جل آغا/ أمل محمد –
تُعدُّ فيروز حسو من قامشلو مثالاً للمرأة القوية المستقلة التي واجهت المجتمع في بداية مسيرتها الحِرفية، المجتمع الذي كان يرفض فكرة عمل المرأة بذريعة العادات والتقاليد، تعمل فيروز في مهنة التزيين أو كما هو معروف “الكوافيرة النسائية”، وكانت أولى خطواتها نحو مشروعها الخاص في التسعينات من القرن الماضي، حينها كانت لا تزال بعض العادات تتحكم بعمل النساء والفكر الذكوري المتسلط هو سيد الموقف.
المرحلة التي نعيشها اليوم والتي تُنادي بعمل المرأة لم تكن كما السابق, عمل المرأة في الماضي كان مُقتصراً على تلبية احتياجات المنزل، أن تكون المرأة مستقلة مادياً وتعتمد على مهنتها أمر تشوبه شائبة، أن تستيقظ المرأة نحو عملها في الصباح الباكر قُبيل عدة سنوات من الآن أمر يخلق الكثير من البلبلة من مجتمعٍ رافض فكرة أن يكون للمرأة مشروع خاص، مُبررين ذلك أن الرجل هو الوحيد الذي يحق له العمل في الخارج.
الإصرار على المتابعة
فيروز حسو امرأة أربعينية من عمرها احترفت مهنة التزيين منذ الصغر، تركت مقاعد الدراسة على الرغم من تفوقها في سبيل تحقيق حلمها وبدأ مشروعها الخاص، كان لصحيفتنا لقاء معها والتي حدثتنا قائلةً: “قاتلتُ كثيراً للوصول إلى هذا اليوم، كنت مؤمنة جداً بفكرتي ولكن كنت في الوقت ذاته في مجتمعٍ لا يؤمن بالمرأة بشكلٍ عام فكيف يؤمن بعملها ونجاحها، نعم كان هناك بعض التحرر من ناحية دراسة الفتاة وعملها في مجال اختصاصها الدراسي ولكن كان بنسبة قليلة، أول عقبة في طريقي كان والدي والذي يتميز بفكره السلطوي الذكوري الذي يرى بأن الفتاة عليها أن تكون جليسة المنزل ليس إلا”.
وتابعت فيروز حديثها قائلةً: “كيف لفتاة أن تمتلك محلاً خاصاً بها في الأسواق وتتشارك العمل في نفس المكان مع الرجال؟ هذا ما كنت أسمعه من والدي حين كنت أُطالبه بحقي في العمل”.
مشروع خاص بعمر صغير
تتميز فيروز بشخصيتها القوية التي ترفض الاستسلام والخضوع وزادت: “كنت حينها في الثالثة عشرة من عمري حين أقنعت والدي بالعمل في المنزل، وبالفعل بدأت بالعمل رويداً رويداً تغيرت نظرة والدي لعملي حتى سمح لي بالعمل خارج المنزل، وأنا في عمر الخامسة عشرة فقط واليوم والدي هو أكبر الداعمين لي”.
العمل يزيد من قيمة الشخص وهو سلاحه في مواجهة واقعه ومصدر قوته، هذا ما بيَّنته فيروز من خلال حديثها: “العمل يُنمي الحس الداخلي للأفراد ويزيد من مكانتهم في المجتمع، عمل المرأة حق شرعي لها بأي مهنة كانت سواء في مجال الدراسة أو الحِرف المهنية أو المجالات الإنسانية، على المرأة خوض سوق العمل والوثوق بنفسها وبمهنتها ليس فقط للاستقلال المادي وحسب إنما لتعريفها بأهمية وجودها في المجتمع”.
الإيمان بالذات يخلق المعجزات
اليوم تقدم فيروز من خبرتها المهنية وحكمتها التي نهلتها من الحياة للفتيات المتدربات اللواتي يُقبلنَّ للعمل والاحتراف لديها: “فتيات صغيرات في مقتبل أعمارهنَّ يتعلمنَّ المهنة لدي، أُقدم لهنَّ خبرتي في المهنة وفي الحياة ودائماً ما أُخبرهنَّ بأن يستغلنَّ الوقت وأن يثقنَّ بأنفسهنَّ”.
خاضت فيروز صعوبات وواجهت التقاليد حتى وصلت اليوم لمبتغاها، الطريق الذي سلكته لم يكن مفروشاً بالورود بل كان عليها الوقوف في كل مرة سقطت، لتغدو اليوم امرأة يُحتذى بها من قبل الكثير من الفتيات: “كثيراً ما يُقال لي أنتِ قوية ولكن ما لا يعلمه الكثيرون أني لم أصل لهذه القوة إلا بعد قصص عديدة، لذا دائماً ما أُخبر محيطي الأسري ودائرة علاقاتي بأنه لن تصل لهدفك سوى بالمواجهة والإيمان بقدراتك”.
بضع الليرات وسعادة غامرة
وعادت فيروز بالزمن إلى الوراء ما يُقارب أكثر من خمسة وعشرين عاماً بالقول: “أولى النقود التي استلمتها من أول عمل خاص لي كان بضعة أوراق ورقية وضعتها في خزانتي، كنت أقوم بعدها من الحين للآخر لم يكن العالم بأسره يسعني لفرحتي، الفكرة ليست مقترنة بالمادة إنما بأن يكون لك مشروع خاص بعمر صغير في مجتمع لا يؤمن بك”.
وفي ختام حديثها أشادت فيروز بالدور الذي لعبته ثورة روج آفا في تغيير بعض الأفكار البالية، وسنِّ القوانين التي تؤكد على أهمية المرأة ودورها الجوهري في المجتمع: “ما نعيشه اليوم مُغاير تماماً عن الزمن الغابر فكراً وواقعاً، التغيير الإيجابي الذي قامت به ثورة روج آفا في وضع القوانين للمرأة والإيمان بمكانتها في المجتمع جعلت من بعض الأفكار القديمة تتناثر للأبد، المرأة اليوم أكثر حظاً مع وجود داعم لها عليها استغلال ذلك وخوض زمام الأمور والتحلي بالقوة لمواجهة واقعها والثقة بموهبتها حتى وإن كانت بسيطة”.
