سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

في اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال.. أطفال سوريا بين مستقبل مجهول ومحاولات تحسين واقعهم

الشهباء/ فريدة عمر ـ

على غرار أعوام من استمرار الأزمة السورية، لا زالت المخاوف حول مستقبل الأطفال السوريين الذين كانوا واجهة للمأساة والحرمان من حقوقهم، فماذا بانتظارهم وهل من بصيص أمل قد يغير من أقدارهم نحو الأفضل؟
يعدُّ الأطفال، الفئة الأكثر تضرراً نفسياً وجسدياً، لاسيما الذين حرموا من تعليمهم وخاضوا حياة الكبار باكراً، الهجرة في المخيمات، والنزوح واللجوء والعمالة والتسليح، لتبقى آثار الدمار والموت أولى التجارب، التي حفرت في نفوسهم. ففي سوريا تحديدا، ولد جيلٌ من الأطفال السوريين تزامناً مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، وهم أصغر من أن يستوعبوا هذا الحدث، الذي غيّر مجرى حياتهم، وترك ملايين الأطفال يعانون ويلات الحرب، التي دنست زهرة طفولتهم.
الصعوبات التي تواجه أطفال سوريا خلال الأزمة
ويواجه الأطفالُ السوريون، خلال ثلاثة عشر عاماً مضت، الكثير من الصعوبات، وكانوا واجهةً للمأساة والخاسر الأكبر في الحرب والصراع الدائر، فالعديد منهم خسر روحه وصحته وتعليمه ومسكنه الذي يأويه. حيث كشفت عدة تقارير صادرة من جهات معنية، منها تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان بأنه في سوريا خلال الفترة من آذار 2011 وحتى حزيران 2021 قتل أكثر من 29520 طفلاً على أيدي أطراف النزاع، فيما كشف تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إن 6.5 مليون طفل يحتاجون إلى المساعدة بشكل عاجل للعيش، فهؤلاء يفتقدون أبسط وسائل العيش الكريم كالغذاء والماء والمأوى، حيث يعيش أغلبهم بين مخيمات النزوح واللجوء وحرموا حقهم في التعليم بعد أن تسربوا من مقاعد الدراسة نتيجة الحرب وانهيار المدارس والمحاضن.
ولم يحمل العام 2023 أي بصيص أمل للأطفال السوريين، حيث استمرت أعمال العنف، التي لم تستثنيهم، فبحسب إحصائية المرصد السوري لحقوق الإنسان، قتل 300 طفل خلال العام بأشكال وأساليب مختلفة على اختلاف المناطق، وقتل مالا يقل عن 24 ألف طفل، منذ بداية الصراع عام 2011 إلى غاية 2023، ما يترجم الإجرام الذي حصل بحق اليافعين الذين كانوا أدوات حرب حقيقية أمام مرأى العالم ومسمعه.
جيل معلق على خيط رفيع
 أن استمرار الأزمة في الصراعات والحروب الدائرة، يشكل المخاوف الكبرى حول مستقبل الأطفال في سوريا، فالأطفال الذين لم يفقدوا حياتهم، لم يكن وضعهم أفضل، فهم معلقون بالحياة بخيط رفيع، الحرب تركت أثرًا كبيرًا على صحة الأطفال النفسية الذين عاشوا هذه الفترة.
حيث قالت منظمة “أنقذوا الطفولة”: “إن الجيل القادم في سوريا سيكبر ويعاني صدمات نفسية وعصبية، على اعتبار أن 89% من أطفالهم يعانون جراحًا نفسية يصعب احتواؤها أو علاجها، و81% منهم أصبحوا أكثر عدوانية، ونسبة أكثر من 70% يعانون من التبول اللاإرادي نتيجة الخوف الذي عاشوه”.
فيما سجل برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، خلال الأعوام السابقة، أرقاماً كبيرة لمعاناة الأطفال في سوريا، حيث يعاني 12.4 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي، أي ما يقارب 60% من السكان، وازدادت تلك النسبة مع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها سوريا والارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية.
