام المرأة إلى مختلف ميادين العمل والوظائف بما فيها العمل العسكريّ وتأسيس وحدات حماية المرأة وقوى الأمن الداخليّ. وانتقلت من حالة كانت فيها عالة إلى الإعالة، ليس وفق مقاييس اقتصاديّة وماليّة فحسب بل لأن تكون صاحبة قرارها في شؤون حياتها ومصيرها أولاً ومن ثم الإدارة.
كتبت رايتشل هيغن في تشرين الثاني 2020 في Open Democracy تقول: تَصِف امرأة لم تذكر اسمها في أحد المقاطع المصورة تفاصيل احتجازها في منطقة “عفرين”، شمالي سوريا، فتقول: “هدّدني بقتل ابنتي واغتصابي والتقاط صورٍ لي وتوزيعها على الجميع. وأجبرني على مشاهدة ممارسات التعذيب بحق النساء. كانت تلك المشاهد مريعة لدرجة أنني مرضتُ لمجرّد رؤيتها”. وتتابع رايتشل فتقول: كانت عفرين سابقاً منطقة ذات أغلبية كرديّة، حيث تتمتع المرأة بحقوق تفوق نظرائها في أيّ مكان آخر من سوريا، ذلك البلد الذكوريّ الغارق في حرب دموية. يُمنَع زواج الأطفال وتعدد الزوجات هناك ويُعتبر العنف المنزليّ جريمة.
الديمقراطيّة ليست عملاً محدداً أو نشاطاً طارئاً، بل هي أسلوب يشمل كلّ نواحي الحياة اعتباراً من الأسرة والتعليم والصحة وأسلوب الإدارة، وتعني إسقاط ذهنيّة الوصاية وإنهاء حالة القهر والإقصاء، وتمكين المرء من أن يحقق ذاته وفقاً لإرادته.