سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

في الذكرى الـرابعة والثلاثين للفاجعة؛ مجزرة حلبجة الدوافع والأسباب

 آزاد كردي / منبج_

تمر ذكرى مجزرة حلبجة هذه الأيام، وقد تكون كمثيلاتها من المجازر، لكن من المؤكد أن هناك اختلافاً في دوافع وقوعها، يعزى إلى عدد من التحليلات، والقرائن والاستدلالات، وفي كل الحروب التقليدية المعاصرة عادة ما يشار إلى أحد المتنازعين باستخدام أسلحة بيولوجية، فالحرب بشكل عام منذ قدم التاريخ، لا تعرف أبداً أي شعور للإنسانية، ولا تخضع لمنطق العقل،
 أما في مثل هذه الحروب فالمهم أن يتمكن أحدهما القضاء على أكبر عدد من المدنيين الأبرياء بصرف النظر عن زمان ومكان الحدث، ولا غرابة أن تتشابه المجازر فيما بينها، من حيث الآلية والدافع بالقتل، ويبدو أن مجزرة حلبجة فتحت شهية عارمة للتنكيل بالكرد طالما الأداة تحكمها لذة سادية متوحشة، ولا فرق في هذه المجازر، فيمن استخدمها هذا النظام الدموي أو ذاك، فالدم المسال على جثث الشعوب من سمة الطغاة،
لا شك أن مجزرة حلبجة تشبه أخواتها من المجازر الوحشية، التي يراد لها إيقاع أكبر قدر ممكن من الضحايا المدنيين، وتعد الأنظمة العربية مثل الأنظمة في أكثر مناطق العالم استخداماً للأسلحة البيولوجية، وبالأخص على شعوبها لفرض السلطة بالقوة، كما حدث في الثورة السورية في منطقة الغوطة وخان شيخون، ويتعين بنا على أية حال توضيح الدوافع وبيان الأسباب، التي دعت النظام العراقي إلى إصدار قرار بتنفيذ المجزرة وإلحاق الأذى بعدد كبير من الكرد.
فالمجزرة تحددت وفق مؤثرين داخلين، وآخرين خارجيين اثنين، أما المؤثران الداخليان، فالأول اتجاه العراق بعد أن سيطر الرئيس صدام الحسين على مقاليد الحكم، وكان العراق من أكثر البلدان العربية رخاء، ورغداً للعيش، هذا الثراء مكنه من تطوير ترسانة من الأسلحة الحديثة كأكبر قوة عسكرية في المنطقة، استخدمها في مواجهة دموية مع الدولة المجاورة إيران، وكان هذا سبب دخول إيران لمنطقة حلبجة، ذريعة لشن مجزرة وحشية بحق الكرد الأبرياء، وأما المؤثر الثاني: فيندرج تحت تأسيس حزب العمال الكردستاني، الذي بدأ صعوده خلال فترة الثمانيات، كتنظيم سياسي يحظى بتعاطف الكثير من أكراد تركيا، عمالاً ومثقفين وفلاحين، وكان الرئيس العراقي صدام حسين يخشى أن يمتد أثر هذا التنظيم إلى مناطق من العراق ومن بينها حلبجة، وآثر أن يقوم بتنفيذ المجزرة قبل ألّا يقوى على إخمادها فيما بعد.
أما فيما يخص المؤثرين الخارجيين، فأولهما يعود إلى جملة الأحداث السياسية والعسكرية، التي نشأت في فترة الأربعينات من القرن المنصرم، وأدت إلى نشوء حركات التحرر الوطنية وارتفاع الشعور القومي العربي، ويبدو أن تلك الفترة التي طغى عليها الحراك السياسي الوطني شهدت استقراراً سياسياً، وتداولاً للسلطة بشكل طبيعي بخلاف مراحل سابقة في الثمانينات، حيث شهدت الأنظمة التفرد بالحكم، والاستبداد ومواجهة أي خطابات أو أيديولوجيات أو أي حركات تحررية أخرى ومواجهتها بالقمع والنار، وخشي رأس النظام العراقي صدام الحسين أن يتحصل الكرد على تمويل إيراني، أو تركي، فبادر إلى إبعاد الخطر جاثياً قبل أن يصل إليه هرولة، وثانيهما احتدام شدة الهوة بين القطبين الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية والصراع على أشده في المنافسة للوصول إلى المنطقة سواء إيدلوجياً من خلال الفكر الاشتراكي، أو عسكرياً عن طريق الأحلاف، والتدخلات المباشرة في أفغانستان، وبطبيعة الحال تأثرت أغلبية الأنظمة العربية بالنظام الاشتراكي، الذي كان يرى في أي حراك محلي، أنه مناوئ له ويعدّه ممولاً ومرتبطاً بالخارج، وبالتالي يهدد العرش، وكان رأس الهرم العراقي أيضاً لا يثق بالكرد في ذلك الحين، إذ كان يرى فيهم تهديداً على حكمه وعرشه، وهذا ما يفسر اعتماده على الخواص من الأقارب ومن أبناء جلدته المقربين للبقاء في الحكم أطول وقت ممكن،
إن مجزرة حلبجة لم تكن الأولى، ولا الأخيرة التي يتعرض لها الكرد على مر التاريخ، قديماً أو حديثاً، كان الشعب الكردي من أكثر شعوب العالم تعرضاً للظلم والاستبداد من قبل الأنظمة الدكتاتورية، التي سلبت منه حريته وجردته من أبسط حقوقه المشروعة رغم إصدار هذه الدول قوانين ودساتير تزعم بمناداتها بحقوق الإنسان.
 إن سلاح المجازر، التي تشهره الدول الدكتاتورية وعقلها الفاشي، تعدى كل الخطوط الحمراء، وأوصلها إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ولجأت إلى أساليب شوفينية من خلال تغيير ديمغرافية أجزاء واسعة من مناطق الكرد، وإزالة قرى بسكانها وأجبرت أبناءها على الهجرة قسراً بالإضافة إلى تغيير قوميتهم، وعملت على طمس معالم الثقافة الكردية، وصهرهم في بوتقة شعوبها أو اقتلاعهم من جذورهم كما حدث في الماضي ويحدث الآن في العديد من المناطق المحتلة في عفرين وسري كانيه وكريسبي لكن على يد نظام آخر وهو المحتل التركي.
ومن المفارقة أن العدالة الإلهية ستتدخل وستحققها لمن ارتكب بحقهم مجازر وإبادة جماعية ولا سيما للكرد على الأمد المنظور، أو البعيد سواء على يد الشعوب ذاتها أو على يد دول أخرى، كما حدث مع عدد من رؤساء الدول العربية في مطلع عام 2011 بما يسمى الربيع العربي.
نترك لكم التعليق