فنه الهادف والرمزي انعكاس الواقع في لمحة الجمال

قامشلو/ دعاء يوسف –

للفن رسالة قيمة، ونظرة انتقاد تتوسطها قيم الجمال، والتعبير لواقعٍ مرَّ، أو حدثٍ تسامى، يعيشها الفنان، ويمحورها انعكاسا جماليا تعبيرا، بعدد من الفِكر، والتأويلات، لكن الفكرة والترميز والألوان، إن كانت ذات صلة بالمجتمعية؛ فتكون هي الأصدق، 

والأعمق، وهذا ما لاحظته في لوحات فنان، تموجت عنده الألوان، وامتزجت بها الشكوى، والألم، فكان مقصد حديثي، وزاد قلمي الباحث عن الحقيقة والجمال. 

بلوحة معبرة عن صرخة عفرين المتجسدة في عيني امرأة تقف خلف قطبان الحديد، وأخرى امتزجت فيها الأجساد، لشيخٍ وامرأة، ولطفل، ولرجل في جسد واحد، تمثلت فيها المقاومة، والصمود، أمام مرارة، وصعوبة اللجوء.

فلوحات النزوح والهجرة، وصور المقاومة بلوحة لامرأة رافعة سلاح زوجها الشهيد المتهادي في راحت يدها، دلالة على النصر، فيما تحمي طفلها المتشبث بالإسلاك الشائكة، وكأنه يأبى مغادرة أرضه المحتلة.

رسم الفنان “عبد اللطيف أحمد” وعامودا ممثلة في عينيه وريشته، التاريخ الإنساني، فعندما تمعن النظر إلى تلك اللوحات، تجد كل واحدةً تحدثك قصتها، وتفصح عن أحداث الواقع، لتكون الشاهد على المجازر، التي تحصل في وطنه.

بدء تاريخه الفني

بدأ الفنان التشكيلي “عبد اللطيف أحمد”، مسيرته الفنية عام 2003، من خلال مشاركته في معرض للتراث الكردي: “لقد بدأت الرسم بتوجيه من معلمي في الصف الثاني الثانوي، ونميت موهبتي حتى افتتحت معرضي الأول بمشاركة الفنان “محمد خير أوسو”.

وأضاف: “إنني أمارس الفن هواية إلى جانب الموسيقا والغناء، فيما أمارس مهنتي المحببة، وهي التدريس”.

ويعمل “أحمد” محاضراً بجامعة روج آفا، قسم “معلم صف”، منذ عام 2016، فيما لم يتخلَّ عن الرسم والمشاركة في المعارض السنوية للفن التشكيلي.

واعتمد “عبد اللطيف أحمد” على نفسه، فيما واجه العديد من الصعوبات في افتتاح المعارض: “لقد كان الأمر شبه مستحيل، فجميع المعارض، التي كنا نشارك فيه سابقاً، كانت لوحات المناسبة كلها تتبع لسياسة حكومة دمشق، فيما تمنع العديد من اللوحات الفلكلورية الكردية، وافتتاح معرض كردي آنذاك كان مستحيلاً، إلا أننا كنا نقوم بمعارض سرية بفترة المساء، فيما بات من حقنا اليوم التعبير عن تراثنا وواقعنا من خلال لوحاتنا”.

وفي إشارة إلى أفضل لوحة لديه: “هذه لوحة فلكلورية لامرأة تعمل على حجر الرحى، تعيدني إلى زمن البساطة والقدم، فيما تحمل بداخلها ذكريات لي داخل قريتي القريبة من ناحية عامودا”.

موضوعات لوحاته الفنية

وعن تسمية اللوحات: “اللوحة لا تُسمى لأنها تملك في جوفها معاني كثيرة، ومن حق المتلقي تفسيرها بعينه الفنية، وعند وضع عنوان للوحة، تقتل معانيها، التي قد تجذب الكثير، فمن يرى الحرب، ومن يرى المقاومة والحزن والصمود، لا يمكن أن تأخذ اللوحة بعداً واحداً، فكل مشاهد هو فنان”.

وعن المعارض، التي تقام سنوياً علق عبد اللطيف أحمد على النواقص: “يتمسك الفنانون الجدد بالمدرسة الواقعية، فيما يبتعدون عن التجريد والتعبير، وفي المعارض لا ينظر إلى الكمية، وهذا الأمر يضعف الفن، فيما يجب وضع دفتر ملاحظات يبدي من خلاله المشاهد الانتقادات والمديح، ما يصقل مهارة الرسام ويقويها، فالمعارض فسحة لتبادل الخبرات وتطوير الذات”.

لوحات تتحدث عن نفسها

بين تلك الخطوط المبعثرة، إن دققت النظر سترى وجوهاً ملأها الحزن، ونساء أعياها التعب من التهجير، إلا أنها ما زالت تتشبث بأطفالها، فيما ترى في لوحة أخرى أطفالاً افترشوا الأرض بين الحياة والموت، أشبه بالجثث قد تسمع أنينهم، فقد أبدعت أنامل الفنان، في نقلك من الواقع إلى داخل اللوحة، وتجد نفسك بين شخصياتها تعايشها كما لو كانت حاضرة بينهم.

رغم ما تحمل لوحاته معاناة وآلاماً، إلا أنها محملة بالأمل والغد الأفضل، مثلما نراه في لوحة المرأة، التي تحمل سلاح زوجها المشبع بالمقاومة، فيما أمسكت بجثة هامدة، إلا أن جسده قد امتزج مع الأرض، فوصف اللوحة: “حملت معاناة الشعب، وصعوبات الحياة بين يديها، إلا أنها تمسكت بالأرض، وهي تراقب المستقبل القادم، فمن لا وطن له، لا مستقبل قادم إليه”.

واختتم الفنان “عبد اللطيف أحمد”، حديثه: “أتمنى أن يصل الكرد إلى مبتغاهم في الحرية، والحياة الحرة الكريمة، وأن نصل بفنوننا، وإبداعنا، وكلماتنا نحو غد أفضل، وأتمنى أن نعيش نحن شعوب شمال وشرق سوريا في حب وسلام على أرضنا، وننمي فكرة أخوة الشعوب، ولنكن يداً واحدة في وجه العدوان”.