سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

فنانة تشكيلية.. تُجسّد الأمل الممزوج بطبيعة الرقة

قامشلو/ دعاء يوسف ـ

استوحت من طبيعة الرقة مُنحنيات، ومعالم لوحاتها، فرسمت الأراضي ليُزيّنها الفرات، ولم تقتصر ألوانها على جمال الرقة، لتصوّر الآلام العالقة في منطقتها لما عانته في الحرب، إلا أنها جسّدت الأمل بلوحاتها، فرسمت ذاتها كاسرةً سلاسل الحرب والدمار الذي عانت منه مدينتها، لِترسم معالمها الجميلة. 
كوثر الخلف“، فنانة تشكيلية ذات الـ 37 عامًا، من أهالي مدينة الرقة، عبّرت من خلال لوحاتها عن بيئة المنطقة وجمالها، ورسمت ألوان، وحكايات الممرات والطرقات والمساحات الخضراء التي لعب فيها الأطفال، وتجوّلت النساء، لتعبق معالم لوحاتها بالتاريخ والأصالة، وتناغمت المنحنيات، والخطوط كأنها تنسج قصيدة جميلة عن فرات الرقة وطبيعتها.
عاشقة الطبيعة
لم تكن الألوان والخطوط تجذب كوثر، إلا أنها كانت من عشّاق الطبيعة كونها تسكن في بيئة ريفية تحيطها الطبيعة من كل جانب، إلا أنها لم تُجرب رسم لوحة لما تشاهده، وبعد التحاقها بمعهد إعداد المدرسين قسم الرسم عام 2008 وجدت نفسها بين ثنايا اللوحات وخفايا الألوان: “شققتُ طريقي في مجال الفن بكل عزم وثبات، لتتطور موهبتي مع مرور الوقت، فدافعت من خلال أعمالي عن الحرية والقيم الإنسانية معتزةً بثقافة الرقة، وذلك بتشجيع خاص من معلمي علاء الأحمد الذي جعلني من عشّاق الفن”.
امتزجت كوثر بالحياة الريفية في الرقة، فصورت ارتباط الإنسان بالطبيعة، وذلك لإبراز سمات الجمال من أعماق لوحاتها، كما أن لوحاتها لا تخلو من الآمال والآلام التي تعيشها خلال تأملك لتفاصيل اللوحة، وغالباً ما نجد اللوحة لديها تضج بالتعبير والحيوية والواقعية فربطت ريشتها بقضايا وهموم مجتمعها، لتنبض لوحاتها بالحركة والحياة. وتشمل أعمالها المناظر الطبيعية والمواضيع الإنسانية التي تضمنت الملامح والتقاسيم والتعابير الممزوجة بمعاناة محيطها وما تعرّضت له مدينة الرقة خلال سيطرة داعش عليها، فيما تجد أن هناك الكثير من الأعمال تحقق انسجاماً وتناغماً بين العناصر المكونة للموضوع من ناحية الملامح والتعبير التي تتضح في الوجه والحركة والألوان، مما يوحي بثقة الفنانة بضربات فرشاتها في تكوين اللون واستخدامها بطريقة احترافية للوصول للتعبير المُراد في أعمالها الفنية، حيث تمتزج كوثر مع اللوحة، وتضع بصمة مميزة تجد فيها الحركة في طبيعة صامتة.
العودة بعد انقطاع
ولم تتوقف كوثر عند محطة واحدة، بالرغم من انقطاعها عن الفن لتلتجئ إلى التدريس، عادت إلى الألوان بعد ثماني سنوات من الانقطاع، لتستمر في العطاء وتخوض أغوار الرسم وتستمتع بكل لحظة تعيشها مع عملها للبحث عن نقلة أخرى في نطاق بصمتها التي عُرِفَت بها، معطية للمتتبع إبداعاً، من خلال أعمالها التي تستند إلى روح الفن فهي تلتقط كل حدث بحيوية وطعم.
ولم تكن العودة لكوثر سهلة، وتحدثت عن تلك المرحلة قائلةً: “لم أكن أتوقع في يوم ما أن أعود إلى الفن، ولكن مع افتتاح المركز الثقافي تركتُ مهنة التدريس، لأُخرِج أقلامي وألواني التي أثقلها الغبار، وألتحق بالمركز الثقافي في رحلة البحث عن نفسي مرةً أخرى”.
تجد كوثر نفسها كالفن الذي تحدى صعوبات كثيرة ولاسيما في سنوات الحرب التي مرّت فيها سوريا فبينت لنا كوثر هذا: “إن الانقطاع الطويل عن الساحة الفنية في سنوات عجاف مرَّ فيها الفن، وأد فيها الحركة الفنية وتصل لمرحلة الاندثار والنسيان ورغم الاستقرار الأمني النسبي في المنطقة مازال الفن يقتصر للكثير من الاهتمام، ومازال الفنان مُهمش رغم عطائه المستمر”.
معالم الرقة كنوز للفن
“كلما شاهدت طبيعة الرقة أسرتني بيوتها الطينية، طرقاتها الترابية، حيث الأعشاب والزهور على ضفتيها، أنهارها أعشابها حيواناتها، هذه المشاهد التي تُبرهن للعالم أن الرقة عادت لتنبض بالحياة من جديد بعد أن اكتسحها سواد داعش”، بهذه الكلمات عبّرت كوثر عن تعلّقها بطبيعة الرقة من خلال لوحاتها.
وعن اللوحة التي أسرت كوثر هي لوحة مزجت فيها اللون بقطع قماش مميزة وذات معنى وقيمة لديها على شكل طفلة ترعى الأغنام، وهي تراقب الجمال المخبئ في طبيعة الرقة.
تواجه كوثر كغيرها من الفنانين العديد من الصعوبات المادية التي تقف عائق أمام أحلامهم، وتقول: “إن مواد الرسم غالية جداً، إقبال متذوقي الفن على ما نرسم ضعيف، والدعم المُقدّم للفنان قليل وقد يكون شبه معدوم، وهذا يجعلنا غير قادرين على الرسم دائماً”.
تعمل كوثر إلى جانب الرسم بالنحت والأعمال اليدوية والتشكيلية، وتحاول أن تُنمّي موهبتها من خلال مشاركتها في العديد من المعارض، فاختتمت كوثر خلف حديثها، بتشجيع الشابات والشبان للاستمرار بتحقيق أحلامهم: “لقد وقفنا على محطات الحياة إلا أننا استمرّينا، حيث قطعتنا الظروف عن الرسم، وعدنا لنُحقق حلمنا وحلم الأجيال من بعدنا”.