موسيقى حنونة ترافقُ حفلات افتتاح معارض الفنّانة التّشكيليّة فيفيان الصّائغ، المنبعثة من عطشٍ الأرضِ ومن أبهى ما في ندى السَّماءِ، ترسمُ الفنّانة أعمالها من وحي شهوةِ الرّوحِ في أوجِ سموِّها وهي تشرقُ ضياءً ساطعاً عبر انبعاث دندناتِ الأحلامِ، كأنّها في جوقةٍ موسيقيّة تبهجُ قلوبنا العطشى إلى أنغامٍ الفرحِ. تناغي الألوانَ كمَن ترقصُ معَ تموجاتِ النَّسيمِ في صباحٍ مبلَّلٍ بأغاني فيروز. تستوحي ألوانَها المبلَّلة بحلمٍ مفروشٍ على مساحاتِ آمالٍ متهاطلةٍ من لجينِ ذاكرةٍ معجونةٍ برحيقِ الزّيزفون. لا تملُّ من عناقِ حبورِ الألوانِ، تفرشُها بدلالٍ عميقٍ مثلَ أمِّ مكتنزةٍ بمهجةِ الحنينِ إلى ظلالِ الدّالياتِ المعرّشة فوقَ جدرانِ الأحواشِ العتيقة. تواجهُ انكساراتِ الحياةِ بريشتِها المنسابةِ فوقَ وجنةِ اللَّوحاتِ كما تنسابُ زخّاتُ المطرِ فوقَ مروجِ الغاباتِ. عبرتْ برغبةٍ جامحةٍ في أعماقِ مكامنِ الألوانِ، وغاصتْ في أسرارِ وميضِها ومنعرجاتِ طلاسمِها، ممسكةً بخيوطِ العشقِ المجنّحةِ نحوَ ذروة تماهياتها معَ فضاءاتِ بوحِ القصائد، فجاءتْ تناغماتُها اللّونيَّة مخضَّلةً برهافةِ الأحلامِ. هل كانت فيفيان الصَّائغ يوماً ما، قصيدةَ عشقٍ متطايرةً من خدودِ غيمةٍ حُبلى باخضرارِ الرَّبيعِ، هل كانتْ شجرةً شامخةً فوقَ هضابِ الحنينِ، أم كانتْ إشراقة فجرٍ في صباحٍ مندَّى بالوئامِ؟!
حالما شاهدتُ لوحات الفنّانة لأوَّلِ مرّةٍ، شعرْتُ أنّني أمامَ فنَّانةٍ متميّزةٍ وفريدةٍ في توهّجاتِ خيالها وانزياحاتها اللّونيّةِ، المتعانقةِ معَ بهاءِ الحداثةِ وما بعدها، وأدهشتني جرأتها الشَّاهقة في متاهاتِ التّجريبِ، المتماهية مع عوالمِ الأدباءِ والشُّعراءِ والمبدعينَ الّذين غاصوا عميقاً في خفايا البوحِ في فضاءِ التّجريبِ وخصوبةِ التّفكيرِ والتّجديدِ على إيقاعِ سرعةِ إبداعاتِ العصرِ، وذكّرتني في حالتي الّتي لا فكاكَ منها من استيلادِ رؤيةٍ شعريَّةٍ من بهاءِ وردةٍ، ومن شهقةِ غيمةٍ، ومن وميضِ نيزكٍ، أو من مواءِ قطّةٍ على قارعةِ الطّريقِ تبحثُ عن صغارِها الّذين