وإلى جانب ذلك، يعاني الأطفال النازحون والمهجرون في المخيمات تحت وقائع الحرب، وتلك الأزمات أوضاعاً صحية صعبة تدهورت فيها الرعاية الصحية اللازمة لهم، وخلال سنوات الحرب سجلت وفاة العديد من الأطفال في مخيمات النازحين والمهجرين بسبب نقص الرعاية الصحية والبرد القارس.
كما أنهم حرموا من حقوقهم، وهو حق التعليم، فتقدر منظمة اليونيسيف في إحصاء سابق لها، عدد الأطفال خارج مقاعد الدراسة في سوريا بنحو 3.2 مليون طفل، ووجود مدرسة من كل ثلاث مدارس لا تصلح للاستخدام بعد تدميرها أو استخدامها كمراكز إيواء أو لأغراض عسكرية، في حين قالت “إن 750 ألف طفل سوري لاجئ في دول اللجوء خارج المقاعد الدراسية، أي ما يقرب من طفل من بين كل ثلاثة أطفال لاجئين ممن هم في سن الدراسة”.
وإضافةً لذلك، يوثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، بشكل يومي تنامي ظاهرة التخلي عن الرضع، ويتم التخلص منهم بوضعهم بجانب القمامات أو في الحدائق، بسبب إنجابهم خارج الإطار الشرعي أو القانوني، أو نتيجة عدم التمكن من الاعتناء بهم، وتوفير حياة آمنة لهم، حيث يكاد لا يمر يوم إلا ويتم توثيق حالة، وهو أمر خطير نتيجة الصراع المستمر، حيث وثق المرصد السوري خلال العام 2023 فقط، 66 حالة تخلٍ عن أطفال حديثي الولادة في مختلف المناطق السورية.
الحرب.. أبرز أسباب عمالة الأطفال
عمالة الأطفال، هي واحدة من الظواهر الاجتماعية، التي انتشرت مؤخراً في المجتمعات وتؤثر بشكل خطير على حياة الأطفال، فيشكل الفقر والوضع الاقتصادي، التي ولدتهما الحروب والصراعات الدائرة، أحد أبرز الأسباب، التي تدفع الأطفال للانخراط في العمل، حيث يضطر العديد منهم الى إعالة أسرة كاملة، أو المساهمة في توفير الاحتياجات المختلفة.
ويعدّ استغلال الأطفال في أي شكل من أشكال العمل وحرمانهم من الطفولة من أسوأ الأمور، التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال إذ أنه يمس كرامتهم وإمكاناتهم ويعيق قدرتهم على التمتع بحقوقهم الأساسية كالتعليم والصحة والتغذية والحماية، وقد يترك ذلك آثاراً تلازم الطفل بقية حياته على المستويين النفسي والجسدي.
وينتج عن تشغيل الأطفال، أو عمالة الأطفال العديد من الآثار الضارّة، التي تنعكس على صحتهم، فقد يتعرّض بعض الأطفال العاملين للعديد من الاعتداءات الجسدية، والجنسية، إضافةً إلى سوء المعاملة العاطفية، ويتمثّل ذلك بالعقاب البدنيّ كالضرب، أو من خلال الشتم، واللّوم، والرفض، والإهانة، إلى جانب إهمال تأمين احتياجاتهم من الغذاء، والمأوى، والعلاج، والملابس، وقد يظهر ذلك على شكل إصابات مختلفة في أجسامهم، كالحروق، والجروح، والكسور، والإرهاق، والدوار، ولا تقتصر أضرار عمالة تشغيل الأطفال على مجال عمل محدّد، إذ يعمل الأطفال في العديد من المجالات المختلفة، وآثار تشغيلهم تختلف باختلاف الأعمال التي يقومون بها، ولكنّها بالمجمل تعود بأضرار عديدة على الجانب الصحيّ لهم على المدى الطويل.
الاحتلال التركي ناقوس خطر يدق بمستقبل الأطفال
ومنذ بداية الأزمة السورية، كان للاحتلال التركي دور كبير، في المساهمة في إطالة عمر الأزمة واستغلال كل تفاصيلها لتمكين تطبيق مشروعه العثماني على أرض المنطقة، وبكل تأكيد كان كل ذلك على حساب دماء الشعب السوري والأطفال على وجه الخصوص.
