سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

في يوم العمال العالمي… مشروع نازحة على طريق M4

قامشلو/ دعاء يوسف –

تضع “خيرية الأهدب” عربتها إلى جانب الطريق M4، وتتكئ على عجلتها بانتظار المارة الراغبين في تناول المشروبات الساخنة، التي تعدها وتبيعها بأسعار زهيدة، وبابتسامة وديعة.
واحدة من الأمهات الكادحات، اللاتي يجتهدن ويشقين من أجل توفير احتياجات أسرهن، دون أن تسلط عليهن الأضواء، أو تُهدى إليهن الدروع في يوم العمال العالمي، لم يستسلمن للحياة بعد أن عصفت بهن الحياة.
عاشت خيرية تجربة شقاء خاصة بدأتها في سن مبكرة منذ أن عصفت الحرب بمدينتها، ومع مرور أكثر من 13 سنة على اندلاع الأزمة السورية، لا تزال الكثير من العوائل والأسر، تعاني وضعاً معيشياً واقتصادياً صعباً في بعض المناطق التي نزحت إليها، إلا أن العديد من العوائل، قد تأقلمت مع هذا الوضع، وبدأت بمشاريع خاصة صغيرة توفر لها دخلاً جيداً متأملة بالعودة يوم ما إلى الديار، كما فعلت خيرية.
رحلة نزوح
الخمسينية خيرية الأهدب أم لعشرة أولاد، نزحت من مدينة حمص منذ عام 2011، إلى مناطق أكثر أماناً فحطت رحالها في قرية قريبة من مدينة قامشلو في عام 2016، بعد رحلة نزوح طويلة. حيث تستيقظ كل يوم في الساعة الخامسة فجراً، تجهز الصندوق الذي خصصته لوضع المواد اللازمة لإعداد المشروبات الساخنة كالشاي والقهوة، وتسير إلى عملها حاملة الصندوق على كتفيها، على مفرق طريق عمبارة ـ الدولي، الذي يبعد عن قريتها بضعة كيلو مترات.
تضع خيرية عربتها إلى جانب الطريق، وتتكئ على عجلتها بانتظار المارة الراغبين في تناول المشروبات الساخنة، التي تعدها وتبيعها بأسعار زهيدة، وبابتسامة وديعة.
وقد عاشت رحلة من المعاناة خلال نزوحها، فقد نزحت إلى منطقة الشدادي في البداية إلا أنها ناحية نائية، لم تتواجد فيها فرص للعمل، وقلة المياه سببت للعائلة أزمة أخرى، فانتقلت إلى قرية قريبة من مدينة قامشلو على الطريق الدولي، وتقول: “ساعدني أهل القرية إذ قاموا بإعطائي منزل للعيش فيه مع أفراد أسرتي”.
فكرة مشروع صغير
كما أن عمل زوجها متقطع حيث يعمل ليوم ويتوقف عن العمل لأيام أخرى؛ ما جعلها تبحث عن عمل تساند فيه زوجها: “لقد كنت أملك شاة كنت آخذ منها ما يوفر طعاما لأفراد أسرتي، وقررت مقايضتها بمتور ذي ثلاث عجلات “طريزينة” من أجل أن يعمل به زوجي، ولكن لم ينجح الأمر”.
تراقب السيارات المارة، وهي تكمل سرد قصتها: “مع البدء بالعمل على طريق عمبارة قررت أن أبيع المشروبات الساخنة على الطريق، فالمنطقة مقطوعة والسيارات بحاجة لاستراحات، ومن هنا قررت العمل على هذا المشروع الصغير”.
تبيع مقدار قوت يومها إلا أنها راضية بما قسم الله له، بالإمكانات المتاحة لديها، حيث أنها تصنع القهوة على غاز، وتأمل في شراء ماكينة صنع القهوة (إسبريسو)، وتوسيع مجال عملها لتوفير دخل يقي أسرتها شر العوز.
آمال في تطوير المشروع
تسخن خيرية المياه عن طريق غاز سفري متنقل تأخذه معها، ولكنها مع ارتفاع درجات الحرارة، وبدء فصل الصيف يتوقف مشروعها عن العمل، حين أن المارين من الطريق يطلبون المشروبات الباردة، وهي غير متوفرة لديها.
وتتمنى خيرية أن تكون قادرة على وضع بعض البسكويت، والمشتريات الأخرى التي تجذب المارة، وأن تتوفر لديها مبردة مياه: “إن عملي هذا قد كفاني من مد يد الحاجة للناس، لا أريد محلاً كبيراً أو أي شيء أخر، فقد أريد أن أعيش أنا وأطفالي بسلام في حياة هنيئة، وأطمح لأن يكبر مشروعي حتى يلبي احتياج عائلتي المتزايدة”.
تبقى خيرية على الطريق حتى ساعات الظهيرة، فمع ارتفاع درجات الحرارة تحمل صندوقها عائدة للمنزل، لتعد وجبة الغداء لأولادها بما جنته في يومها، وتعود في المساء إلى عربتها مغادرة في ساعات متأخرة لمنزلها لتنتظر بزوغ شمس يوم جديد لتعود إلى العمل.