ففي المناطق السورية، التي احتلها تركيا، حالة مأساوية يعيشها الأطفال، حالات العنف النفسي والجسدي وزواج القاصر والاغتصاب، ففي عفرين المحتلة فقط، وحسب إحصائية لمنظمة حقوق الإنسان عفرين – سوريا، قتل أكثر من 600 طفل، وحدوث عشرات حالات الانتحار لفتيات قاصرات نتيجة حالات العنف الجسدي والنفسي واغتصاب القاصرات، إلى جانب الاستمرار في استهداف أطفال عفرين المهجرين في مناطق الشهباء والمخيمات، وارتكاب المجازر بحقهم كمجزرة تل رفعت وغيرها، واستهداف المدارس والعمل لحرمانهم من التعليم. بما يزيد بذلك مخاطر القلق بشأن مستقبل الأطفال، الذين يتعرضون بشكل يومي لاستهداف أسلحة المحتل التركي إلى جانب الانتهاكات الأخرى.
محاولات لتنمية الأطفال وتحسين واقعهم
وإلى جانب المخاطر التي تواجه الأطفال، في عموم إقليم شمال وشرق سوريا، تعمل العديد من الجهات على احتواء هؤلاء الأطفال وتأمين حياة آمنة لهم، وحول ذلك، أشارت الناطقة باسم منظمة ستيرك لحماية ومتابعة حقوق الطفل في مقاطعة عفرين والشهباء، بديعة مسلم: “للأسف إنّ الأطفال هم من يدفع ثمن الحروب، وهم أكبر الخاسرين لأنها سلبت أهم حق من حقوق الطفل، وهو حق الحياة والعيش في استقرار، وهؤلاء الأطفال تشكلت لديهم ذاكرة لن تُمحى بسهولة بسبب مشاهداتهم للدمار والدم والقتل، إضافة لمعاناة بعضهم من التهجير وفقدهم بيوتهم ومدارسهم وأصدقاءهم”.
وأضافت: “فحال أطفال عفرين المهجرين، لا يختلف عن باقي الأطفال السوريين، لذلك إننا كجهة معنية بمتابعة أوضاع الأطفال، وتقديم الدعم لهم، نحاول على الرغم من قلة الإمكانات المتوفرة، الوصول إلى الأطفال، وتنمية مواهبهم، وخاصة الأطفال القاطنون ضمن المخيمات، وكان أبرز مشاريعنا هذا العام افتتاح فرع آخر لنا في مخيم سردم، ونعمل على افتتاح فروع في المخيمات الأخرى، لنعمل على إمكانية ملء الشاغر الموجود لدى الأطفال بمواهب كالرسم والموسيقا ومشاريع أخرى، من شأنها تحسين الجانب النفسي والعقلي، إلى جانب سد الطريق أمام محاولات ضياع الجيل مجددا”.
على الجهات المعنية القيام بواجبها
 وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال، ناشدت الناطقة باسم منظمة ستيرك لحماية ومتابعة حقوق الطفل، في مقاطعة عفرين والشهباء “بديعة مسلم” ،في ختام حديثها، الجهات المعنية بضرورة العمل لتأمين حياة آمنة للأطفال وحمايتهم وإزالة الأسباب الرئيسية كالحرب والاحتلال: “إن الأطفال هم المستقبل، وحمايتهم لا يجب أن تكون بالقول فقط، لذلك نأمل بزيادة الدعم النفسي لكل طفل، وخاصة من المحيطين بهم، وفي المدرسة التي يقع عليها العبء الأكبر لإعادة تأهيل أطفالنا علينا أن نساهم في تخليصهم من ضغوط الحرب وآلامها، والأهم إزالة الأسباب الرئيسية المؤدية للأزمة، كالحرب والصراعات الدائرة، وهذا يقع بالدرجة الأولى على المجتمع الدولي، ومنظمات حقوق الطفل المعنية بحماية الطفل لتأمين مستقبل آمن لهم”.